كانت المدينة تتنفس ببطء خائف،
واجهات لامعة تلمع بلا فائدة،
وأطفال يركضون خلف كرة بلا لون،
والشوارع تخفي أنفاسها،
خشية أن توقظ شيئا يتظاهر بالنوم،
أو ينهض من تحت الركام بلا سابق إنذار.
ورغم هذا الهدوء المخملي،
كانت أياد خفية ترتب الحرب بصبر بارد،
تشعل شرارة هنا، وتفجر جمرا هناك،
كل ذلك باسم الحرية، والمبادئ الإنسانية،
مع كل شعلة يتدفق نفاقها على لافتة منمقة،
أحرفها تقطر دما كالخطاب الذي يقتل قبل أن يقرأ:
«نوقف الظلم… ونحمي الإنسان.»
ارتجفت المدينة كورقة يابسة في مهب نيران مقبلة،
والهواء مشبع برائحة الحديد الساخن والخوف،
والظل يختبئ في كل زاوية،
كأن الأرض نفسها تخاف أن تشهد ما سيحدث.
عند طرف الشارع،
وقف رجل يحمل قاذفة أثقل من روحه،
ينتظر الإشارة بلا فكرة، بلا عدو، بلا قضية،
فقط فراغ يترقب انفجارا يملأه،
وفي عينيه انعكاس المدينة المحترقة.
فوق كل شيء،
جلس المتفرج بلا ظل،
يراقب المدينة كلوحة يملكها،
يريد أن يرى لونها وهي تحترق،
يميل قليلا للأمام،
ثم يرفع إصبعه—
حركة صغيرة، باهتة… لكنها كافية لتشغيل آلة الخراب.
انفجر الشارع،
تلاشت نصف الأصوات،
والنصف الآخر عاد صدى مشوها،
كأنه يعتذر عن النجاة.
في نهاية اليوم،
كتب المتفرج في تقريره السنوي:
“تحسن ملحوظ في مؤشرات الإنسانية.”
وتجرعت المدينة صمتها الجريح لتعلن…
الرابح الوحيد،
هو الذي خسر إنسانيته بالمطلق.






































