السلام عليكم و رحمة الله ....
طوال حياتي و انا اسافر ... في قدر قدره الله لي ... احمده عز و جل علي هذا القدر ... فالسفر متعه ... و معرفه و اطلاع ... و سبع فوائد اخري لا اعرفها :) .... و قد منَّ الله عليّ بالسفر خارج البلاد و داخلها من خلال عملي و هواياتي و ربما ظروفي العاديه ...
و من خلال هذه "السفريات" داخل مصر ... تعرفت علي محافظات عديده و طباع اهلها .... و سمعت بعضا من النعوت التي قد تطلق علي اهل هذه المحافظه او تلك
.... و من اشهر هذه المحافظات التي طالما سمعت عنها محافظة المنوفية .... 
و الحق يقال اني لم اتشرف بزيارة هذه المحافظه - او احد مراكزها - ابدا (حتي ساعات من كتابة هذه المقاله) ... لكني تعرفت و عشت و تعاملت مع اهلها مرارا و تكرارا ... و كانت لي - ايام الدراسه - زمالات مطوله مع عدد ليس بقليل من ابناء هذه المحافظه ...
في الحقيقه فانه عندما تذكر المنوفية ... او يذكر "المنوفي" .... يُذكر فورا الحرص و الدقه في صرف الاموال كصفه يتصف بها اهل هذه المحافظه .... لدرجة انه اذا قام احدنا بالتعنت قليلا في امر مالي .... سمع الآخرين يمازوحنه قائلين : هل انت منوفي ؟؟ :)
و الحقيقه الدامغه التي اتحمل وزرها يوم القيامه ... ان كل تعاملاتي مع المنتسبين لهذه المحافظه كانت تقول العكس تماما !!! .... بل ربما اكاد اجزم انهم - أي المنايفه - اهل كرم غير طبيعي !!! ... لدرجة اني كنت امازح زملائي "المنايفه" بانهم يبذلون جهودا حثيثه لدفع صفة الحرص في صرف المال عنهم بهذا البذخ و الكرم الحاتمي الذي اراه امامي :) و لا اعرف هل قلوبهم تتمزق علي هذا الكرم :)
ام انها هي ايضا قررت ان تقاتل معي اصحابها لدفع هذه الصفه التي ليس لها جذور حقيقيه :)
بالامس القريب ... و بصفتي حكما لكرة اليد في الاتحاد المصري ... عُينت لادارة مباراه بين فريق "منوف" و فريق يسمي "دملوا" من محافظة القليوبية ... في الدوري الدرجه الاولي المصري لكرة اليد ...
و لا اخفي عليكم مدي سعادتي فور تعييني في هذه المباره لانها ستتيح لي زيارة محافظه لم ازرها من قبل ... ثم ما ادراكم ما هي هذه المحافظه ؟ ... انها المنوفية "بجلالة قدرها" .... 
بدأت ارسم طريق مغامرتي - اقصد رحلتي الي محافظة الرؤساء .... فكان - بعد عدة مشاورات مع اصدقاء "منايفه" ... ان انسب الطرق المؤديه الي "منوف" هي الذهاب الي مدينة "السادات" ثم منها الي "منوف" .... و ربما لا يكون هذا الطريق هو الافضل .... لكني ارتحت له و قررت ان اخوضه لأنه سيجعلني اعبر "مدينة السادات" التي اسمع عنها و لم ازرها ايضا ....
