دخلت مكتبه حاملة فنجان القهوة بحسب العادة والتوقيت المحدد ككل يوم ، قدمته له بكل هدوء وهمت بالإنصراف دون أن تتفوه بأي كلمة لكنه قطع صمته المعتاد قائلاً :
_ قررت الزواج منك فأستعدي، سيكون زواجنا ضمن الأسبوع القادم.
لم يرفع نظره عن الورقة التي كان يكمل فيها باقي روايته الجديدة، وتسمرت هي مكانها فاغرة الفاه من وقع ما سمعت.
بين تأكيد وبين عدم التصديق وبعد فترة صمت ليست بقليلة قالت :
_ عفواً سيدي!!.. كلامك موجه لي أنا؟!
أجاب أيضاً دون رفع نظره عما بين يديه وبلهجة حادة :
_وهل يوجد غيرك هنا؟
ردت بإرتباك وهي تتفحص غرفة المكتب فقد تكون إحداهن هنا ولم تنتبه لوجودها :
ل.. ا، لا يوجد غيري... لكن...
قاطعها قبل أن تكمل :
_ حسناً إذاً، فلتتحضري.. وأشار بيده إليها أن انصرفي مكملاً اغلقي الباب خلفك.
لم تنبس ببنت شفة، تجر خطاها متجهة نحو الباب، تستوليها الدهشة والغرابة حتى أصبحت خارج الغرفة، أغلقت الباب ووقفت محاولة إستعاب ما حدث!.
لم تستطع ريتا ليلتها النوم وهي تفكر بما قاله.
منذر.. شاب وسيم ورث عن والده إرث كبير، وحيد والدته، كاتب مشهور ، أغلب فتيات مدينته يتمنين الزواج منه،
_ لماذا أنا.. ثم لما لم يسألني عن رأيي بالموضوع.. "قررت الزواج منك" هكذا بلا مقدمات هو قرار شخصي وعلي القبول والتنفذ فقط!.. ألا ينبغي أن يحدد موعد _ على الأقل _ مع أخي ليطلب يدي منه كما تجري العادة؟!...
هي لا تنكر إنها معجبة به، بل وتحبه حباً كبيرا دون علمه..
ولا تنكر أيضاً إنها تكاد تطير فرحاً بقراره هذا.. لكن...
أسئلة كثيرة، وحيرة، وإستغراب.. تردد.. حالة لا تحسد عليها.. ولا تعرف كيف ينبغي لها أن تتصرف، تتصل بأخيها لتخبره؟! تنتظر حتى تستقر حال الشتات الذي ألم بها أولاً؟
ثم والأهم خشيتها بأنه لم يكن جاد بكلامه وعليها التحقق من مصدقيته قبل أن تأتي بأي خطوة.
وبزغ الفجر وهي على ما هي عليه دون الإهتداء لبر ترسو عليه.
ريتا.. ابنة الخامسة والعشرون ربيعاً، بعد تخرجها من كلية الفنون الجميلة، كحال أغلب خريجي الكليات والجامعات لم تجد عمل ضمن مجال دراستها، تنتمي لأسرة بسيطة مادياً وخاصة بعد وفاة والديها وزواج أخيها... لم يكن أمامها سوى القبول بعرض ( والدة منذر ) والتي طلبت منها أن تعمل مكان والدتها بعد وفاتها بمهام إدارة منزلها، كونها تحتاج لمن تثق به و يحفظ أسرار عائلتها، بالإضافة لمن يجيد تسيير أمور بيتها أو بالأحرى قصرها.
قبلت ريتا العرض لحاجتها للعمل ثم لأنها لا تريد ان تشعر بأنها عالة على أخيها الذي بالكاد يسد احتياجات أسرته ..
أحبت منذر منذ طفولتها عندما كانت تأتي مع والدتها لعملها، رغم أنه كان يكبرها بعشرة أعوام لكنها تعلقت به جداً بعد أن أصبحت في عشريناتها، لم تحاول التقرب منه أو لفت إنتباهه، أولاً بسبب الفارق الطبقي بينهما ثم لأنه من النوع الذي يحبذ العزلة، قليل الكلام، قليل الأصدقاء يمضي أغلب وقته بين الكتب إلى أن دخل مجال الكتابة وكان ممن برعوا واشتهروا وذاع صيته بوقت قصير.
