رغم أن الملايين و معهم البابا فى روما وكل الحطابين فى الجبال النائية والفلاحون فى مزارعهم والعجائز حول نار المدفأة فى ليالى الشتاء وآلاف من البسطاء .. قد شاهدوه ... ... فمواطن مصري يكتب هذه الكلمات .. لم يكن قد شاهده ..
إنه الفيلم المصري العريق.. "امبراطورية ميم" .. و الذي شاهدته لأول مرة هذه الليلة !
ورغم أني أحمل جنسية إحدى إمبراطوريات الميم.. لكوني أخ لثلاثة أشقاء .. كلنا - الأربعة - تبدأ اسماؤنا بحرف الميم .. محمد ، منى ، مصطفى و مروة .. لكني لم أكن أعرف أن مصدر المصطلح الشهير "إمبراطورية ميم" .. هو هذا الفيلم الإنفتاحي القديم ..
من المرات النادرة أن التحق ببداية فيلم مصري قديم منذ بدايته ... و الذي من أجله تخليت عن هوايتي في النوم أثناء مشاهدة الأفلام .. وأكملته حتى النهاية .. كما لو كان فيلما هنديا أسطوريا بطولة السيدة الفاضلة كارينا كابور !
إمبراطورية ميم .. عمل فني لا يحتاج من العبد لله الي تقييم .. فلا أريد أن أبدو كالشخص الذي ذهب يشاهد فيلما في السينما ... بعد إنتهاء الفيلم وإنطفاء الأنوار .. وموت الممثلين والمشاهدين جميعا ... أو كما يقول المثل "يطبل في المطبل " ... ، ولكن .. هناك الكثير الذي دار في خلدي وأنا اشاهد هذا العمل الذي مر على انتاجه 53 عاما ..
لنبدأ بالبطلة ... يا إلهي .. من هذه العبقرية .. ؟
نعم أعرف .. هي فاتن حمامة .. ، فلم يصل مستوى ثقافتي الفنية الي الحد المتدني الذي لا أعرف فيه سيدة الشاشة .. ، لكنه والحق يقال .. كانت المرة الأولى التي أعرف فيها .. لماذا أصبحت "فاتن" .. السيدة على الشاشة .. ؟!
لأول مرة ألحظ وأركز وأستمتع بأداء ساحر سلس .. واقعي وحالم .. قوي وناعم .. كهذا الأداء لممثل ما على الشاشة ..
لأول مرة أجدني أقول .. ما هذا .. بلغة حفيظ دراجي .. ما هذا الأداء الخرافي .. عالى الحرفية .. لذيذ الطعم .. لدرجة التذوق والاستمتاع ..
أعرف أن الملايين في روما و السباكين تحت الأحواض و النجارين فوق الأشجار يعرفون عظمة فن فاتن حمامه .. لكن العبد لله لم يكن قد عرف بعد ..
ويبدو أنه مع مرور العمر .. تاتي لحظات على الإنسان تجعله يتذوق الشئ فجأة .. ، يذكرني هذا .. "بالسيدة" الأخرى .. أم كلثوم و التي كان سماعها - قديما - محض عقاب .. إلا أن جاءت لحظة خاصة .. تذوقت فيها فجأة حلاوة صوت أم كلثوم .. لأنتقل من صفوف المرددين عن عظمتهم إلى صفوف المريدين .. لهم
و يبدو أن إختلاف الإحساس بالشئ من شخص الي آخر ... ، أو حتى إختلاف الإحساس من حقبة زمنية الي حقبة أخرى في الشخص الواحد .. سر من أسرار خلق الله و أحد مظاهر الإختلاف البديعة ..
مرة من المرات عندما بدأت كحكم كرة يد وكنت استأذن من عملى لأذهب الي المباريات .. أحضرني أحد قادتي قائلا لي : ما المتعة في أن تمسك بصافرة وتجري وراء لاعبين يتقاذفون الكرة ... ؟! .. قلت له - في سري - مثل متعة رؤيتك كل صباح سيدي القائد ...
بمناسبة الإحساس ... ، أحب متابعة نشرات الاخبار .. أحبها في المكتب و على الغداء وقبل العشاء .. أستمتع بنشرات الأخبار كثيرا .. بينما بناتي دائما يستنكرون .. على ماذا تتفرج يا أبانا .. إنه لمنكر مبين .. ! ..
ولأن الشئ بالشئ يذكر وبمناسبة نشرات الأخبار .. وبالرغم من الإنتشاء بمشاهدة أداء ساحر لسيدة الشاشة العربية ليلا .. طالعني الخبر الصباحي المعتاد .. استشهاد 90 فلسطينيا بينهم 10 أطفال ..
عام ونيف .. يوميا نفس الخبر .. نفس الصيغة .. نفس المشاهد .... مع إختلافات طفيفة في أعداد الأطفال القتلى ... ولكن ماذا عن الإحساس .. ؟!
لقد جاءت لحظة .. أحس فيها المرؤ بفن فاتن حمامه.. و لحظة أخرى تجلي فيها الشعور بعظمة صوت أم كلثوم .. لكن متى تحين لحظة الإحساس بأننا مجرد ميتون يتنفسون ؟!