آخر الموثقات

  • أيها المتربع على عرش فؤادي ..
  • الحب مآذن
  • عانقته دموعي
  • مافيهاش نبي
  • الطفلة مريم وفجيعة أخرى
  • ماذا لو حدث في معهد أزهري؟
  • مُبشر في ثوب إعلامي
  • أهم حاجة أزهري
  • الأزهر زوجة أبيه
  • وأخيرا كتاب الأوفياء
  • ليست صهيو..نية بل فاطمية محمدية
  • العنوان أكبر خدعة
  • من عذابات الكذب
  • نحنُ طيورُ الأقصى
  • جريمتهم أفظع
  • أهلكني طبعُها
  • ما معضلتنا في الأصل ؟
  • قطر الندى..
  • عندما تدور الدوائر 
  • قتل البراءة
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة كيندا فائز
  5. عقاب الخريف (رواية) الجزء الثاني

"من قال أن القسوة تأتي من حاقد أو كاره فقط؟!..
القسوة تأتي من المحب أيضاً..
فكم من أم قست لتقيم طرقنا المعوجة!
وكم من معلم قسا فرفعنا للقمة!
الصديق يقسو، لشحذ الهمة
و الحبيب أيضاً يقسو بدافع المحبة "

أفاقت ريتا من نومها على صوت المذياع المبعث من صالة المنزل، نظرت لساعة الجدار لتجدها قد تجاوزت العاشرة إلا أن الظلام مازال يخيم، أدارت بصرها ناح النافذة فإذا بالسماء غائمة فادركت سبب العتمة، فذكرها هذا الطقس بمنذر، لم يطل تفكيرها به إذ أنتبهت لصوت بكاء طفل صغير لكنه غير ما اعتادته، حاولت النهوض بسرعة لتستكشف الأمر فباغتها صداع شديد أقعدها مكانها.. ثم بعد استجماع قواها خرجت لتجد اخيها ومربية الأطفال قد جلسا على الأريكة تتوسطهما طفلة .. ها قد حضرت أخيراً الاميرة الصغيرة لبيتها.
كان هذا سبباً لإبتهاج ريتا التي عانت من ليلة عصيبة لم تنم منها سوى ساعة أو ساعتين. كما بعث في قلبها شيئاً من الإطمئنان لعدم فتح الموضوع من قبل أخيها مرة أخرى عن سبب سوء حالها مساء الأمس وقد حاول معها كثيراً استيضاح الأمر لكنها راوغته متعللة بصداع ليس إلا.
وبالفعل مرت ساعات الصباح وهم منشغلون بالصغيرة دون التطرق لأي من المواضيع الأخرى كموضوع انفصالها عن زوجها. أو عملها الجديد وغيرهم.

اميرة أيضاً بقيت قلقة طوال الليل على حال ولدها الذي لم يخرج من غرفة مكتبه بعد، حاولت كثيراً أستدراجه للخروج ومحادثتها لكنه كان في كل مرة يصرخ بأن تدعه وشأنه.
وكذلك الأمر صباحاً، رفض الخروج أو تناول الإفطار..حتى منتصف النهار فخرج ذاهباً لغرفته وقد طلب إحضار القهوة فقط كما شدد على عدم إزعاجه من قبل الجميع دون استثناء بمن فيهم والدته ومراد الذي جاء املاً في مقابلته ومحاولة إيجاد حل وطرح بعض الأفكار التي من شأنها إعادة المياه لمجاريها بينه وبين ريتا.
همت أميرة بالذهاب لرؤية ريتا الغائبة عن المنزل دون سبب مبرر لديها خاصة وحالة منذر هذه، لكن مراد منعها من الذهاب كي لا تعلم بقصة الرهان وتبعاته متحججاً بأن خلافاً قد نشب بين الزوحين بحسب ما أخبرته سارة، وطلب منها عدم التدخل حالياً ريثما يقوم هو وزوجته بمحاولة الصلح بينهما ثم سيترك لها حرية التصرف إن فشلا بذلك.

(في عصر ذات اليوم)

طرق مراد الباب يستأذن منذر ليفتح له ويحادثه لدقائق فقط، لكن صديقه مازال يصرخ مطالباً كل من يحادثه بالذهاب وتركه بحاله، عندها ثار فيه قائلاً :
_ابقى على حالك.. حسناً كما تشاء (ويضرب الباب)
-سأبقى.. هيا أنصرف
_سأنصرف ولن أعود (قالها بغضب اكبر).. وأكمل بعد صمت قليل :
_ ماذا تظن نفسك فاعلاً بتعنتك هذا؟.. أهكذا تحل الأمور؟!
أهذا ما استطعته.. أن تعتزل.. وإلى متى؟!
- لا شأن لك.. أذهب
_ حسناً حسناً.. أحسنت هكذا هم الرجال، يتحدثون من خلف الأبواب
لم يجبه منذر واكتفى بضرب الطاولة أمامه
_ألا تفكر إلا بنفسك؟.. ألم تسأل نفسك ما حال ريتا الآن بعد رحيلك بلا عودة ..
حسناً ذهبت لتعيدها ولم تقبل.. ربما لم تقتنع بما قلت، اتتركها هكذا.. ألا تعيد المحاولة؟ .. ألا يستحق هذا الحب أن تقاتل لأجله؟ وانتبه أنك أنت من تسبب بكل هذا السوء
لم يبدي منذر أي ردة فعل، فأستغل صديقه ذلك مسترسلاً :
_أذهب إليها يا رجل، فهي بحاجة أن تثبت لها حبك.. كلمها مرة واثنان وثلاثة لا تيأس، اجعلها تشعر أنك تريدها بالفعل، فهذا ما تنتظره منك بعد كل ما فعلته لأجلك ولمدة عام كامل.. ألا تستحق أن تبذل لأجلها بضعة أيام في مصالحتها؟
هنا فتح منذر الباب، صحيح انه لم يتكلم لكن ذلك يعني ان مراد استطاع التأثير عليه واقناعه بكلامه.. ربت على كتف صديقه ومضى لمكتبه.
بعد خروج مراد من منزل منذر وبعد صعوبة تملصه من ملاحقة الصحفيين الذين انكبوا عليه بكم هائل من الاسئلة، والذين قد تجمعوا أمام المنزل بمحاولة لمعرفة أية معلومة تخص حال منذر وفعله الغامض، أتصل بسارة يخبرها كيف أن ريتا قد استطاعت خلال معاشرته من تغيير طباعه وها هو قد بات أكثر ليناً من قبل وهو المتعصب دائماً لافكاره ولا يرضح لأي فكرة تخالف فكره، كما طلب منها الذهاب لتطرية الأجواء من قبل ريتا لتسهيل فرصة أكثر ملائمة وأقل إنفعال بينهما علها تسطلح احوالهما وينقشع غمام خلافهما.
وافقت سارة أن تقصد بيت ريتا ولكن بعد إنهاء لقائها بطبيبتها حسب الموعد المعتاد المتفق عليه مسبقاً.