أمضت ريتا ثلاث سنوات بإدارة منزل السيد منذر ووالدته بكل إخلاص وجد، جميع من فيه يحبها ويحترمها فهي فتاة بسيطة عفوية رغم صغر سنها لكنها كانت ذات عقل راجح، تعامل الكل بطيب ومحبة لا توفر فرصة لإدخال البهجة في نفوس العاملين في المنزل وكذلك سيدتها، من الإحتفال بمناسباتهم وتقديم الهدايا المتواضعة كبعض من رسوماتها أو بعض الأعمال اليدوية مثل الصندوق المصنوع من صدف البحر الذي قدمته لأم منذر والتي بدورها أحبته كثيراً وجعلته لحفظ مجوهراتها الثمينة.
ما عدا منذر الذي تجنبت التعامل معه إلا بشكل رسمي وجدي كما أوصتها والدته منذ بداية عملها.
بدأ يوم جديد ، فنهضت ريتا من سريرها لتستعد وتباشر أمور عملها المعتاد، وهي لازالت في حيرتها مما جرى بينها وبين منذر لكنها قد عزمت أمرها على أن لا تتحدث لأحد بشيء حتى تتحقق مرة أخرى من جديته وعلى أساسه سيكون القادم
خرجت من غرفتها متجهة نحو الصالة إلى أن استوقفها ما رأته من أحد النوافذ المطلة على حديقة القصر...
كانت ريتا متجهة للصالة حين لفت إنتباهها جلوس منذر في حديقة القصر وبهذه الساعة المبكرة على غير العادة، وقفت تتأمله وخاطبت نفسها ( ربما هي فرصة جيدة لأذهب واستفهم منه عما قاله ليلة الأمس قبل ان يستفيق البقية) لكن صوت السيدة أميرة قطع حديث نفسها.. قائلة بأبتسامة حفيفة :
_ عودي لغرفتك، فأنت اليوم في إجازة..وتركتها قاصدة ابنها. فما كان من ريتا إلا أن عادت لغرفتها بحيرة أكبر، فقررت أن تمضي يومها في بيت أخيها لعلها تسترد نفسها المضطربة مما يحدث هنا ولو قليلا.
_لم أعتد رؤيتك مستيقظاً بهكذا وقت من قبل!
أجاب منذر والدته بفتح يديه ورفع حاجبيه بلا كلام
_ أظن أن قرارك كان مستعجل وربما ندمت عليه؟!
__لا ليس كذلك، ولست بنادم
_عليك إعادة التفكير بشكل أكبر وبتروي أكثر ، فأنت تعلم أن كل من سيسمع بالخبر سيتفاجئ ويستهجن الأمر، وليس عندي جواب أرد به على من يسألني لماذا هي.. ثم أني بالمقابل لا أعلم كيف سأتعامل مع الفتاة كزوجة لإبني بعد أن كانت خادمة في بيتي.. هل تسمعني؟
__نعم أمي أسمعك، ولا داعي لإعادة كلامك فقد أجبتك منذ البارحة، قولي لمن يسأل هو اختارها فقط
_وبخصوص علاقتي معها...؟
قاطعها..
__ لن يتغير شي يا أمي، ثم أنها ليست بخادمة هي تعطي التعليمات للخدم وبحسب أوامرك ليس إلا.. وهم واقفاً وأكمل وهو يسير للعودة للداخل.. إنتهى النقاش في هذا الموضوع وعليك البدء بالتحضيرات لحفل الزفاف.
بقيت أميرة جالسة مكانها سارحة بكلامه وأفكارها تتضارب حول ما تحمله الأيام القادمة للجميع.
قضت ريتا يوم إجازتها في بيت أخيها منشغلة أغلب الوقت بطفله تلاعبه، حتى وقعت عيناها على الساعة المعلقة بالجدار فإذا بها تشير إلى الرابعة إلا قليل وتذكرت أن موعد دخول منذر لمكتبه سيكون في الخامسة كالمعتاد فقالت لنفسها ( الوقت المناسب لأخذ الجواب منه على سؤالي.. لماذا اختارني أنا ) وعليه ستعرف كيف ستتصرف وإن كانت ستقبل أم لا.
