السلام عليكم و رحمة الله .....
كثير من اللغط ... و من الارتباك .... و من عدم الاستقرار .... ما يفرزه انقيادنا نحو سحر الفتاوي .... ابتغاء مرضاة الله ....
و لأن مرضاة الله - عز و جل - هي هدفنا جميعا - نحن المسلمين ... فنحن مستعدون ان نقتفي أثر كل ما يجعلنا سائرين علي طريق الله ...
و من هؤلاء الذين يمدون ايديهم الي امثالنا - نحن البشر العاديين - العلماء الاجلاء الذين غاصوا في بحور العلوم الشرعية ..... و اطلعوا علي ما هو مدون بين دفات الكتب القديمة و المعاصره ....
هؤلاء العلماء المتخصصون .... الذين نستقيمنهم معلوماتنا .... و يمثلون المصدر الاساسي للمعلومات الشرعيه .... أصبحوا دون ندري .... المتحكمين في حياتنا بشكل واسع النطاق ... الي درجة ترقي للاستعباد !!!
قديما في مدونتي في تاميكوم ... كتبت عن امنياتي الشخصيه حول كيفية تداول العلم الشرعي ..... و يمكن للذين يودون الاطلاع علي هذه الامنيات ان يضغطوا علي هذا الرابط:
https://www.mabdelwahab.com/blog/on-religious-diligence
اما الجديد الذي اود ان احدثكم به هنا .... او بالاحري ان استطلع رأيكم حوله .... هو فكرة الغاء مصطلح (الافتاء) .... بمعني ان نكف عن القول بأن فلانا افتي بكذا ... و فلانا افتي بعكسه فقال كذا .... و هكذا ... ثم ننقسم الي فريقين .... فريق مع هذا .... و فريق مع ذلك ..... ثم ننفك قذفا و قدحا في صاحب الفتوي التي تخالف فتوي صاحبنا
و قبل ان تستغربوا هذه الفكرة .... اتوقع منكم سماحة في الصدر لاستيعاب المقصود ....
في الاسلام ... لا مراتب دينية قيادية لرجل الدين .... و هذه الميزه غير موجوده في اي دين علي وجه الارض ..... بمعني ان رجل الدين في كل الاديان السماويه و المخترعه ... هو رجل له سطوه و سيطره ... و له نفوذ ديني و دنيوي ... و يعلم ما لا يعلمه البشر العاديين ... و قد يكون له بعض المعجزات !!! ... و لا يجوز عصيانه
الا الاسلام ... فلا مكان لرجل دين "قائد" فيه .... و لا مكان لفكر مسيطر .... فالكل مسؤول عن نفسه .... و الكل علاقته مع ربه لا تحتاج الي وسيط .... و لا رجل يدين يقول افعل كذا او لا تفعل كذا .... فالعلم الشرعي متاح للجميع
طيب .... من هو رجل الدين في الاسلام (المعاصر)؟
رجل الدين في الاسلام ... هو انسان مسلم عادي .... نهل من العلوم الشرعية .... و تتلمذ علي يد ائمة افاضل و اجلاء .... و له باع في الدراسات الاسلامية .... فيصبح بما لديه من علوم و معرفه .... اكثر علما ... و اعلي مرتبه من البشر العاديين
و علو المرتبه هنا ..... هو علو علمي بحت .... و ليس بالضرورة ان يكون علوا في المقام عند الله ... او علوا ساميا فوق البشر ....
و حتي اقرب الصورة ... فالعلو العلمي يعني ان فلانا - مثلا - حصل علي الماجستير في الكيمياء .... بينما زميله الكيميائي لم يحصل علي هذه الدرجه .... هنا يكون الاول اعلي مقاما علميا من الثاني ... و لكن ربما يكون الثاني صاحب علاقة اقوي مع الله من الاول ....
في العلوم الشرعية .... قد نحصل علي نفس الشكل .... طلاب علم حاصلين علي درجات علمية عاليه .... و بشر عاديين .... و من بين البشر العاديين من هو - ربما - يكون ذا صلة وثيقة بالله اكثر من ائمته !!
اعود و ادخل في موضوع الموضوع ..... و هو الغاء مصطلح الافتاء .... !!!
لماذا؟
لأن المفتي هو رجل تعلم كثيرا .... و قطع مشوارا شرعيا لا بأس به ..... فأصبح يعلم اكثر من الشخص العادي التائه في تفاصيل الحياة اليومية ...
و عندما يقابل هذا الشخص العادي موقفا حيايتا يريد ان يعرف حكمه الشرعي .... يذهب الي الشخص العالم ليسأله
و الآن ..... من يضمن ان كل ما سوف يقوله الشخص العالم .... صحيح و في محله ؟
من يضمن .... ان تقدير العالم لمسألة الرجل .... تقديرا صحيحا و في محله ؟
و من يضمن ان تتوحد الاراء عند العلمااء حول هذه المسأله ؟؟
هذا هو المقصود ....