عندما رأت ريتا سارة عند الباب لم تدري كيف تتصرف معها فأخبرتها أن أخاها في البيت ولا تريد فتح الموضوع أمامه فهو مازال لا يعلم عنه شيئاً، أرادت أن تطلب منها المغادرة، لكن أخاها سبقها بقدومه فرحب بسارة واستأذنها الانصراف لعمله بعد أن دعاها للدخول
وما إن دخلت ورأت الصغيرة حتى انكبت عليها مسرعةً تحتضنها بلهفة المحروم المتعطش للري..
سارة لم ترزق الأمومة خلال سنوات زواجها الخمس، تسعى جاهدة وبكل الطرق للحصول على طفل واحد على الأقل ولم تيأس مازال أملها كبير بأن تحظى بفرصة وإن كانت بعيدة.
بعد اصطحاب المربية الصغيرين لجوالة في الحديقة القريبة للبيت أصبح الوقت ملائماً لحديث الصديقتين الذي ابتدأته سارة :
_ أرجو أن تكون أعصابك قد أسترخت
- لا أريد التحدث بالأمر مجدداً (وحاولت الانصراف لغرفتها)
أمسكتها من يدها وطلبت منها الجلوس والتحدث بهدوء إذا لا داعي لتصرفها الجاف معها لكن ريتا أصرت على عدم التكلم بشيء قد انتهى بالنسبة لها.. وهنا دفعتها سارة بعصبية وأجلستها رغماً عنها قائلة :
_ لن أطيل الكلام، هي بعض نقاط نضعها محلها الصحيح وعندها ينتهي كل شيء كما تريدين.
أعادت ريتا محاولة الهروب ولم تنجح بسبب إنفعال سارة الذي أشتد مستطردة وبلهجة أكثر حدة :
_ أنا سارة يا ريتا.. سارة التي كانت معك بجميع ظروفك
التي أحبتك وساندتك وأتخذتك اخت وحتى بنتاً.. صحيح أن فارق العمر بيننا ليس بالشاسع لكني رأيت فيك الأبنة التي عوضت حرماني منها معك.. أتحاولين معاقبتي بجفاك هذا؟ وعلى ماذا؟! على ذنب أني اخفيت عنك أمراً فيه سعادة لك؟!
- تعاهدنا أن لا تخفي عني شيئاً.. ولم تلتزمي بالعهد
_ لمجرد ساعات لا غير!.. ثم إني أردت به خيراً لك.. فأي جرم هذا الذي أرتكبته لتنقلبي علي هكذا؟!
شرعت ريتا بالبكاء وهي تخبرها عن حالها الضائع المشتت عن التوهان الذي تعيشه وهي عاجزة عن إستبيان الحقيقة من الكذب والخطأ من الصواب فمفاجأة منذر لم تكن بحسبانها وزادت حلقات المتاهة التي تتخبط فيها.
فأخذت سارة في تهدئتها فقد باتت الامور جميعها واضحة، وإعادت عليها ذكر صدق حب منذر لها، وكيف أنه قام بشراء صالة العرض لأجلها وبرنامج الرحلة التي أعده من أجل تعويضها عما بدر منه وعن كم ندمه وأسفه وتعهده ببذل قصار جهده لكسب ثقتها وحبها.
أحست ريتا بشيء من الراحة بعد كلامها هذا لكنها لم تخفيها أنها مازالت بحاجة لبعض الوقت كي تزول الغشاوة تماماً عن عقلها فتستطيع حينها إتخاذ القرار المناسب لها.
وافقتها سارة على ذلك وعليه غادرت مستبشرة خيراً.

 

صباحات الخريف أغلبها لطيفة...
سماء قد أرتدت معطفاً من غيمات تتأبط زخزات مطرية في ثناياها..
وتزينت بشمس يشع بريقها بين الفينة والأخرى
هذا..
بعد ليلة أكتضت برياح هوجاء مصفرة مغبرة، تلفح بسرعتها شيء من حرقة، تتبعها نسمات هادئة مرجفة.

الصحف ومحطات التلفزة والإذاعة المحليةضجت بأخبار منذر وتصرفه اللامسؤول والغير مبرر واللامفهوم من قبل الجميع... فهنا من يهاجمه، وذاك من يضع له الأعذار ، فكثر الهرج واللغط. والصحفيون مازالوا متجمهرين أمام منزله يبحثون عن إجابات لأسئلتهم التي أعدوها وما من مجيب عليها لغاية الآن.