ودعتهم وأخذت أدراجها في العودة وحالها على ما هو عليه من الحيرة حتى وصلت القصر.
كانت إحدى الخادمات تهم في الصعود بفنجان القهوة للمكتب فأخذته منها محادثة إياها بأنها ستقدمه له..
طرقت الباب ثم دلفت، متوجسة أن تلقى جواباً شافياً يعيد إليها نفسها المتخبطة بالأفكار.
وضعت الفنجان وتنحنحت إشارة بأنها تود التحدث معه. قال دون صرف نظره عن أوراقه :
_ماذا هناك؟
قالت بإرتباك :
__أعتقد أني بحاجة لتفسير ما قلته بالأمس.
_لا يحتاج قولي لتفسير
__لدي سؤال أريد منك جواباً عليه إذا سمحت.. (قالت وقد زاد إرتباكها)
_قولي
__لماذا انا؟!
جال الصمت في الغرفة لحوالي الدقيقة لكنها مرت كمرور دهر عليهما هما الإثنان حتى كسر هذا الصمت صوت إرتماء القلم على الورق.. نهض واقفاً وسار من خلف مكتبه بإتجاهها وقال :
_ لأنك تناسبيني.. ومضى نحو الباب وانصرف خارجاً، تاركاً إياها شاردة في حروفه باحثة فيها عما يقنعها بأن جوابه كاف وشاف لتساؤلها!
استلقت تلك الليلة على سريرها وعيونها معلقة في السقف، تتردد على مسمعها كلماته ( لأنك تناسبيني)، لم يكن جوابه قد أرضى فضولها وخفف من دهشتها" بقراره" المفاجئ وهي لا تزال تبحث عما يقنعها بين تلك الحروف المختصرة..
حاولت أن تكتفي بجوابه ليكون ميناء ترسي عليه اضطراب حالها وتسكن عليه رياح عاصفة فكرها، فها قد بات حلمٌ حتى بأحلامها لم يرودها قاب قوسين أو أدنى من التحقق.. نعم هي تحبه، إلا أن أكبر أحلامها منه كانت بسمة أو نظرة أو حتى ثناء على ما تقوم به من خدمته.. لكن زواج!!.. لم تجرؤ حتى بأحلام يقظتها أن تحلم بذلك.
اعتدلت بجلستها وأمسكت هاتفها تطلب رقم أخيها فهي بحاجة لمن يشاركها التفكير وتقاسمه الحديث علها تقتنع، وتستسلم لما قدر لها.....
"دافئة هي أيام الخريف، بين شمس تمد يدها بمصافحة حارة، وبين سحاب عابر ينثر غيثاً يربت على الأرض بلطف ليخفف سخونة تلك المصافحة، وكأنه يشفق علينا من رياح وبرد الحنين المشارفة على البدء مع بداية الشتاء
كم يشبهنا هذا الخريف واصفراره!.. كم لنا من تساقط أوراقه!.. هو ليس كما شبهوا تساقط أوراق الأشجار فيه بالأشخاص من حياتنا فقط.. بل وأيضاً، كم سقطت منا خصال .. جيدة وسيئة.. وتدور عجلة الفصول ليزهر في ربيعها خصال أخرى "
هذا ما خطه قلم منذر مستكملاً كتابة روايته، وهكذا كانت الأيام المتبقية من الأسبوع حتى يحين يوم حفل الزفاف. استدعت السيدة أميرة ريتا بطلباً من ابنها حتى يتم الإتفاق على التحضيرات ومراسم الزواج. فجلستا وتحدثتا بكل ما يخص هذه المناسبة.
بعد اتصالها وأخيها وما رأته من قبله من سرور وقبول، قررت أن تدع الأمور تسير كما قررت والدة منذر عقب اللين والمحبة التي لمستها من قبلها أيضا.
أقيم حفل الزفاف كما يليق بإسم عائلة منذر ووحيدها..
