لا احب ان اكتب عن الاحداث التي تجري حاليا في مصر المحروسه .... لاني اجد ان المرض مستفحل .... و العلاج "معروف" ... و لكنه متجاهل
ايضا , لا اريد ان اكتب .... لاني اشعر ان القارئ غير مستعد ان يقرأ شيئا عكس ما تم ضبط اعداداته عليه .... فاشعر احيانا بالحرث في البحر
و أخيرا , لا احب ان اكتب بعد ان افرجت عن بعض اسبابي هنا سابقا :
https://www.mabdelwahab.com/blog/why-don-t-you-write
و لكن .... الذي يدفعني لاخط هذه الكلمات الآن .... هي حالة الحياد الموضوعي التام لدي مكونات الشعب الثوري ... و الادهي ... ان هذا الحياد يلقي القبول لدي "النخبه" ... و يبدو ان نخبة البلاد " لديهم مشاكل مع الموضوعيه" او انهم يتعمدون تنحية الموضوعية جانبا ... بقصد
اليوم صباحا ..... قادتني مصادفه سعيده ان اركب سيارة رجل في أواخر الخمسينات من عمره ... عرض عليّ مشكورا توصيلي بسيارته "اللادا" الي حيث كنت انتوي ان اذهب ...
تعرفت علي الرجل الكريم ... فاذا به "لواء" سابق في القوات المسلحة .... و يعمل حاليا في احدي الهيئات الحكومية مديرا لاحد القطاعات فيها ...
تجاذبنا اطراف الحديث .... و تطرقنا الي بعض الخطوط العامه لاحداث مصر التي تمس العامه ...
و لأن كلٌ يغني علي ليلاه .... حدثني الرجل .. عن حملة التطهير التي يدعو اليها "الكثيرون" .... و حملة التطهير هذه تستهدف العسكريين السابقين الذين يعملون في مؤسسات مدنيه ...
استفاض الرجل ... و المراره تقطر من حروف كلماته ... و هو الذي افني عمره يدافع عن تراب البلاد و عرضها و شرفها
ودعته .... و لكن عقلي لم يودع حديثه لي عن هذه "العنصرية" العجيبه الجديده التي تنادي بها ثورتنا المجيده !!... و ميدان تحريرها المفدي
لم احاول ان افكر في الامر بعاطفه .... رغم تعاطفي مع حديث الرجل ..... لكني - كعادتي - عرضت الموضوع علي قواعد المنطق و الموضوعيه .... فكانت النتائج مريعه !!
في البدايه ... لازلت مقتنعا ... ان ثورتنا المجيده ... مريضه ... و قد كتبت هذا سابقا هنا :
https://www.mabdelwahab.com/blog/glorious-revolution-sick
او بتعبير ادق .... هذه الثوره ... اظهرت امراضا مزمنه و مستشرية .... اهمها غياب الموضوعيه و المنطق ....
و لكي اقرب لكم الصوره - معشر القراء - ..... تعالوا نتحدث معا بموضوعيه متسلسله .. و لنسأل انفسنا : اليست هذه الثوره قامت لتحقق العداله للجميع ؟ ... و اليست هذه الثوره قامت لتحقق سيادة القانون ؟
اجابتك التي احفظها و اسمعك تصرخ بها ليل نهار هي : نعم .... و لكن افعالك لا تقول ذلك ... صدقني :)
نتابع معا
عندما يقول اي شخص ... انه يجب ان يستثني المدنيين من اصول عسكرية من تولي مناصب مدنية .... او الترشح في الانتخابات لكونه "عسكريا" ... فهذا شخص جانبه الصواب و الحكمة و العلم ... و اشياء اخري
لماذا ؟
لان الشخص العسكري عندما يتقاعد .... يصبح مدنيا :) :) .... مفاجأه !!! اليس كذلك ؟!!
لا تكشر ثنايا وجهك و انت تقرأ .... و حاول ان تعلي قيمة المنطق ... لا قيمة اهواءك او وجهة نظرك الشخصيه فقط ....
العسكريون مواطنون عاديون لهم كل الحقوق و عليهم كل الواجبات (دستوريا) .. بل انهم اثناء تأديتهم واجبهم العسكري محرومون من بعض حقوق المواطن المدني .... و من اهم هذه الحقوق : الممارسه السياسيه ..... و هذا الرجل العسكري يلتزم بالقانون و لا يمارس السياسه لان القانون يحظر ذلك عليه
اما عندما يخرج هذا الرجل الي المعاش ... فهو قد اصبح مدنيا ... و يسترد كامل حقوقه الممنوحه لاقرانه من المدنيين ....
في هذه الحالة ... هل يعقل اذا ان نقول له : انت كنت رجل عسكري .... لا نريدك في هذا الموقع او ذاك ؟!!!!
منتهي العنصرية و الجهل ... ثم منتهي مخالفة القانون ... ثم منتهي عدم الفهم لمعاني الديمقراطيه او النصف ديمقراطيه
اذا كانت هذه الثوره جاءت لتعلي قيم المواطنه و المساواة و العدل بين الجميع فأهلا بها ثورة مجيده ... اما اذا كانت تنوي ان تحرم فئات من حقوقها و تصنف البشر حسب الاهواءات ... فهي ثورة مريضه تحتاج الي علاج قاس و سريع ...