صباح اليوم الثالث وفي وقت مبكر كان منذر يرتشف قهوته في الحديقة، حيث هرعت إليه والدته سعيدة برؤيته وقد غادر غرفته ليستقبلها بين ذراعيه معرباً عن أسفه حيال ما بدر منه برفضه محادثتها كل هذا الوقت.
لم تعاتبه فالمهم عندها أن عزلته قد أنقضت وكل ما يشغلها هو الإطمئنان عليه، فطمأنها بأنه بخير وأن لا تقلق من شيء وأنها مجرد انتكاسة وذهبت بحالها.
لم تخفيه والدته أسفها على الخلاف الذي بينه وبين ريتا وكم أحزنها ذلك. ففهم من كلامها أن مراد أخبرها بذلك وأن أصل الخلاف مازال مجهول لديها، وعليه كرر أن الامور ستفضي لخير وأن عليها الصبر حتى تعود المياه لمجاريها بينهما فالمسالة قد تحتاج لوقت طويل حتى تحل.
كان قد وضع بحسبانه أن ريتا قد لا تعود، وعلى ذلك أراد لوالدته عدم التعجل أو الإكثار من السؤال إلى متى.
انتهت الجلسة بتقبيل يد والدته التي ذهبت لإعداد الإفطار بنفسها، وقام منذر يتجول في الحديقة وهو يبحث عن طريقة يصرف بها الجمع المقيم حول البيت كي يستطيع الخروج دون إزعاج.

عند الثانية ظهراً كان متوجهاً بسيارته لبيت ريتا بعد أن أتصل هاتفياً بمدير هيئة التلفزيون يطلب منه الإيعاز لجميع الصحفيين بالمغادرة والعودة لعملهم إثر اتفاق بينه وبين منذر على إجراء مقابلة تلفزيونية عند أول فرصة متاحة يعتذر من خلالها عما فعله ويوضح فيها سبب ما حدث.

رغم أن ريتا كانت في قرارة نفسها تعلم أن منذر سيعود لمحادثتها لكن علامات الاستغراب بدت بوجهها حين رأته أمامها.
حاولت اقناعه بالإنصراف إذ أنها غير مستعدة بعد وليس لها رغبة بمعاودة فتح ذات الحديث معه، إلا أنه أصر على أن تسمعه، تعللت بوجود المربية _حيث أشارت إليها ليراها _ وإن المكان والظرف غير ملائمين، لكن حجتها لم تثنيه عن محاولاته وأقترح أن تخرج معه لمكان يمكنهما التحدث براحة أكبر فيه فرفضت.. وبعد عدة محاولات وقسمه لها أنه لن يكررها ثانية إن لم يستطع اقناعها بما لديه وافقت على أن يفي بوعده، وعليه عاد هو ينتظرها في السيارة بينما تجهز نفسها وتلحق به.

بحسب رغبة ريتا لم يقصدا مكان عاماً لتسمع ما يريد قوله، فركن سيارته عند ضفة النهر بعد مسير حوالي الساعة دون أن يتفوه الاثنان بكلمة، وبناءاً على طلب ريتا التي استعجلته التحدث كي ترجع قبل عودة أخيها هم بقول شي، وقبل أن يتحدث فتحت باب السيارة وقالت له :
- أنتظر لحظة.
كانت تركز النظر وتتجه نحو عرافة تجلس على حافة الرصيف حتى وصلت إليها وجلست قبالتها.
منذر لم يعارضها وأخذ بهذه الاثناء يتأمل وجه ريتا ويحاول فهم الحديث الذي يدور بين المرأتين فهي تنظر مرة للأرض بشرود، ومرة ترتسم على شفتيها ابتسامة ساخرة، ومرة أخرى تبدو قد أصابتها الدهشة.. وها هي تبتسم لها وتودعها عائدة لمقعدها بجانبه
_ لم أكن أعلم أنك تهتمين بالتبصير
- لا اهتم
_اممم.. ملامح وجهك كانت تقول غير ذلك
-حقاً لا اهتم ! ، ولا أؤمن بهكذا أشياء.. ثم إن هذا ليس حديثنا.. قل ما عندك كي لا يضيع الوقت
هز رأسه وهو يزم شفتيه ثم يفردها ويعض عليها كمن يبحث عن مدخل يبدأ منه ثم قال :
_ريتا.. أتفهم عدم ثقتك بي ولا ألومك.. لكن.. ألا تثقين بسارة؟
- ثقتي بك شيء، وثقتي بسارة شيء آخر!
_ لم تصديقني.. ألم تصديقها هي؟
-وإن صدقتها!!.. فهذا لن يغيير شيئاً.
_ما هو الشيء الذي لن يتغيير؟!! ( قالها بشيء من الانفعال دون النظر إليها)
تنهدت وصمتت قليلاً قبل أن تجيب :
-أنظر.. قد وعدتني أن لا تكرر محاولتك هذه ثانية إن لم أشأ.. وقد تكون هذه محادثتنا الأخيرة، لذلك، لنجعلها جلسة مصارحة.. على الأقل من طرفي، اتفقنا ؟
وعندما لم يجبها أكملت :
- قد أحببتك صدقاً، وحتى الآن لا يمكنني القول أني عزفت عن ذلك.. وليس منذ زواجنا بل قبله بكثير، لم أمني نفسي يوماً منك بأكثر من ابتسامة أو كلمة جميلة يسعد بها قلبي حتى فاجأتني بطلب الزواج..
أتدرك حجم شعوري حينها واضطرابه؟!..
مؤكد لن تدرك! .. ورغم ذلك، ورغم اصراري على معرفة سبب "قرارك" المفاجئ إلا أني اكتفيت بأجابتك( لأنك تناسبيني) وعشمت نفسي بأنك قد تحبني يوماً.. وبعد الزواج تحولت لأمرأة لا تشبهني بشيء من أجلك.
كان منذر يستمع بكل إهتمام ودون مقاطعة، فأردفت :
- حتى يوم سماعي حديثك ومراد بشأن راهنك، وكنت تعلم أني قد سمعته فتجاهلت ذلك وتجاهلت صدمتي..
أعطيت نفسي، وحبي، وزواجنا فرصاً كثيرة لعلك تعترف وتنقذ _ماذكرت _ من الإنهيار ، لكننك لم تفعل.
أمسكت بيدها وجهه الذي أشاحه عنها لتديره ناحها وتضع عينها بعينه وسألته :
- أخبرني بربك.. كيف كان ضميرك بكل هذه الأريحية وأنت على علم بما أصارع داخلي؟!
حاول الهروب بنظراته، فوكزت خده وما تزال ممسكة بوجهه مكملة :
-أُسلم بانه لم يكن لي بقلبك حباً تراعيه!.. ، أما كان لي شيئاً من التقدير والاحترام لو بقدر بسيط يحملك على مراعاة مشاعري؟!..
أنهمرت دموعها وهي تنظر بعينيه بإنتظار إجابته ، فلم يعرف بما يجيب والندم يأكل قلبه.. كان سيقول شيئاً فقاطعته :
- كيف يمكن لأنسان من جنس البشر أن يعيش بلا مشاعر؟!.. أستغرب فيك بأنك كاتب!!.. والكتاب من أكثر الناس إحساساً!!...... أوتعرف؟!
(اعتدلت بجلستها وهي تنظر للطريق أمامها)
- قرأت كل رواياتك.. يتحدث أبطالها بلغة من عظمة ورقة خطابهم عن مشاعرهم فيها ، أظنها لغة لنوع آخر من البشر.. يعيشون بعالم مترف من النقاء، مغاير تماماً لعالمنا هذا..
أعادت نظرها إليه تتساءل :
- كيف يمكنك أن تكون ذات الشخص... أنت عدة شخوص متناقضة لحد بعيد جداً في جسد واحد، كيف تفعل ذلك؟!
_ أيمكنني أخذ فرصتي في الكلام؟
- أعلم ، أعلم أننا أتينا لتتكلم أنت!.. لكني وددت أن تفهم ما بداخلي لأختصر عليك الكثير مما ستقوله.
نعم لدي الكثير لأقوله.. اعتذارات. مبررات.. إجابات لكل ما ذكرت حتـ..
_ قل الأهم فالوقت قد سرقنا وعلي العودة
صمت برهة ثم أدار محرك السيارة قائلاً :
-حسناً... الأهم..!! كما تشائين، سأقول ونحن في طريقنا بما أنك مستعجلة.
ذعرت ريتا عندما ..

