قرأت منشورا لصديق ووالد لصديق .. يعلق على أن حقنة علاج طفل في مرض ما .. يصل سعرها الي 100 مليون جنيه .. ويؤكد كاتب المنشور على أهمية العلم .. منتقدا في نفس الوقت.. أنه في الوقت الذي يجب ان يكون العلم هو هدفنا الاول للتقدم.. تقوم الدولة بإعتماد سياسة الكتاتيب للتدريس للنشئ ..
و من المعروف ان الكتاتيب هو مصطلح .. يعبر عن مراكز تحفيظ القرآن و الفقه قديما للشباب
و هذا المنشور الذي اكتبه ليس ردا او انتقادا على الصديق صاحب الانتقاد.. و انما محاولة لإكمال صورة الفهم العام .. أو الوعي العام بالأهداف وراء القرارات .. لو صح التعبير .. مع تسليط الضوء على مشكلة متفاقمة .. هي من جعلت هذا الصديق يكتب ما كتب .. سأتركها لآخر هذا المنشور ..
بإختصار غير مخل .. في عهد الكتاتيب .. كان العلم مزدهرا .. و كانت التوجهات الدينية معتدلة .. بينما غياب الكتاتيب .. وتصدي جهات عشوائية لعملية التدريس الفقهي و الديني في المساجد و الزوايا لسنوات طويلة ... أدى بنا الي هذا المجتمع - شبه الداعشي شبه المنحل - الذي نعيش فيه ... و هي نتيجة طبيعية .. لجاهل .. يدرس لجاهل .. و الناتج جاهل مضروب في تسعة .. و هكذا دواليك
عندما تكون الكتاتيب تحت إشراف الدولة و الأزهر و فضيلة الإمام الأكبر الاستاذ الدكتور إمام المسلمين شيخ الأزهر و فضيلة وزير الاوقاف .. أعتقد أن محاربة الارهاب و التطرف سيكون واقعا ملموسا من الصغر ..
ناهيك اننا اليوم نعيش في عصر عولمة سريع يقضي على الأخضر واليابس من قيمنا .. فالرجال يتزوجون الرجال .. و النساء يتزوجن النساء .. و الملحدون يتزايدون .. و النسب تتزايد بعنف .. خصوصآ ان شبابنا الذين مروا على المدارس الدولية منذ الصغر و ما شابه من هذه المؤسسات - الضاربون للتاتو على أعناقهم و اوراكهم .. لم يأخذوا قسطا من اي تعليم ديني او فقهي .. لذا ان يتأثر بالضغوط ويصبح شاذا او منحرفا أو متطرفا .. هذا متوقع بسهولة في هذا العالم الشرس .. و قطعا هذه المؤسسات ليس من دورها ضبط المكون الديني و الفقهي لدى الشباب .. و انما يجب ان تكون هناك جهات اخرى ..
من هي يا ترى هذه الجهات ؟ .. ربما تكون الاجابة الكتاتيب .. !
من القصص الواقعية التي واجهتها انا شخصيا .. سالت شابا لا يهتم بصلاة الجمعة ... لماذا لا تصلي الجمعة و هل تعرف كذا و كذا عن صلاة الجمعة .. و الاجابة وجدته لا يعرف .. ، نفس الشاب سألته مرة عن حديث " من استطاع منكم الباءة فليتزوج" و كنت أحسبه يعرف الحديث .. لأنه حديث نبوي معروف و مطروق و دائما ما يستخدم للدلالة على ضرورة الزواج للشباب .. فوجدته ايضا لا يعرفه !!
هل هذه مشكلة هذا الشاب .. ؟ .. ام مشكلة آلية التعليم و التنشئة العشوائية التي أوصلت هذا الشاب الي هذه السطحية من المعلومات بالرغم انه نظريا "متعلم أحسن تعليم ومصروف عليه" ؟؟!!
هذا أحد الامثلة التي انتجتها نظم التعليم العشوائية .. ، على الجانب الآخر .. حكت لي صديقة تعمل مدرسة في مدارس العريش و شمال سيناء .. أن الأطفال هناك يعتبرون تحية العلم المصري حراما .. و أن واجبهم المقدس هو محاربة الجيش المصري و ليس جيش الخنازير الزرق مثلا 🙂 .. متخيل الوضع الى أين وصل يا أخى منتقد مشروع الكتاتيب .. !
إذا أين المشكلة .. ؟!
المشكلة أننا نتعامل بنظرية "التكتك" .. بمعنى .. أنه عندما ظهر التكتك في مصر .. لم يتحرك احد لسن قانون لتنظيم التكتك .. تارة يقولون ان القوانين فيها ما ينظم سير مركبات العجلتين و الاربع عجلات فقط .. اما الثلاث عجلات فغير موجودة في القانون ! .. و مرة يقولون انه - أي التكتك - لا يحتوى على رقم شاسيه .. و مرة و مرة .. حتى مر 30 عاما على ظهور التكتك .. و حتى هذه اللحظة لا توجد أي قوانين قادرة على مجابهته بعد ما أصبح الوضع كارثيا
العلم .. الذكاء الصناعي .. ميزانية التعليم و الابحاث و غيرها .. كلها مصطلحات لأمور مرتبطة بان نكون موجودين .. او نظل مجتمعا هامشيا على الكوكب .. يمكن تسميته بمجتمع التكتك .. اذا ظللنا نراقب من بعيد دون ان ننغمس بقوة في ادارة عملية البحث العلمي و ما يتعلق به .. طيب السؤال الآن .. هل هناك جهود في هذا المجال .. ؟ .. أنا شخصيا لا اعرف .. و هذا يقودنا الي المشكلة المتفاقمة التي اشرت اليها أعلاه و الخاتمة لهذا المقال
مشكلتنا الحقيقية .. أننا لا نملك متحدث حكومي متفرغ للمؤتمرات الصحفية .. للرد على اسئلة الشارع و الشعب و المتآمرون و المتذمرون و اعضاء حزب الكنبة و اعضاء حزب البتنجان و غيرهم من الفئات المختلفة ..
و رغم ان مصر .. التفاصيل و الأحداث فيها .. أكثر من عدد حبات البتنجان على الكوكب .. فإن الشرح و التوضيح الرسمي غائب
و مسالة ترك الأمر لتقدير المذيع الفلاني و الناشط الفلاني و البتنجان العلاني .. شئ لا يفي الغرض .. لأنها اجتهادات بتنجانية بحتة
و يؤدي في النهاية .. أن العوام لا يعرفون شيئا .. عن ما هية القرارات .. و لماذا اتخذت .. ؟
طيب لو سألتني .. من أين أتيت بتحليلك اللوليي عن قرار انشاء الكتاتيب او العودة للكتاتيب .. ؟ .. هل أخبرك به مسؤول رفيع المستوى.. أم قرأته في بيان رسمي .. ، الحقيقة .. إجابتي هي أن ما سردته هنا ما هو إلا تحليل للقرار في ضوء الموقف العام ..
لأنه في غياب التحليل الصحيح - البيان الرسمي - المتحدث الرسمي
يمارس الجميع موهبته الخارقة الخالدة .. :
"أهبد يا عزيزي كما لم تهبد من قبل" ..