فكلمة فتوي ..... كلمة قويه ..... ملزمه .... و لها "كاريزما" ..... لها و لقائلها
بينما - في تقديري الشخصي - ان ما قاله العالم هو رأي ديني حسب مقدار علمه .... و وجهة نظر من اقتنع بهم من العلماء الاوائل .... و من تبني وجهة نظرهم ....
لذاعندما يقال للشخص العادي ... هذا رأي ..... خير من ان يقال له هذه فتوي
فمصطلح (رأي) ... يعطي فرصه للشخص العادي ان يدرس هذا الرأي .... و يقيسه بعقله و قلبه .... و ايضا يسمح له بان يتقبل فكرة ان يستمع الي اراء اخري في نفس المسأله ... و يقارن بينها ..... ثم يقرر ايا من هذه الاراء سوف يتبع .... و يغفر لصاحب الرأي الذي لم يعجبه ...... و هذا هو المهم
و لكن عندما يتعامل مع الرأي علي كونه "فتوي" ..... هنا يكون التعامل حذرا .... و لو قرر هذا الشخص مخالفة الفتوي ... فهو بذلك يكون قد وضع نفسه تحت ضغط نفسي بأنه يخالف شرع الله المتمثل في تلك الفتوي التي لا تلقي قبولا لديه .... رغم ان هذه الفتوي في حد ذاتها قد تكون خاطئه .... و تحتاج الي تمحيص و تفحيص ....
علي الجانب الآخر .... الغاء مصطلح "الفتوي" .... يقلل الضغط علي المفتي ذاته ..... فاذا افترضنا ان العالم المفتي قد اصدر فتوي ما في مسأله ما .... ثم بعد خمس سنوات من العلم و الدراسه .... وجد المفتي ان فتواه القديمه "ناقصه" او غير دقيقه .... هنا سيتحتم عليه تغييرها ....
فاذا قام بتغيير فتواه ... فسيتهمه الانسان العادي بأنه رجل غير عالم و انه قد غير فتواه ... و هكذا
اذا نحن الآن لا نتكلم عن فتاوي ملزمه ..... بل نتكلم عن اراء علميه فقهيه ..... قد تصيب و قد تخطئ.... و قد تطور و قد تتغير .....
فلماذا - اذا - لا يكون تداول الاراء الفقهية كلها جميعا تحت سقف علمي .... و بمسمي " رأي فقهي علمي" .... و ليس "فتوي" ..... حتي يُترك للشخص العادي ان يقيس بعقله و قلبه مدي توافق هذه الفتوي عن تلك مع معتقداته ... ثم يقرر قبولها من عدمه ...
كل ما سبق يا ساده ... يمكن تطبيقه علي الاراء الفقهيه حول القضايا الخلافيه التي فيها خلاف بين العلماء ... كمسائل النقاب مثلا ....
ايضا ..... عندما يقول عالم ما ..... رأيه في قضيه ما .... و لنفترض جدلا ان هذا الرأي لم يعجبك ... او انك تراه مخالفا من وجهة نظرك ... فلا يجيز ذلك لك مهاجمته بجهل ... او قذفه .... او تسييس فتواه او رأيه .... و الجائز الوحيد هو ان تكون في نفس مستواه الفقهي و العلمي ... ثم تقارعه الحجه بالحجه في نقاش مبجل و محترم ... لا غوغائي جهول .... و سواء اقتنعت او لم تقتنع .... و سواء التزمت او لم تلتزم بتلك الفتوي .... فأمرك مع الله بينك و بين الله فقط .... لا ثالث بينكما ....
و ليعلم القارئ .... ان الوحيد صاحب القول الفصل .... هو رسول الله صلي الله عليه وسلم ..... و الرسول الآن ليس بموجود ... و لا يوجد احد في نفس مرتبة الرسول ... او الصحابة ... او التابعين ... لذا فالمنهج العلمي الآن هو القياس في القضايا التي وصلت الينا و هي غير محسومه ..... و القياس في حد ذاته اجتهاد .... و الاجتهاد قد يصيب و قد يخطأ .... فلنهون علي انفسنا الامور ... و لا نتشدد .... و لنعلم ان الامور الواضحه الراسخه في ديننا .... اكثر من تلك الامور الغير واضحه او التي فيها خلاف .... فلنستمتع بديننا ... و بقيمنا .... و ان نحاول ان نتخلص من أسر كلمة فتوي "لعقولنا" .... و لنمرر كل شئ علي قلوبنا و عقولنا .... ثم نتوكل علي الله و نقرر ما سوف نفعله ... دون مهاجمه او قذف لمن لم تعجبنا فتواه .....
عفوا....
رأيه الفقهي
تحياتي
:)