كانت ترسل لي تلك الخطابات الملتهبه , بمقاييس تلك الحقبة الإعدادية البعيده ، ذات الكلمات الثائرة كالطلقات ...فاخترقت قلب مراهق طازج ... لا تتكفي عشرات من رسائل الحب علي انضاجه ...., لم تكن توقع باسمها ابدا .... , كانت تدس رسائلها دسا في حاجياتي .... , دائما ما كنت أتحسس كراساتي , باحثا عن ذلك الانبعاج المثير الذي يبشرني بوصول خطابها الحالم ... , ايتها المجنونه العاشقة من أنت ؟ ... اسحبها بأصابع سارق يخشي افتضاح أمره ...،تتقافز دقات القلب من فرط السعاده ... يتوقف عقلي عن استيعاب ما يقوله هؤلاء المدرسون المصريون و الليبيون و الفلسطينيون في تلك المدرسة الليبية المشتركة و التي يقال لها " مدرسة الثورة الشعبية " في عهد القذافي الراحل ...., انتظر بفارغ الصبر اقتناص لحظات تختلي بها نفسي بنفسي ... , لأتناول "فيامين" أحرف هذه الرساله .. و كل رسالة آتيه من شرق الفصل الانثوي ....
احببتت كلماتها كثيرا , احببت طريقتها , تلاعبها بي .., وصفها ... , الورق المكتوب عليه حروف مشاعرها ,,, الحبر ذاته أحببت رائحته ..., احببت المدرسة بمن فيها بسببها .... لكني حتي اللحظة لا اعرفها , .... فضولي القانل ....يمزقني ..., زاد من عنائي ذلك التحفظ الاسمنتي الأملس .. لبنات الفصل ... اللاتي لو تحدثن مع ذلك المصري القادم من بلاد الفراعنة ... فالقيامة ستقوم حتما في بلاد الكتاب الاخضر دون سائر الأمصار.., كمصري وحيد بين زملاء ليبيين , ... كان مؤشر "الحساسية المفرطه" يضرب مستويات حمراء غير مسبوقة لدي "اولاد" الفصل اذا ما أشحت وجهي ناحية ذلك الجانب الذي يحتله البنات ,.... بقصد أو بدون قصد ...., للأمانه العلمية .., لا أذكر ان هناك مرة اشحت بها وجههي ناحيتهن بدون قصد .... , كلها بقصد ..., كنت ارقب ذلك التحفظ الصارم , و احاول اختراق الاسمنت .. و الذي اعلم علم اليقين أنه يخفي بركانا يموج و يتأهب لسحق قلوب نصف سكان الفصل ,,,, , , من المؤكد أن بين براكينهن بركاني .. ,من أنت يا فتاه ؟؟... لقد جعلتني أسبق القذافي بعقود عندما صاحت الام فضولي ... من أنت ...؟؟؟
أتكون تلك الحالمه التي تجلس في اخر الصف هناك ؟ و التي لم تنجح و لو لمرة في اجابة اي سؤال لأي مدرس كان .... , لا لا .. لا اتمني أن تكون تلك ...رغم الحسن و الجمال ... فأنا لا أحب الكسالي .... , أذا هي تلك الحسناء التي تجلس في منتصف الصف تقريبا بجوار الحائط , كثيرا ما كنت اضبطها بالجرم المشهود .. و هي تصطادني بنظراتها المسروقه .... , و لم لا ... تلك تناسبني مع بعض التعديلات .... , الباقيات كلهن سواء ... , كأنهن فوج صيني مصاب بالكورونا ..... يقضي عليهن جرس الانصراف في كل آخر اليوم ... ..., , لا زالت هناك واحدة في قائمة المشتبه بهن ... , احساس غامض يخبرني بأنها هي ... لكن عقلي كان منطقيا أكثر ... , أيعقل أن تكون تلك المتعجرفة ... ؟؟!, تلك التي لم تتحمل ان يستولي "مصري" علي صدارة الترتيب العام في الفصل .., فجاهرت بكل ما لديها من أسلحة ... فقاتلتني .. بغية هزيمتي ... , و ما نجحت ابدا .... , هل يعقل أن تكون هي ... ؟! .... لا يمكن طبعا , فبيننا اراض شاسعة دكتها مدفعيتنا طوال سنين ثلاث , أزعم فيها أن مشاة بحريتي قد سيطرت علي اراضيها تماما ... , لم تنخفض رايات الحرب بيننا قط .. عدا تلك الهدنه ... التي تزاملنا فيها كفريق في مسابقة نادرة لأولئل الطلبة بين مدارس مدينة الخمس الليبية .... , كنت الولد الوحيد بين فريق مؤلف من ستة طلبه ,,, مفهوم طبعا أن الباقي طالبات ... تتزعمهن متعجرفة الفصل المتفوقه ... , ففي مدرستي لم يكن الاولاد يحبون التحصيل الدراسي ... , تاركين هذه المهمة للبنات ..., و علي رأسهم .. متعجرفتي ... التي فقدت عرش الفصل ..علي يدي ...
طوال سنوات ثلاث ,,, ظلت تلك الرسائل الحميمية تصلني بانتظام ,,, حتي اصبحت دواءا روتينيا لرفع المعنويات ,... بدونها لا يمكنني الصمود امام معاركي اليومية مع زملاء الدراسة الاعزاء من الشباب .... ,
حتي جاء اليوم الاخير في السنة الاخيرة من الحقبة الاعدادية .... , استعدادا للانتقال الي مدرسة اخري ترفع علم حقبة اخري ثانوية ... , دخلت الفصل ... فاذا "بالمتعجرفة" ... تمسك باحدي كراستي ... تظاهرت بالخجل و هربت ... , امسكت كراستي ... فاذا به نفس الانبعاج ... نفس الرساله .... , لقد تعمدت ان تكشف عن شخصيتها في اليوم الاخير .... , تركت رساله بها كلمتين فقط ... لا أملك شجاعة البوح بهما .... لكني أحفظهما ... , كما اني لا أملك تفسيرا للأفراج عن هذه الذكريات بعد ثلاثين عاما ... و لا أدري هل "أسماء" الآن تربي اطفالها في احد "مربوعات " حوش ليبي واسع .. يحيط به سور من التين الشوكي ... كما البيوت الليبية التي اعتدت رؤيتها .., هل هي علي قيد الحياة ... لا أدري ..... , ....
القضية الأهم الان أني لا أدري بحق ... بعد هذا التهور .... هل سأحصل علي وجبة عشاء اليوم في بيتي بعد هذا المنشور ... أم سأسافر الي أمي ... , ...