كانت تمشي في الحياة بخطوات حذرة
تخاف من الضوء كما تخاف من الظل
اعتادت أن ترى نفسها بعين الآخرين
امرأة بسيطة بلا بريق بلا حضور
الفقر لم يسلبها الأشياء
بل سلبها اليقين
ومع الوقت ذبلت فيها أنوثة خجولة
كانت تنتظر جرأة صغيرة لتتنفس
في مساء خريفي عند مكتبة ضيقة تعانق عتمة الزقاق
رائحة الكتب القديمة تعبق في المكان
صفحات تتقلب بهدوء مع صوت الريح من الشرفة
اصطدمت نظراتها بنظرات رجل أنيق يشبه الاحترام في خطواته
لم يكن اللقاء صدفة
بل لحظة تشبه القدر حين يتجرأ
لم يقل شيئا
لكن ابتسامته أنقذتها من الغياب
كانت ابتسامة تعرف الطريق إلى ما ينام داخلنا
اقترب قليلا وقال
لا ادري لماذا ؟ لكن حضورك يشبه بداية جميلة
تجمد الزمن في تلك الجملة
وشعرت لأول مرة أن أحدا رآها حقا
لا كما تبدو بل كما يمكن أن تكون.
في تلك الليلة جلست أمام المرآة
الزجاج البارد يعكس وجهها المجهد
حدّقت في ملامحها كمن يعثر على كنز مطمور
لمست شعرها وبللت شفتيها بأحمر خفيف
وراقبت في انعكاسها امرأة كانت غائبة عنها
ضحكت بخجل لم تعرفه منذ زمن
وهمست لنفسها
لم أكن ناقصة كنت فقط غير مرئية
وفي اللقاء الثاني
جلسا على مقعد خشبي في حديقة صامتة
نسيم الخريف يداعب أوراق الشجر
والهواء يمشط كلمات لم تقل بعد
نظر إليها طويلا كأنه يقرأ فصولا من كتاب لم يكتمل
ثم قال:
هل أذنبت حين اقتربت من روحك
هل اسأت اليك حين رأيتك كما تستحقين
أنا لم آت لأمتلكك
بل لأزرع فيك الأمل
لأوقظ بركانا كان خامدا تحت رماد الخوف
وأعيدك إلى نفسك لا إلي
كل ما رأيته فيك لم يكن مجرد أنوثة
بل روحا ضائعة بين الرفوف
وإن كان حبي جريمة
فاعذريني
فقد أيقظت في رجلا كان يجهل معنى الوجود
ارتعشت شفتيها
وسقطت دمعة يتيمة على خدها.
لم تكن ضعفا بل اعترافا بالحياة
صمتت الحديقة للحظة
كأن الزمن انحنى احتراما لما سيقال.
رفعت رأسها
وفي عينيها بريق لم يكن موجودا قبل أن يأتي
قالت بصوت منخفض لكنه ثابت:
طوال عمري ظننت أنني أقل من أن أرى
كنت أعيش بنصف حياة
وأكتفي بأن أتنفس بدل أن أعيش
ما أيقظته في لم يكن حبا فقط
بل حياة كنت أظنها لا تخصني
اقترب منها دون أن يلمسها
يكفي أن تقترب الأرواح حين تخجل الأيدي
وقال بهدوء عميق:
إذا لا تتركيها تنام مجددا
ليس لأجلي بل لأجلك
في الأيام التي تلت
لم يتغير العالم
لكنها هي تغيرت
لم تعد تقف أمام المرآة لتتساءل:
هل أستحق؟
بل لتقول
ها أنا.
لم يحتج أن يكتب لها الشعر
فقد كان حضوره قصيدة
ولم تحتج أن تعلن حبها
فثقتها بذاتها كانت الرد
لم يكن هو من منحها الأنوثة
هو فقط أيقظ البركان
أما هي فقد أحيته
وذات مساء يشبه مساء لقائهما الأول
التفتت إليه قائلة بابتسامة واثقة:
إن رحلت يوما فلن يأخذك معي ما أيقظته في
ابتسم لا خوفا في وجهه ولا تملكا
وقال:
وهذا بالضبط ما أردته لك.
لم تكن القصة عن امرأة أحبت رجلا
بل عن امرأة استعادت نفسها
ورجل أحب فيها عودتها لا ضعفها
ولأن الحياة لا تمنح النهايات التقليدية دائما
فقد بقيا
لا هما افترقا
ولا استحوذ أحدهما على الآخر
بل تواصلا كجسرين فوق نهر واحد
يحترم كل منهما ضفاف الآخر
ومن يومها لم تعد أنوثتها خامدة
بل صارت متيقظة
لا تنتظر من يراها
بل تعرف أنها تستحق أن ترى
✦ النهاية ✦
نهلة أحمد حسن
د. سمير عبد الله حماد
منى أحمد محمد إبراهيم
نجلاء محمود عبد الرحمن عوض البحيري
مي ابراهيم محمد القاضي
سحر حسب الله عبد الجبوري
د. زينب عبد السلام محمد أبو الفضل
دينا سعيد عاصم
د. نهله عبد الحكم احمد عبد الباقي
د. عبد الوهاب المتولي بدر
د. محمد عبد الوهاب المتولي بدر
زينب حمدي
ياسر محمود سلمي
حنان صلاح الدين محمد أبو العنين
د. شيماء أحمد عمارة
د. نهى فؤاد محمد رشاد
فيروز أكرم القطلبي 







