المدنيون في بلادنا قليلا ما يلتزمون ... كثيرا ما يخطئون .... قلما ما ينضبطون .... و هذه حقائق سنكون غير منصفين اذا عارضناها ... و عندما يعمل احدهم - اي المدني - تحت قيادة لها خلفية عسكرية .... يشعر انه في المعسكر ... رغم ان ما يطبقه المدير ذو الخلفيه العسكريه هو القانون ....
و غالبا ما يكون المدير ذو الخلفية العسكرية ناجحا .... و هذا النجاح يدفع الي تعيين مزيد من القيادات ذات الاصول العسكريه في مواقع قيادية أكثر و أكثر... و هكذا
و هذا بالمناسبة ليس بدعة مصريه ...... و لكنها عالميه .... رغم ان المدني في بلاد الواق الواق يحاكي في طبيعته الملتزمه العسكريين لدينا ... بينما مدنيونا لا يحاكون احدا علي الاطلاق
(حقيقية علميه تجدها مكتوبه في اي مؤسسه حكوميه )
اذا الهدف في الاساس هدف نفسي .... مريض .... و ربما سياسي مقصود لاهداف سلطويه ... و ليس هدفا عقلانيا او صحيا او منطقيا
و بدلا من ان يراجع مروجوا فكرة "التطهير العسكري" انفسهم .... و يقارنوا بين انفسهم و بين اقرانهم من ذوي الاصول العسكريه .... ثم يحسنون من ادائهم و يدعون الي مزيد من الضبط و الربط و الانضباط و الالتزام في العمل .... تجدهم يقولون بكل سذاجه "زهقنا من العسكريين" !!
و انا اقول لهم بدوري : من هم العسكريون الذين تقصدون ؟
مم تقصدونهم هم مدنيون مثلكم... كانوا عسكريين ..
اذا ما رأيكم ان نعتبر كل شخص دخل الجيش مجندا .... عسكريا ..... :) ؟
في هذه الحاله سنجد ان معظم شعبنا المغوار هدفا للعنصرية الجديده ....
يا ساده .... في هذه الاجواء المتوتره و المشحونه ... يجب ان نعود الي عقولنا و ان نطرح عليها ما يقال هنا او هناك .... حتي لا ننطق باشياء تُضحك و تُبكي
الخلاصه هي ان المواطن الذي ترك الخدمة العسكريه ... سواء اكان مجندا او ضابطا .... جنديا او رقيبا او لواءا ... في النهاية الكل مدني ... و الكل له نفس الحقوق ... و هذا بديهي
من الامور التي تجعلني اضحك فعلا ... عندما استمع الي بعض "الثائرين" و هم يتحدثون عن احد مرشحي الرئاسة الحاليين و هو رجل له باع في العسكرية و خبراته تزن خبرات ضعف عدد المتظاهرين في مديدان التحرير ... اضحك فعلا عندما يقولون عنه انه عسكري ... و نحن لا نريد عسكريين في الرئاسه !!
و ضحكي هو ان الرجل المقصود ليس عسكريا .... و انما مواطن مدني طبيعي .... و لكن حدث و لا حرج فالجهل هو سيد الموقف ....
طيب لو القينا نظرة علي العالم الغربي و ديمقراطيته التي نحاول ان نحاكيها ....
يا تري ... يا هل تري ... هل ينظرون الي المدنيين ذوي الاصول العسكريه بنفس النظرة العنصرية ... ؟
الاجابه ... يمكن ان يلقيها علينا : كولن باول وزير الخارجية الامركيي السابق و كان رئيس هيئة اركان الجيوش الامريكية ..... او جون ماكين مرشح الرئاسة الامريكي الذي خسر الرئاسة امام اوباما ... و كان محاربا في جيش الولايات المتحده .... , يجيب عليها ايضا رئيس وزراء اسرائيل شارون .... و هو جنرال كبير في الجيش الاسرائيلي و قائده في يوم من الايام .... , يجيب عليها ايضا الرئيس الفرنسي شارل ديجول و كان رجلا عسكريا ,,,, الخ
اذا .... العسكريون الذين يتركون الخدمه ... تستفيد من كفاءاتهم بلادهم .... بينما نحن ننوي في عصر الثوره ان نضطهدهم .... و نفرق بينهم و بين الشعب
اخيرا .... قد يكون لك وجهة نظر سلبية تجاه شخص كان عسكريا .... و قد تراه لا يصلح لمنصب هنا او هناك .... في هذه الحاله يمكنك ان لا تنتخبه .... ان لا تختاره ...
لكن لا يمكنك ان تضطهده و تمنعه من ممارسة حقوقه ....
اتمني ان تعلوا قيم المنطق و القانون فوق قيم العواطف و العنصرية
و اتمني ان يستمع العالم منا علي حديث ينم عن توجهات منفتحه ... و امنيات بتحقيق العداله و المساوه بين الجميع .... لا ان يضحك علينا لأننا "قرفنا من حكم رجل عسكري"
تحياتي العطره
:)