 

ذعرت ريتا عندما قطع منذر الجسر المؤدي للضفة الثانية من النهر وقالت بإستنكار :
_ أظننا كنا سنعود!!
- نعم سنعود.
_ لكـ.. لكن هذا ليس طريق العودة!
- أعلم.
_ إذا؟!!!!!
لم يجب، وأكمل طريقه عبر غابة كثيفة الأشجار ، وحينها صاحت ريتا :
_ إلى أين تأخذني؟!
ولم يجب أيضاً ، فأمسكت بمقبض الباب تهدده بالنزول إن لم يعد، لكنه بقي صامتاً.. حاولت فتح الباب لكنه كان مقفلاً، فأخذت تصرخ ليتوقف ثم تمسك المقود وتديره بحركات عبثية لتجبره على التوقف لكنه أخذ يبعد يداها ويأمرها بالصمت.. لم تهداً وهي تصرخ به غاضبة وتصفه بالمخادع والمحتال، فأوقف السيارة فجأة وصاح بها :
_ كفاكِ..
- لن أكف وستعيدني لبيتي.. الآن
_ لن تعودي قبل أن تسمعيني.. أفهمتِ!!
- لا أريد سماع شيء، أعدني
صمت وهو يزفر .. فأكملت :
_ الحق علي أنا ، غبية إذ صدقت وعدك
- لم أنقض وعدي
_ والذي تفعله الآن، ماذا تسميه؟!
- سأعيدك كما وعدتك ولكن عليك سماعي
تنهدت وهي تقول في نفسها ( ربما خلاصي الوحيد لإنهاء هذا الجنون والعودة هوفسح المجال له للكلام)
_ حسناً ، ها أنا أصغي. قل!!
- لا أستطيع الكلام مع هذا التوتر الحاصل بيننا
_ بربك!!.. نظرت حولها ووقت المغيب قد دخل وأضافت :
-لقد تأخر الوقت، فدعنا نكمل بسرعة أو نكمل في وقت آخر
أدار محرك السيارة وقبل ان يتحرك قال :
_ سنكمل.. لكن عليك الهدوء حتى نصل وينتهي الأمر ، أو سنبيت هنا.. اتفقنا ؟
أرادت الثوران بوجهه لكنها تمالكت أعصابها وأومأت بالإيجاب وهي تستشيط غضباً.
أكمل طريقه في الصعود، فأحتجت إذ عليه الدوران باتجاه العودة، وأكتفى برمقها بنظرة لا مبالة ومضى قدماً.
كانت ريتا خلال الطريق تبحث عن شخص أو بيت أو أي شيء يدل على وجود أناس في المنطقة لكنها لم ترى شيئاً.. مجرد أشجار معمرة وطريق كأنه متاهة مما زاد من حنقها عليه واستيائها مما يحدث.
وصلا أخيراً لكوخ ليس بالصغير، لا تحيطه إلا شجيرات متناثرة حوله، وتفصله عن بحيرة بالجوار مسافة قصيرة
الظلام بدأ يخييم على المكان، ودرجات الحرارة في هبوط كلما تقدم الوقت.
أرتجل منذر من السيارة طالباً من ريتا النزول ، لكنها بقيت مكانها دون إجابة. إلتف وفتح الباب مكرر طلبه