حفل اسطوري. حضره كبار الشخصيات في المدينة، سادت أجواءه فضول المدعوين بخصوص العروس، ونظرات الحاسدات من الحاضرات، تساؤولات كثيرة، وصخب.. سعادة ريتا لا توصف وهي ترى منذر اليوم وكما لم تتوقع منه، بكل هذا النشاط والمرح، فأطمأن قلبها أن أيامها القادمة ستكون صفحة جديدة سعيدة كما تهيأ لها وسط هذه الأجواء.
أعتذر منذر من عروسه عن السفر لقضاء إجازة زواجهما والتي تكفلت والدته بإعدادها وتنظيمها من أجل فسح المجال لكل منهما بالتعرف والتقرب من الآخر نظراً لطبيعة علاقتهما ومعرفتهما المقتضبة جداً في السابق.
وعلل اعتذاره ببعض الأعمال التي يجب أن يباشر الإشراف عليها شخصياً، ووعدها بتعويض هذه الرحلة بأقرب فرصة.
لم يشغل بالها تأجيل الرحلة أو الذهاب إليها، كل ما كان يشغلها ويستحوذ اهتمامها كيف تنجح هذا الزواج وتكن على قدر المسؤولية، كيف تسعده وتكن الزوجة التي يلقى فيها السند والثقة والأمان الذي يطلبه كلاً بشريكه...
كيف تشعره بحبها لتحظى بحبه لها بالمقابل ، وهذه كانت جل أمانيها.
بعد زواجه لم يغير الشي الكثير من عاداته ورتابته ، لم يخرج عن صمته وعزلته إلا ما ندر، مازال عاكفاً على اوراقه، غارقاً بكتبه وعالمه، مرافقاً لأصدقائه القلة كما اقتضت صحبتهم ومواعيد حددوها للقاءهم بإنتظام ..
لكن بالنسبة لريتا فقد تغير الشيء الكثير.. فلم يعد مسموح لها الإختلاط بالعاملين في المنزل كما السابق نظراً لصفتها الجديدة بينهم، لم يعد هناك ما تقوم به سوى استقبال الزوار و المهنئين الذين لم يروق لها تعاليهم ولا زيفهم وتصنعهم، وهي البسيطة بأفكارها والمفرطة بعفويتها، لكنها مجبرة على تحمل ذلك لأجل زوجها.. سيطر الفراغ على حياتها التي خلت من أي نشاط تقم به إلا زيارتها الأسبوعية لبيت أخيها، حيث كانت متنفسها وعودتها إلى طبيعتها.
مر شهر.. والملل والفراغ يزداد.. حتى قررت والدة منذر _ بعدما يأست من إخراج ابنها عن مألوفه، وبعدما رأت ما تتحمله زوجته بصبر ودون شكوى _ قررت أن تمضي عدة أيام بزيارة شقيقتها وقد منحت العاملين في القصر إجازة لحين عودتها ما عدا ثلاثة منهم ليقوموا بخدمة الزوحين..
وبذلك تترك المجال لريتا علها تغير شيئاً مما لم تستطع هي تغيره منذ سنوات طوال...
لم تسمح ريتا بإعداد وتقديم قهوة منذر المسائية بعد زواجهما لأحد سواها، طرقت الباب ودخلت بفنجان القهوة قائلة :
_ ممتنة أنا جداً لقهوتك
رد متسائلا :
__ لما؟
_ كوني استطيع مقاطعة خلوتك، وأحظى بلحظات بقربك.. قالت مبتسمة محاولة استدراجه لمحادثتها، فقد اتسعت هوة الفراغ بعد مغادرة السيدة أميرة للمنزل
هز رأسه بشبه إبتسامة مخاطباً إياها وقد استشف من كلماتها ما تعانيه من وحدة :
__لابأس إذاً ببضع لحظات، لكن أرجو أن تكون صامتة حتى أفرغ مما بين يدي.. وأشار بيده للمقعد أن اجلسي
أخذت مكانها المشار إليه بسعادة بالغة ظناً منها بأنه سيتفرغ للحديث معها لاحقاً.
طال انشغاله وطال إنتظارها فقررت أن تبادر بحركة للفت إنتباهه لوجودها، فما كان منها إلا أن إلتفت خلف كرسيه وأحاطته بذراعيها ناظرة لما خطته يده....