ذهبت الي موقف الاسكندريه و بدأت اسأل عن سيارات مدينة "السادات" .... فاذا بسائقي "الميكروباصات" يمازوحنني بان قالوا لي : اذهب عن السيارات التي ترفع علم المنوفيه و اركب احداها !! :)
طبعا لم تكن هناك سيارات ترفع علم المنوفيه .... و لكن يبدو ان اسم المنوفيه في حد ذاته علما يرفرف خفاقا في سماء الشهره و الجاذبيه ... و يبدو ان رحلتي ستكون رحله بنكهه "منوفيه" :)
توكلت علي الله ... و ركبت "ميكروباصا" الي مدينة السادات .... و كان الميكروباص من نوع "الشيفورليه" و كان بطيئا للغايه و كان معظم الركاب يرتدون زيا يشبه زي الاشقاء الليبيين و علمت ان معظم سكان الساحل الشمالي من مصر يرتدون زيا يشبه الزي الليبي و هو عباره عن ستره طويله حتي اعلي الركبه و بنطال له حجر واسع يسمي "سوريه" نسبة الي سوريا صاحبة الشكل التصميم الاساسي لهذا الزي
هبطت الشيفروليه في مدينة السادات بعد ساعتين في مطار ... اقصد في موقف مدينة "السادات" و التي كانت الي وقت قريب مضي تابعه لمحافظة البحيره ثم جري ضمها الي المنوفيه في اجراء منطقي للغايه ..... فالمدينه انشأها الرئيس الراحل محمد انور السادات و هو من اصل "منوفي" ... لذا كان منطقيا ان تكون مدينته تابعه للمنوفيه ...
لم اضيع وقتي كثيرا فاثناء انتظاري لسياره تقلني الي مدينة منوف كنت التقط صورا في مخيلتي لمدينة السادات .... فرأيتها مدينه تبدوا عليها ملامح الحداثه و منظمه جيدا و بها مساحات خضراء كبيره لا تخطئها عين ... و تحتوي علي مقار لعدة شركات كبيره و مصانع .... ايضا كليات تابعه لجامعة المنوفيه .. فقد شاهدت مبني كلية التربيه الرياضيه هناك ....
كانت المسافه من الاسكندريه الي السادات حوالي 140 كيلو قطعتها الشيفورليه في ساعتين .... و كان متبقي علي المباره حوالي ساعه و نصف عندما كنت في مدينة السادات ... و عندما سألت عن المسافه بين "السادات" و منوف وجدتها لا تتعدي الـ 60 كيلوا ... فحمد الله ان سأصل قبل المباراه بوقت كاف .... و لأن الرياح دائما لا تشتهي السفن فقد ركبت هذه المره "ميكروباصا" من نوع "تويوتا" انطلق يشق طريقه الي منوف عبر طريق هو الطريق الأسوأ في حياتي الذي اسير فيه .... فهو طريق عباره عن طريق "ون واي" عرضه بالكاد يسمح بسيارتين متجاورتين "بالعافيه" .... و تجلَّي حرص اهل منف بانهم نسيوا ان يغطوا الطريق الاسفلتي بما يكفي من مادة الاسفلت
.... فكان الطريق ازرق اللون لكنك تشعر و كأنك تسير علي درب فوق جبل الطور في سيناء من شدة التموجات التي اصابت السياره ....
و بعد دقائق اكتشفت ان الـ 60 كيلوا الفاصلين بين مدينة السادات و مدينة منوف سيستغرقون اكثر من ساعتين و المباراة ستبدأ في الخامسه تماما .... و سيكون مصيري غالبا هو الايقاف لا محاله ...
:confused:
حاولت ان احث السائق علي الاسراع لكنه نهرني بشده .... فصمت فورا .... و اثناء الرحله فوجئت بالسائق يقف لاحد الماره الذي اشاروا للميكروباص بالتوقف .... و خُيِّل اليِّ ان السياره ملئي بالكامل الا السائق اشار للرجل بان يركب .... فنظرت حولي و تساءلت بشده اين سيركب هذا الرجل و نحن نجلس ثلاثه في الكرسي الذي لا يتسع الا لثلاثه في كل انحاء مصر و طبقا لقواعد المرور المصري !!! ؟؟.... و لكني فوجئت بان ركاب السياره تعاملوا مع الموقف ببساطه و افسحوا مكانا للرجل و وجدت نفسي محشورا بين اربعة ركاب نجلس علي كرسي لا يتسع الا لثلاثه .... !!! فقلت في نفسي .... "بركاتكم يا اهل منف " :) ... و بعد ان تجرأت و سألت ... علمت ان الميكروباص في المنوفيه مطاطي و زئبقي و يمكن ان يحمل اي عدد من الركاب .... عااااادي "خالص"
و ظللت اترقب الساعه و اسأل كل ربع سياعه تقريبا عن ميعاد الوصول الي منوف ... فالمبارة ستبدأ بدون احد حكمي الساحه و سأنال ايقافا اكيدا لا محاله
.... و قد لاحظ الركاب كثرة سؤالي فبادروني جميعا بسؤالي عن اسمي و فصلي و مدينتي و جنسيتي و سبب زيارتي و مقاس "جزمتي" ... فلاحظت انهم - اي المنايفه - "عشريين" و يحبون النكته و بهم "جدعنه" حقيقيه ... فبعد ان اخبرتهم اني يجب باذن الله ان اكون في مدينة منوف قبل الخامسه ... فوجئت بهم يضغطون علي السائق بشده و يحثونه جميعا علي الاسراع من اجل خاطر الضيف - الذي هو أنا - و الحق يقال احسست بأن اهل هذه المحافظه يتصفون بشهامه نادره قلما تجد مثلها هذه الايام .... و قد استجاب السائق مشكورا و زاد سرعته و تحايل علي الطريق و اوصلني المدينه في الخامسه الا خمس دقائق في معجزه حقيقيه !!!! .... و المعجزه الاكثر ابهارا لي ان احد الركاب قام بايقاف تاكسي داخلي في منوف لي ليذهب بي الي ملعب المدينه و دفع لي الاجره !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! !!!!!!!!!