_ما تفعله جنون.. ليس فقط جنون هذا يسمى اختطاف!
هنا انفجر منذر ضاحكاً..
-اختطاف؟!!!
ويكمل ضحكه بينما ريتا قد خرجت من السيارة لتقف أمامه وبكل حنق تجيب؛
_نعم يا سيد.
هدأت نبرة ضحكته وهو يحدق فيها ومايزال يبتسم من قولها وقال :
_زوجة ذهبت مع زوجها بإرادتها.. دون تهديد.. أو إجراء عنف.. أظن..! لا يندرج تحت مسمى عملية اختطاف.. ها؟!
_ يندرج تحت مسمى خداع.. غش.. احتيال... ما رأيك ؟
قالت ذلك وهي تكتف يديها وتنظر إليه بعينين تتقدان بشرار الغضب.
زفر منذر مطأطأً راسه ثم رفعه قائلاً (وقد وضع يده على كتفها بحركة أن تسير معه) :
_تعالي لنتحدث في الداخل فقد أصبح الطقس بارداً وعلي أن أوقد النار في الموقد وأضيء الأنوار قبل حلول الظلام.
أزحت كتفها مبتعدة عنه ونظرها مثبت بوجهه مستنكرة تصرفه برمته منذ خروجها معه حتى هذه اللحظة.
تركها وسار نحو الكوخ متأملاً لحاقها به في حين اغرورقت عيناها وهي تجول ببصرها حولها وقد علمت أن لا حيلة لها في هكذا وقت ومكان سوى الإستسلام لمشيئته ريثما تستطيع اقناعه بطريقة ما بالعودة.
بعد برهة من الزمن وقد لسعتها برودة الطقس دخلت بخطوات مترددة وجلست جانب الموقد استجداءً للدفء ليوقف إرتجاف جسدها برداً، وبمحاولة لضبط أعصابها التي أرجفتها غضباً.
كان حينها منذر في زاوية المطبخ يعد شيئاً، فجاء بكوبين من الكاكاو الساخن ووضعهما على الطاولة التي توسطتهما. وأغلق الباب الذي تركته مفتوحاً وعاد ليجلس على الكرسي المقابل لها.
لم تنظر إليه ولا إلى ما جاء به بينما أخذ هو كوبه بين يديه وقال :
_صدقاً لم أكن أريد استفزازك أو اغضابك.. كل ما أردته هو أن نتحدث بهدوء وإن تعلمي حقيقة مشاعري وما أكنه لك بداخلي .
عندما لم تبدي هي أية ردة فعل أو قول استطرق مكملاً :
_لم يكن بنيتي أن نأتي إلى هنا، ولكنك أجبرتني على ذلك
نظرت إليه بإستهجان ثم أغمضت عينها وأشاحت بوجهها عنه بمعنى ( نفذ صبري) ففهمه.
أرى أن تسترخي بسريرك وتخلدي للنوم وفي الصباح ننهي مــ...
نبيت هنا؟!!
رفع كتفيه وهز رأسه قائلاً
_نعم
-مستحيل!!.. أتعلم أن أخي يكون الآن قد خرج باحثاً عني وهو لا يعرف إني معك ولم أبلغه بخروجي أو مكاني؟
_لا، لا تقلقي فقد أتصلت به قبل مجيئنا وأخبرته بأننا سنقصد مكاناً قد نضطر فيه للمبيت ولا أعلم لما بدى متفاجئاً بقـ...
-وتقول لي لم يكن بنيتك المجيء إلى هنا؟!! !!!!!!
_ أهدأي أرجوك .. أقسم لم يكن هذا بنيتي، ولكني أتصلت به تحسباً لطول غيابك معي، فقد وضعت بحسباني أنك لن تمنحني وقتاً كافياً لتسمعي كل ما لدي.
أنت مرواغ وكاــ ـ .. كانت ستقول كاذب فتوقفت ثم أكملت متسائلة بغضب
-متى هاتفته إن كنت برفقتك منذ لحظة صعودي معك في السيارة حتى هذه اللحظة؟!
_عندما كنت تتحدثين مع العرافة.. (قالها وكاد يبتسم).. بالمناسبة لم تخبريني بما توقعته لك.
صرخت به (تباً لك) ونهضت من مكانها تريد الخروج من المنزل فأمسك بيدها مستوقفاً إياها
_يا مجنونة توقفي.
نفضت يدها منه وتوقفت مكانها مدركة ان لا مناص لها في هذا الليل سوى البقاء معه .
_في الأعلى توجد غرفة النوم، أصعدي وأريحي نفسك، نتكلم في الصباح.
وأتجه نحو الأريكة ليفهمها أنه سينام عليها كي تطمئن بأنه لن يشاركها سريرها.. فلم تجد أمامها سوى الرضوخ والقبول بما آلت إليه الأمور حتى تشرق شمس الصباح.

