وقفَ مكانه ينظرُ إليها وهي قادمةٌ نحوه، ومشاعرُ كثيرةٌ تتخبطُ بداخله. أيُعقلُ أن تتقبله، وهو الذي لا يملك من الجمال والهيئة ما يجعل أيَّ فتاةٍ تنبهر به؟ كيف قبلت به؟ هل أشفقت عليه؟ أم استغلّت كونه يملك المال والمنصب؟ أحقّاً كانت تراه؟ أم أن الحظ لعب دوره معه؟
كلُّ ذلك لا يهم الآن؛ المهم أنها له، ومعه. كانت أمنيته وقد حققها، ولن يفرّقها عنه سوى الموت.
كانت تتقدّم نحوه، تراه ينظر إليها بابتسامته الهادئة. كان شارداً بها… أم بوحمتها؟ هل يفكّر مثلها الآن؟ هل يراها حقّاً كافيةً له؟ كيف تغاضى عن عيوبها؟ هل يعتبرها مجرّد شيءٍ يُكمل به حياته؟ أم أنها له كما تراه هي لها؟
كم أعجبت به منذ الطفولة؛ كانت تراه طفلاً مميّزاً ومختلفاً، وشاباً رائعاً، وطبيباً ماهراً. كان مختلفاً عنهم جميعاً؛ لم يكن يلعب ويلهو مثلهم، بل كان يكرّس كل وقته للدراسة كي يصبح ما هو عليه الآن: طبيبَ قلبٍ عالميّاً، له اسمه ومكانته.
كانت تسمع أخباره دوماً وتتابعها باستمرار، سواء من والدته أو من الصحف والتلفاز. كم شعرت بالفخر والحب كلما رأته.
لم تصدّق نفسها حين تقدّمت والدته لخطبتها له بعد عودته إلى الوطن؛ كان حلماً ودعوةً لم تفارق شفتيها، وها هو الآن يتحقّق… يا لسعادتها.
التقت أعينهما فهبطت بنظرها بخجلٍ ظاهرٍ على محيّاها، ووقفت بجواره فأمسك بيدها بأصابعٍ مرتعشةٍ متوترة.
تأبّطت ذراعه ثم تحرّكا نحو منزلهما البسيط وسط سعادة الأهل والأصدقاء.
بعدما ودّعا الجميع دلف للداخل، فوجدها جالسةً على الأريكة بخجل، وهي تعتصر أصابعها.
تقدّم منها وجلس بجوارها، ثم تنحنح بارتباك ناظراً إليها.
_ كيف الحال؟!
_ الحمد لله، كيف حالك أنت؟!
_ بأفضل حال، يكفيني وجودكِ فتصبح الحياة رائعة.
نظرت له بتعجب وعدم تصديق لكلماته.
_ حقاً!! أعني، هل تراني جميلة إلى هذا الحد الذي يجعل الحياة رائعة؟! ألا تشمئز من هذه الوحمة في جانب وجهي؟! ألا تراني بشعة؟!
نظر لها بحب يفيض من عينيه، وهمس ذائباً:
_ بل أراكِ أجملهن وأنقاهن وأروعهن، أراكِ جنةَ الله على الأرض. لطالما تساءلت في نفسي: كيف أجعلها تقبل بي؟! هل أمتلك المال الكثير لأغريها به؟! أم أحصل على وظيفة مرموقة ومكانة مجتمعية تليق بها؟! وفعلتُ الاثنين، وأنا أتمنى أن تقبلي بي. لم أصدق يوم وافقتِ، وكأنني أخذتُ جائزة نوبل وقتها.
ضحكت بخفة ضحكة زلزلت قلبه، فابتسم تباعاً بهدوء، لتنظر له بأعين محبة.
_ بل أنا من امتلكتُ الدنيا حين تقدمتَ لخطبتي، كم تمنيتُ أن تراني يوماً، وكم دعوتُ الله أن يجمعني بك، وها أنا الآن تتحقق دعوتي.
ابتسم بسعادة وهو يحتضنها بحب، فلم يتخيّل يوماً أن تبادله الحب والاهتمام، كما لم تتخيّل هي يوماً أن يراها مثلما تراه. قلبان صدقا حبهما، فأذن الله لهما أن يلتقيا.
ومرّت الأعوام، ووقف يستلم جائزة نوبل كأصغر جرّاح قلب استطاع أن يُحدث فرقاً في جراحة القلب، وكانت هي برفقة أطفالهما الثلاثة يقفون هناك يصفّقون له بحب وسعادة بالغة؛ حبٌّ صافٍ نقيٌّ لا يشوبه شائبة. كانت هي أمنيته، وهو دعوتها.






