بعد ان تحرك التاكسي لم اصدق ان هذا الشاب الذي - لا يعرفني و لا اعرفه - ينتمي الي هذه المحافظه التي التصقت بهم صفة "الحرص و قلة الانفاق" .... !!!
وصلت الملعب و قفزت في ملابس العمل "زي حكام كرة اليد" و قبل ان ابدأ المباراة لاحظت ان ادارة النادي قد احضرت لنا (الحكام) "حاجه ساقعه " فغمز لي زميلي الحكم غمزة ذات مغزي
و شربنا "الساقع" مقدما حتي لا يغير القوم رأيهم و يسحبوه بين الشوطين :)
كانت مباراه سريعه و خشنه لكن الفريق المضيف حسمها لصالحه في الربع الاخير من الشوط الثاني بعد ان وسع الفارق بينه و بين المنافسين الي ستة اهداف !! و انتهت المباراه علي خير و الحمد لله ...
بعد المباراه تفضل احد الزملاء الحكام "المنايفه" و الذي كان معينا كميقاتي للمباراه ..... بتوصيلنا بسيارته الخاصه الي مدينة شبين الكوم عاصمة المنوفيه لكي نستقل منها سياره اخري الي الاسكندريه ... و كانت لفته رائعه من زميل "منوفي" تدل علي كرم حقيقي ... و محاولات مستميته من اهل هذه المحافظه الطيبه ان يدفعوا عنهم صفات لا تعبر عنهم مطلقا .... و رب ضارة نافعة
انتهت مغامرتي في بلاد الرؤساء باحساس جميل بالرضا عن اهل هذه المحافظه .... و انهم اهل كرم حقيقي و شهامه لا تخطئها عين ... و اتمني ان يحظي طريق الواصل بين مدينة السادات و منوف ببعض هذا الكرم و بعضا من الاسفلت :)
و لأن الشئ بالشئ يذكر ... فقد كنت منذ فتره وجيزه اقضي بعض الوقت في القاهره في رمضان الماضي و دعُيت علي الافطار علي مائده عامره عند احد اعضاء مملكة تاميكوم الافاضل .... و كان هذا الرجل الفاضل لحوحا في دعوتي و كان يريد ان يدعوني اكثر من مره ... و عندما كان يقابلني كان دائما يحمل معه هديه جميله و لذيذه ... ثم فوجئت اثناء تسامري بالحديث مع هذا العضو الفاضل بأنه "منوفي" و يا للمفاجئه !!!
في النهايه - اشكرك اخي القارئ الكريم - ان كنت قد شرفت مقالتي بالقراءه و الوصول الي هذه السطور الختاميه و التي سأهمس لك فيها بشيئين ... الشئ الاول : ان اهل محافظة المنوفيه هم اهل كرم و عطاء و شهامه .... و ثانيا ان التنابز بالالقاب مرفوض في الاسلام و انه لا فرق بين عربي و اعجمي الا بالتقوي
تحياتي لكم جميعا
:)