 

" اشراقة الشمس، تعني بداية يوم جديد في حياتك..
مخفية عنك مجرياته وما سيحدث فيه.
عند فتحك لعينيك لن تفكر بما سيحدث بيومك الجديد، قبل أن تسترجع مجريات أمسك وما أشغل فكرك بليله.. وعليه.. ستحاول توقع ما سيكون عليه يومك..
وعند نهوضك ليس أمامك سوى رجاء أن تسير أمورك كما تشتهي وتتمنى.. إلا أن القدر وحده هو ما سيكون "

أفاقت ريتا على صوت زقزقة العصافير التي ملأت أرجاء المكان وفي وقت مبكر جداً، إلتفتت لجانبها الأيمن فأبهرها ما شاهدته عبر النافذة الواسعة والمنخفضة المحاذية للسرير.
أرض مخضرة على إمتداد البصر، تزينها الأشجار المتناثرة بعشوائة لافتة للنظر بجمالها الآخاذ، أشعة الشمس التي انعكست على البحيرة توحي لمن يراها وكأن أصابع عازف ماهر يداعب صفحة الماء لتتحرك بطريقة مبهرة مخلفة بريق يتراقص بكل رشاقة.
كان المشهد مغرياً جداً ليجعلها تهبط مسرعةً وتلقي بنفسها بين أحضان الطبيعة وهذا الجمال.
في طريق خروجها رأت منذر ما يزال نائماً وبجانبه _على الطاولة _كتاب مفتوح يبدو أنه كان يقرأه قبل أن تغفو عيناه.
على مقعد خشبي من أصل أربعة تتوسطهم طاولة وجميعها منحوتة من جذوع الأشجار بطريقة مدهشة، جلست ريتا تتأمل سحر المكان إلا أن فكرها بدأ يشغله سؤال (متى سأعود لبيتي)... تنبهت لصوت سيارة تقترب من المكان فنهضت تستطلع اتجاه الصوت وعندما أصبح أكثر اقتراباً وجدت نفسها تدخل للمنزل وعيناها مازالت في الخارج تبحث عن القادم..
_هذا العم سالم.. صباح الخير... (وأعتدل جالساً على الأريكة)
-يجب أن نعود
_ مؤكد سنعود.. صباح الخيبببير ( أعادها ونهض متجهاً للباب واستقبال العم سالم).

ريتا قررت أن لا تضيع وقت أكثر من ذلك وأنها ستتركه يقول كل ما يريد عند عودته ولن تقاطعه، هي تريد أن تنهي الأمر بأي شكل كان.. المهم هو رجوعها لبيتها..
وأيضاً أخذت ذات الاسئلة التي شغلتها ليلاً تعاد برأسها ( بماذا سيقنعني.. بأية طريقة.. ماهي إجابتي.. أامنحه فرصة؟!..).. وبهذه الأثناء أصابها دوار فعلمت سببه على الفور، هي لم تاكل منذ البارحة! ، فقصدت ركن المطبخ تبحث عما تسكت به جوعها.
دخل منذر يحمل عدة أكياس وضعها على الطاولة وطلب من ريتا إعداد الشاي ليتناولا إفطارهما فقد كان هو الآخر يشعر بالجوع.. امتعضت من طلبه لكنها نفذته للإسراع في ما عزمت عليه.
فرغا من طعامهما.. العم سالم غادر بعد أن سلم ما جاء به.

والآن....
هاهما يجلسان وجهاً لوجه..
ريتا تحاول ضبط نفسها كي لا تتهور بالرد فتفسد خطة الرجوع للبيت.
منذر يستجمع أفكاره ليجد مفتاح البدء بالحديث.
_ لا داعي للمقدمات التي تبتدأ بها رواياتك، بأمكانك مباشرة الكلام من حيث تشاء.
- لم أخطط لمقدمة _مبتسماً _إنما أبحث بأفكاري.. أيها أنسب للبدء بها...
أظن كلمة أسف لم تجدي نفعاً من قبل ولم تكن كافية لأختصر بها اعتذارات عدة وندم شديد...
أحبك ريتا.. أحبك صدقاً ولم أشعر بمجمل حياتي حالة هكذه..
( كان ينظر في عينيها باحثاً عن ردة فعلها إن كانت تصدقه.. وعندما لم يلمس بعينيها الشاخصة به دون حراك ولا أدنى تعبير.. أكمل )
- أخبرتك سارة بما فعلت من أجل أن تسامحيني ولتكوني على يقين بصدق اعتذري وحبي لك.. انا حقاً لا أسعى لشيء أكثر من سعيي لنيل رضاك وغفرانك..
هذا لا يكفي؟! ..
(لم تجب ولم تحرك ساكناً)
قولي لي مالذي يرضيك وأنا مستعد لتنفيذه.. أطلبي.. بل آمري وأنا طوع يداك.. دليني على الطريقة التي أثبت لك بها صدق كل كلمة خرجت مني، وحتى إن كنت تعتقدين أنها مستحيلة وسترين كيف أني سأفعل المستحيل لأجل استعادتك...
ريتا أنا لا أستطيع العيش بدونك، أرجوك امنحيني فرصة تعويضك عما سببته لك من ألم وكي أتخلص أنا أيضاً من نيران ذنوبي التي تحرقني جراء ما اقترفت يداي بحقك.
ريتا لم تكف عن حب منذر، لكنها تعاني ألم جراحه..
كبرياؤها وقلبها المكسور يقفان حاجزان بوجه إعطاء الفرص.. هي لم تسنح لها الفرصة للتفكير بما يرضيها ويشفي غليلها منه، فالأحداث توالت سراعاً ومتلاحقة.
- أنتظر أوامرك كي أنفذ !
لا أجابة عندها.. ولأول مرة تسال نفسها ( حقاً! ، مالذي أريده؟!)
كان منذر ينتظر ردها وكله رجاءاً أن تمنحه فرصة.. وريتا تتخبط بأفكارها المشوشة عما ترد به.. وبهذه الأثناء وقعت عيناها على المكتبة الواقعة خلف منذر...

