حين خيم ليل العبث على البلاد،
تربع الحمقى على عروش السياسة كما لو كانت مقاعد مقهى شعبي،
حاملين شعارات متهتكة وابتسامات تدعي الحكمة، بينما تكشف أعينهم عن جهل دامس.
جلسوا حول الطاولة، وبدأت "المحادثات المصيرية":
الأول:
– أقترح أن نلغي القانون رقم واحد… فهو يحد من حريتي في الخطأ.
الثاني:
– بل لنلغي القانون كله! لنريح الشعب من وهم العدالة.
الثالث (يهز قدحه):
– أقترح إنشاء وزارة جديدة… وزارة التبرير الوطني، لتفسير كل حماقاتنا بشكل شاعري.
ضحكوا ضحكا معدنيا، صدى سخرية بلا حياة، بينما كانت الفوضى تتسرب خارج القاعة إلى الشوارع، إلى بيوت الناس، إلى وجوههم.
وفجأة، دخل رجل هادئ، ملامحه بسيطة، لكن في عينيه وهج من الضوء القديم، ضوء يعرف الطريق حين يضيع الجميع.
جلس بينهم دون استئذان.
توقف الضجيج.
شعر الحمقى لأول مرة أن الهواء أثقل من قدرتهم على الضحك.
قال الرجل:
– لقد جربتم الفوضى… فلماذا لا تجربون العقل؟
لماذا لا تحكمون؟ على الأقل لمرة واحدة…
وإن لم يعجبكم، يمكنكم دائما العودة إلى عبثكم المحبوب.
ساد صمت لم يعرفوه من قبل،
كأن الحكمة نبتت فجأة في صحراء طويلة،
وتذكروا أن الشعوب لا تنام طويلا.
ومع رفع الرجل كلمته الأخيرة، انشق الليل عن خيط نور خجول،
نور يشبه بداية قانون، أو عودة دولة.
ارتد الظلام إلى الخلف،
وتراجع الحمقى إلى أعماق عبثهم،
بينما بدأ العقل يظهر مرة أخرى، يلوح في وجوه الناس كما لو كان يفتح نافذة للأمل.
قال الحكيم وهو يضع المصباح على الطاولة:
– "الفجر لا يحتاج إذنا لدخول أي مكان… وقد حان الآن."
خارج القاعة، ارتفع صوت الشعب،
صوت الأرض بعد سنين من الصمت:
– "لقد سئمنا الليل… أعيدوا الفجر."
وبينما يتنفس المبنى أنفاسه الأولى، قال الحكيم بثبات:
– "من هنا… تبدأ أحلام الحكمة."






































