وقفت تنظر من نافذة غرفتها متوارية، ودموعها تتسابق على وجنتيها. اليوم من المفترض أن يكون أسعد يوم في حياتها، ولكن ما يحدث هو العكس تماماً. اليوم سيتم كتب كتابها على ابن عمها الغالي على جميع العائلة، غالي لدرجة أنهم الآن سيزوجونها له برغم عدم رغبتها به. نعم، منذ الصغر وهم يقولون إنهم لبعضهم، ولكن حين كبرا كبرت العقول واختلف كلام القلوب. أحبت زميلها في الجامعة، وبالفعل جاء وتقدم لخطبتها، ولكن ما الذي حدث!!! نعم، رفضوه وقاموا بتعنيفها وحرموها من الذهاب للجامعة، كي يرضى حبيب قلوبهم والغالي عليهم. وقفوا في وجهها لأجل عيون ابن عمها، قمة الظلم.
دلفت عليها ابنة عمها وأخت زوجها المستقبلي، وبين يديها فستان الزفاف الذي سيكفنونها به للغالي. نظرت لها بأسى وحزن، فهي تعلم الحكاية وتساندها، ولكن في هذه العائلة المرأة لا صوت لها، الصوت والقرار الأول والأخير للرجل.
تجهزت رغماً عنها، والدموع لم تتوقف عن السقوط، ولكنها ستصمت لأجلها ولأجل والدتها التي لم تسلم من بطشهم حين ساندتها ووقفت بوجههم. جلست بين النساء، الجميع يرقص ويضحك، وهي يكتسي الوجوم وجهها، تفكر في حياتها القادمة كيف ستكون، هل ستستطيع كسب رضا ابن عمها؟! أم سينتقم منها؟! نعم، ينتقم بكرامته التي هُدرت لتقدم غيره لها، وموافقتها عليه.
دلف عريس الغفلة واجم الوجه غاضب الملامح، أمسك بيدها وتحرك سريعاً دون أن ينطق بحرف واحد، أخذها كالذبيحة التي تُقاد نحو المذبح. وانتهت تلك الليلة بذبح الذبيحة.
مرَّ شهرٌ على زواجهم، وكان من أسوأ الأشهر التي مرّت عليها في حياتها كلها، ضرب وتعنيف وسباب وصراخ على أتفه الأسباب، لا، وفوق كل ذلك كانت تعمل كخادمة له ولأهله، برغم عدم رضا أمه على ذلك، ولكن كما قلنا كلمة النساء لا وجود لها.
تحمَّلت ما لم يتحمَّله بشر، وكلما رفعت يدها لتدعو على أهلها الذين كانوا السبب في عذابها، كانت تتراجع خوفاً أن يعذبهم الله وينتقم منهم. فهم أهلها على الرغم من كل شيء.
وجاء قضاء الله وقدره، فمات أمها وأبيها في حادث سيارة، وأصبحت يتيمة الأبوين. مرّت أيام العزاء مُرّة وعلقم عليها، وظنت أن زوجها وابن عمها سيتغير معها بعد فاجعتها، ولكن ما حدث كان أسوأ.
فوجئت به يمضيها قسراً على كل أملاك أبيها كي تصبح له وملكه، نعم سرقها وورثها وهي حيةً ترزق.
بعد أن استحوذ على كل أملاكها، ظنت أنه سيتركها لحال سبيلها، ولكن جبروته كان أقوى من أي تخيل، فلقد قام بحبسها في غرفة قديمة، ومنع عنها الماء والطعام، علّها تموت ويرتاح من همها. ظلّت أسبوعاً بهذا الشكل حتى وجدت في أحد الأيام باب الغرفة يُفتح على استحياء، وإذ بها صديقتها وابنة عمها تنظر لها بألم ودموع تتسابق على وجنتيها. ركضت نحوها وساعدتها كي تخرج من الغرفة، وقامت بتهريبها من البيت.
وجدت إحدى صديقاتها من الجامعة تنتظرهم بعيداً عن المنزل في سيارة، ومعهم رجل غريب، صعدت الفتاتان وانطلقت السيارة لتكتشف أن الرجل هو حقوقي معروف في منظمات حقوق الإنسان. علم كل الحكاية من صديقتها وابنة عمها وقرر مساعدتها. كان قد سبق له أن جهز لها أوراقها، وعلى الفور انطلقوا نحو السفارة الأمريكية وقدّمت على لجوء بسبب العنف الأسري. وانتهت الإجراءات، وتم تقديم بلاغ عن ابن عمها، وطارت في الطائرة نحو حريتها بعد عام كامل من العذاب على يد من هو من لحمها ودمها.






