 

لفتها عنوان لكتاب داخل المكتبة الواقعة خلفه
كان العنوان ( الجريمة والعقاب)..
نعم لابد لكل جريمة من عقاب..( هذا ما أستقرت عليه ريتا)
المجرم أمام ضحيته وأعترف بذنبه.. فإذاً.. وجب القصاص والانصاف وإعطاء كل ذي حق حقه.. إنما! .. ما هو العقاب والحكم الذي ستحكم به عليه لتنصف نفسها منه.
ها هي تعود لتدخل بدوامة ومتاهة أخرى..
والوقت.. الوقت هو كل ما تحتاجه لترتب فوضى فكرها ومشاعرها.
هي تريد العودة للبيت، ومنذر يريد جواباً منها، وكلاهما في إنتظار الاستهداء على بر آمن.
- مازلت بإنتظار أوامرك
_ أنا بحاجة للوقت كي أقرر ما أريده، وأنت تحاصرني.. ـ
_ أبداً أبداً ( ويرفع يداه بإشارة للإستسلام).. معك كل الوقت دون ضغط أو حصار.. وسألتزم الصمت حتى تملي علي طلباتك.
_ اذاً فلنعد الآن، وسأخبرك بقراري عندما أهتدي أليه
- لقد اتفقنا مسبقاً على أن نعود بعد أن نحل الاشكال الذي بيننا.
أخبرتك أني أحتاج وقتاً وأنت قبلت!
_صحيح.. ولكن هنا.. ننهي كل شيء هنا ثم نعود
-تقصد أني سأبقى هنا.. ولأيام؟!! بالطبع لن يحدث هذا!
_الأمر كله بيدك أنت..ووحدك، قولي قرارك ونعود فوراً.
حاولت أن تقول (لم أسامحك، ولا شيء منك سيرضيني، ربما الفراق وحده هو ما ينصفني) لكن معارضة قلبها لعقلها والحرب المشتعلة بينهما أسكتتها ومنعتها من التكلم.
(العقاب.. ما هو العقاب؟!) .. جواب هذا السؤال وحده من سيكون سيد الموقف بهذه اللحظة... واتخاذ قرار في لحظات كان أمر مستحيلاً بالنسبة لريتا حالياً.
بدأت الغيوم بالتجمع، والشمس التي كانت تسطع بداية الصباح أخذت بالتواري خلف الغيمات حيناً، لتسترق إشعاعة أخرى حيناً أخر.
خرج منذر لإحضار بعض الحطب من الخارج بعد أن قال لريتا ( يجب أخذ الحيطة والحذر من العاصفة القادمة كما أخبرني العم سالم ريثما تبلغيني بقرارك.. وفي الحالتين أكون جاهز).
ريتا في وقت غياب منذر كانت سارحة النظر والفكر_ عبر النافذة_ بجمال المكان وكانت تحدث نفسها( رغم كركبة واضطراب نفسي لتواجدي معه إلا أن هدوء وسكينة هذا المكان هي الأنسب لتصفية الذهن وايجاد فكرة تصلح أن تكون عقاباً له.. ولكن.. ليته يذهب ويدعني لوحدي هنا)
عاد لمقعده بعد أن وضع ما جاء به بجانب الموقد وقال :
_والآن..! .. ألديك ما تخبريني به؟
-ليس بعد، إنما ببالي شيء لم يكتمل بعد.
_عظيم! ( هم واقفاً، وكانت عيناه تشع سعادة وشفاهه تخط ابتسامة عريضة على وجهه)
-لا تفرح كثيراً، فأظن أن ما أفكر به لن يسعدك
_المهم أني أرى خيط أمل لفرصة قادمة
لم تعقب ريتا على كلامه، فهي نفسها لا تعرف ما هي الفكرة بعد.. وعندها جلس منذر ثانية وأخذ يقول :
_خذي وقتك وكوني متأكدة بأني سأنفذ طلبك مهما كان تعجيزياً.
فأجابته بإيماءة وصعدت للغرفة العلوية.
مر باقي اليوم وكل منهما بعزلة عن الآخر مع أفكاره، جمعهما فقط وجبة غداء أعدها منذر عند الظهيرة.
في المساء بينما كانت ريتا ترتب برأسها (العقاب) الذي أهتدت إليه. وهي مستلقية في سريرها..اعتدلت لتتقابل مع ريتا التي تنظر لها في المرآة وأخذت تخاطبها :
_ هل أعجبك ما توصلتي إليه؟ .. أو بمعنى أصح هل أنت راضية عنه؟!
- إلى حد ما..
_ لما أنت خائفة ومترددة؟
- أنا لا أشبهني
_ إنما؟!
- إنما.. لابد منه.. بإمكاني مسامحه وأنا أستشعر صدقه، هكذا يخبرني قلبي.. لكن عقلي يرفض بل ويدفغني لمحاربته انتقاماً لوجعي النازف لهذه اللحظة منه.. أحترت بينهما..
لكني.. رجحت كفة العقل على القلب، ليس حقداً فأنا أحبه، لكن بقراري هذا سأضمن _إن قبل عرضي _ صون كرامتي وأمام نفسي قبل الآخرين وكي لا يأتي يوم وألوم نفسي على تهور في لحظة ضعف.
بعد هذا الحديث أخذتها خطاها للأسفل كي تخبر منذر بقرارها قبل أن تفقد شجاعتها وتتراجع عنه.
_أنا جاهزة
-وأنا موافق ( قالها بكل سعادة وهو يجر كرسيه حتى أصبح قبالتها)
_بشروط
-موافق
_هل بإمكانك تأجيل موافقتك أو رفضك حتى أنهي حديثي
( وضع يده على فمه وأشار لها أن تكمل)
_سنعود لبيتنا
(شعت عيناه بريقا ثم هدأ بمكانه عندما تململت من حماسه المفرط).. فأكملت:
_وسنعود كما كنا
رفع أحد حاجبيه قائلاً : لم أفهم
-كما كنا!. زوجين سعيدين أمام الجميع.. و.. على ذات الحال الذي كنا عليه بعيداً عن أعينهم
_ولكني تغيرت..
وقبل ان يكمل قالت :
-وأنا أيضاً تغيرت!!
_تقصدين أنك.. ما عدت...
-ليس تماماً كما فهمت.. ولكن..
لم تعرف كيف تصيغ له الجمل لتفهمه ما يدور برأسها.. هي لم تتوقف عن حبه، لكنها بقرارها هذا أرادت أن تعاقبه بذات الطريقة التي ألمها بها.. أردت أن يتجرع من ذات الكاس التي سقاها منها .. أردت أن يشعر بذات الوجع الذي ألقمها إياه بكلتا يديه دون رفق منه ولا شفقة عليها.
جل مبتغاها أن يشعر بمرارة ما كانت تعانيه منه ومعه وهو بغفلة عن كل ما آسته وعانته بسبب جمود عاطفته وقسوة تصرفاته.
_ كما قلت لك سنعود كما كنا.. ولن أكون مطالبة بأداء الفروض الزوجية مالم أحبذ أنا ذلك..!
_ااهاا.. وماذا ايضاً؟! (قالها بتجهم)
-امم.. أيضاً.. لن يكون علي أخذ موافقتك بأمور تخص عملي ومستقبلي المهني
( كان يهز رأسه بإندهاش وينتظر تتمة كلامها)
_ مختصر الحديث كما أسلفت، أمام الجميع نحن كما عهدونا سابقا.. أما بيني وبينك فأنا حرة التصرف دون أدنى اعتراض منك..
أمامك الآن خيارين، أما أن ترفض ونعود كل لبيته وأما أن توافق وتنفذ دون تذمر لأني أمام أول معارضة منك سيكون اتفاقنا لاغٍ بالنسبة لي وكل شيء قد أنتهى بيننا
_ما عهدت قلبك إلا رقيق لين.. كيف استدلت القسوة إليه؟!
-ألم أقل لك أني تغيرت
_حقيقة، قد فاجأتني!
-المهم.. سيكون هذا بيني وبينك فقط، أي.. لا داعي أن يكون بشهود كرهانك
_ريتا.. أرجوك أنسي الأمر فهو يعذبني أكثر منك
-سأنساه.. ولكن بعد عام من الآن
_ولما عام؟!
-لأنك إن قبلت ونفذت اتفقنا سيكون لحياتنا منحى جديد وبعيد عن كل ما عشناه خلال عامين منصرمين قبلها
_عام كامل إذا حتى أنال غفرانك!
-إن وافقت.. فأنت مخير لا مجبر.. وكما يقال الكرة الآن بملعبك وأنا بإنتظار قرارك.
ثم غادرت وهي تشعر براحة كبيرة لم تنعم بمثلها من مدة بعيدة جداً.