لكن انتفاضته ونزع ذراعيها عنه أجفلتها...
_ماذا تظنين نفسك فاعلة؟!.. ما حركات الصبيان هذه؟!
صاح فيها صارخاً وهب واقفاً
لم تجد ريتا ما ترد به وقد أثارت صرخته فيها الخوف والذعر فتسمرت مكانها محدقة فيه بذهول، وما استطاعت حبس دمعها الذي جرى دون أدنى مقاومة منها،
أمام منظرها هذا وقف حائراً، يمسك برأسه بإحدى يديه ويضع الأخرى على خاصرته، ثم أخذ يجول في الغرفة جيئةً وذهابا، وبعد ان هدأت حدته اتجه إليها وهي لاتزال تفيض الدمع لم تبرح مكانها
_أعتقد أني قد بالغت بردة فعلي بعض الشيء.. لكني لم أكن أقصدها
كانت تصغي لكلماته محاولة تهدئة نفسها واستعادة انتظام دقات قلبها المتسارعة.. فأكمل قوله:
_ وقت إفراغ الأفكار في الأوراق يكن الكاتب مغيب عن واقعه.. في لحظتها، هو موجود في عالم يخصه وحده.... ثم أني لم أعتد مقاطعة لحظاتي هذه من قبل أحد.. لذلك..لمـ...
قاطعته وهي تمسح وجهها، مبتعدة عنه وبصوت يكاد يسمع :
__أعتذر عن تصرفي الأحمق، أردت فقط.. أخذ فكرة عن موضوع روايتك... فقد فكرت أن أصمم لك غلافاً لها إن وافقت..
كانت في طريقها للخروج لكنه استوقفها
_ عودي لمقعدك من فضلك.. أريد التحدث معك بأمر ما
وقفت مترددة، لم تكن تريد البقاء أكثر من ذلك، لكنها عادت بخطوات متثاقلة وجلست صامتة..
جلست ريتا كما طلب منها منذر، وبقيت صامتة، بصرها للأرض منتظرة سماع الأمر الذي أراد اخبارها به
_ أعلم أن حياتك قد تغيرت الآن....
وأعلم أني.. قد خيبت ظنك.. لست الزوج الذي كنت تظنين
أنا.. كما تعرفين.. لي نمط حياة قد اعتدته.. لكني أحاول أن...
أن ارتب حياتي، مع دخولك إليها.. اريد منك فقط أن تصبري علي قليلاً .. و..
قاطعته
__ نادم؟
_لا... لا ليس الأمر كذلك.. لكن كما قلت لك، أحتاج فقط بعض الوقت كي...
صمت الاثنان.. ثم..
_ قد فكرت بشيء يخرجك من وحدتك والجو الملل الذي تعانينه معي.. قال بشيء من الضحك المصطنع
رفعت بصرها إليه منتظرة بقية الحديث
_ خطرت لي فكرة أن أخصص لك غرفة تكن مرسماً.. تمارسين فيه هوايتك.. وأيضاً تشغلين وقت فراغك
قال هذا وهو ينتظر ردها.
( بعد لحظات سكوت، وقد أعجبتها الفكرة، بل أسعدتها)
__أظنها فكرة جيدة.. وهذا ما أحتاجه قالت باسمة وقلبها مازال مكسور مما حدث، وزاد حزنها أنه لم يعقب على اقتراحها لتصميم الغلاف ولم يقف عنده وكأنه لم يسمع منها شيء.
أستأذنته بالإنصراف وقصدت الحديقة حيث تستنشق الهواء علها تزفر ما ضاق به صدرها.
كم نحن بحاجة لأحضان أمهاتنا في هكذا لحظات، حضن دافئ وحنون.. نرتمي فيه ونعود أطفال .. نبكي، حتى نفرغ ما امتلأت به صدورنا من ألم وضيق، ثم نغفو بأمان.. لا ذكر لما مضى، ولا مبالاة بالحاضر، ولا ترقب ولا قلق مما سيأتي.
هذا ما كان يدور في خلدها والدمع بلل خدها.. وشوق كبير لإحتضان أمها .
(يتبع)