(يتبع)

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
إحصائيات متنوعة

المدونات العشر الأولى طبقا لنقاط تقييم الأدآء 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية) 

الترتيبالتغيرالكاتبالمدونة
1↓الكاتبمدونة نهلة حمودة
2↓الكاتبمدونة ياسمين رحمي
3↑8الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب
4↑1الكاتبمدونة حسن غريب
5↑4الكاتبمدونة آيه الغمري
6↓-3الكاتبمدونة اشرف الكرم
7↓-3الكاتبمدونة حنان صلاح الدين
8↑2الكاتبمدونة ياسر سلمي
9↑3الكاتبمدونة شادي الربابعة
10↓-2الكاتبمدونة هند حمدي
 spacetaor

اگثر عشر مدونات تقدما في الترتيب 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية)

#الصعودالكاتبالمدونةالترتيب
1↑57الكاتبمدونة نسمه تليمة123
2↑56الكاتبمدونة شيماء عصام74
3↑53الكاتبمدونة ابتسام محمد72
4↑44الكاتبمدونة كيندا فائز52
5↑43الكاتبمدونة محاسن علي98
6↑36الكاتبمدونة آيات القاضي95
7↑35الكاتبمدونة آيه ابو زهرة79
8↑33الكاتبمدونة هبة سامي66
9↑23الكاتبمدونة محمد جاد61
10↑17الكاتبمدونة مروة كرم99
 spacetaor

أكثر عشر مدونات تدوينا

#الكاتبالمدونةالتدوينات
1الكاتبمدونة نهلة حمودة1050
2الكاتبمدونة طلبة رضوان769
3الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب678
4الكاتبمدونة ياسر سلمي640
5الكاتبمدونة مريم توركان567
6الكاتبمدونة اشرف الكرم555
7الكاتبمدونة آيه الغمري481
8الكاتبمدونة فاطمة البسريني416
9الكاتبمدونة سمير حماد 397
10الكاتبمدونة حنان صلاح الدين397

spacetaor

أكثر عشر مدونات قراءة

#الكاتبالمدونةالمشاهدات
1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب322449
2الكاتبمدونة نهلة حمودة175846
3الكاتبمدونة ياسر سلمي171418
4الكاتبمدونة زينب حمدي166060
5الكاتبمدونة اشرف الكرم123695
6الكاتبمدونة مني امين114970
7الكاتبمدونة سمير حماد 103078
8الكاتبمدونة فيروز القطلبي94155
9الكاتبمدونة مني العقدة91845
10الكاتبمدونة مها العطار85425

spacetaor

أحدث عشر مدونات إنضماما للمنصة 

#الكاتبالمدونةتاريخ الإنضمام
1الكاتبمدونة أماني بالحاج2025-05-01
2الكاتبمدونة شيماء عبد المقصود2025-04-10
3الكاتبمدونة خالد منير2025-04-08
4الكاتبمدونة عبير محمد2025-04-08
5الكاتبمدونة نورا شوقي2025-04-07
6الكاتبمدونة عبير بسيوني2025-03-31
7الكاتبمدونة شيماء الجمل2025-03-29
8الكاتبمدونة منى أحمد2025-03-27
9الكاتبمدونة خليل السيد2025-03-12
10الكاتبمدونة هبة محمد2025-02-10

المتواجدون حالياً

1061 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع