من حيث لا أعلم؛ وجدتهما أمامي على كرسيين متقابلين، تضع هي كفا على كف، وتطبقهما على خصرها الممتلئ، في إشارة للاستنكار أو الاعتراض. بينما هو يجلس بقامته مفرودة، مشبّكا ذراعيه، في تحفز، وتحدٍ واضحين.
لم أفهم من أي قفزة زمانية، مكانية، استطاعت ماري منيب أن تحتل مكانا، يجيز لها توجيه التساؤلات لتميم؟! هل كان تميم يجاوبها حقا؟ أو أنه يستثمر استنفارها الصاخب المضحك، لتأريخ حقيقة ما!
جلسَت تُحدق فيه، بينما بدا هو منهمكا في فكرة تشغله. خرج صوتها حادا مرتفعا ومباغتا، يرتج معه جسدها، ويطوف صداه في الأنحاء، فلا يتأثر به سوى شرشف بالي الأطراف، يحجب بعضا من نور النافذة.
_هيهييه! أيوة..أيوة.. إعمل نفسك مش شايفني، ولا عارفني، هاتوقع إيه من اللي شكله شبه "براد بِت"؟! ولا ما أبصر براد فِت؟ إلا قول لي يا سي الأفندي مش سيادتك توبقى اسم النبي حارسك، أمريكاني؟
#"أنا ابن رضوى ومريد/ اسمي تميم/ مِن تَمّ وكل دار للعرب/ لي فيها خال أو عَم"1
-أنعم وأكرم.. أنعم وأكرم..ما تآخذنيش! اللي ما يعرفك يجهلك!.. بس.. بس.. افتكرتك!.. مش إنت تميم البرغوثي! الباحث في العلوم السياسية؟ - أمالت ظهرها للوراء، وقالت وهي تفرك أسفل وجنتيها بأصابعها- ولما إنت يا سيدنا لك في كل دار للعرب خال أو عم، قاعد تبحث ليييه في بلاد بره؟! ولا هي بلاد جوه كُخة؟! مش مقطقطة زي بلاد بره؟!
#"أنا أُفضّل أن أعمل في العالم العربي، ودائما ما أبحث عن إمكانية لهذا، وإن كان القرار عندنا لا يصنعه الأكادميون، وفي حالات كثيرة لا يصنعه حتى الرؤساء. القرار أحيانا يصنعه البيت الأبيض؛ أكادميو الولايات المتحدة أيضا! هذا هو حالنا؛ نحن تحت ضغط استعماري قوي، ونحن نحاول مقاومته، إذا أتيح لي أن أقاوم هذا الاستعمار في الوطن العربي؛ فأنا أفضّل ذلك، وإن لم يتح ذلك فسأقاومه في أي مكان أكون فيه." 2
_يعني إنت عايز تفهمني إنك بتقعد بره بس عشان تقاوم؟! إيه ما بتخرجش؟ ما بتشوفش صحابك؟! ما بتقعدوش في (coffee)؟!
#"كنت أسير الليلة مع بعض أصدقائى بين تلك المعالم، وأفكر فى قتيل يتأمل رونق النصل وهو يحزه حزا، ويجد وقتا ودما ليدقق فى صنعة الصيقل. لم أستطع أن أدفع عن خيالى ارتباط الرخام عندنا بالقبور، وأن البياض العارم هناك يقابله خليط من الألوان فى سوق بالعراق، طين الأرض، دم القتلى، ألوان ملابسهم، كل لون له معنى، وكل معنى له لون، إلا الدمع! فإنه شفاف ليس له إلا طعم الملوحة، وتعثّر الكلام بغصة الحلق." 3
-يوه! جاتني نيييلّة!! -بتشديد اللام- (pardon) قلّبت عليك المواجع.. ماتآخذنيش يا سيدنا! أنا بس مش فاهمة إيه لازمته وجع القلب ده؟! يعني إنت شاب، حقك تعيش حياتك وتتبسط -ارتبك صوتها قليلا، ونظرت للأسفل بخجل، وهي تعدّل من جلستها، وفستاتها، ضحكت بتوتر- ثم أردفت: قول لي يعني إنت أبحاثك وتدريسك هناك ممكن تغيّر حاجة؟! احكي لي يجوز أفهم!
#"يُدرَّس الحوار الميلي في الصفوف الجامعية الأولى لطلبة العلاقات الدولية، كأساس للمدرسة الواقعية، التي ترى القوة المادية وحدها أساس التاريخ، وأن مقاومة الأضعف للأقوى ضرب من الجنون، لكنني حين كنت أدرس هذا الحوار للطلاب وكان الغزو الأمريكي للعراق حديثا، والمقاومة في أوجها، كنت أذكرهم بأن ما قاله الميليون عن المستقبل حصل كله! وانفض عن الأثينيين حلفاؤهم، وخرج عليهم أتباعهم، نعم انتصرت أثينا في معركة ميلوس، لكنها خسرت الحرب التي استمرت ما يقارب الثلاثين سنة، وانتهت بسقوط أثينا، وتعيين حكومة من ثلاثين طاغية فيها، فاعتبر بما شئت." 4
-امممم، الحوار الميلي ده باين عليه (أوريجينال) خالص! تعرف إن إحنا فينا كتير من بعض! -قالتها بنبرة أرق من المعتاد- أنا كمان عشت في مصر، وأصولي من الشام! بس اسألني أنا.. أنا! -كانت تخبط بقوة بيدها على صدرها- لما ما تتكلمش في اللي ملكش فيه، تقعد في البلد دي مُعازز، مُكارّم، والناس هنا يعاملوك تملّي كأنك منهم تمااام!
#"أنا من أناس هذه بلادهم وهذه أنسابهم، أو هذه هى صورتهم عن أنفسهم على الأقل، خرجوا من الحجاز إلى مصر إلى تونس إلى الأردن إلى فلسطين، عاشوا فى الحجاز حتى عهد عبدالملك وفى مصر من عهد عبدالعزيز بن مروان إلى عهد المستنصر وفى تونس من عهد المستنصر إلى عهد صلاح الدين وفى فلسطين من عهد صلاح الدين إلى يوم الناس هذا، فتراب هذه البلاد كلها من أجساد أجدادهم، فهل تظنون من الممكن لمثلي أن يعترف بهذه الخطوط الملونة التى رسمها الإنجليز والفرنسيون على الخرائط وألفتم لها الأغانى الركيكة وسميتموها أناشيد وطنية، ووضعتم حولها أسلاكا شائكة وضباط جوازات برتب وأختام ورفعتم عليها قماشا ملونا وسميتمونها دولا؟ وهى معسكرات اعتقال كبيرة وأجهزة أمن متضخمة تزخرفها بضع وزارات أخرى لا تفعل إلا أن ترشو موظفيها بمرتباتهم حتى يسكتوا عن الذل؟ وما اتفاقية لندن عام 1840 بأفضل من اتفاقية سايكس-بيكو من بعدها." 5
-ما لكش حق(mon chéri) كله إلا الأغاني.. هو فيه زي جمال:
"اسْلَمِي يا مِصْرُ إنِّنَي الفدا...ذِي يَدِي إنْ مَدَّتِ الدّنيا يدا
أبدًا لنْ تَسْتَكِيني أبدا.. إنَّني أَرْجُو مع اليومِ غَدَا"6
#"علمونا أن الاستعمار عكس الاستقلال فلماذا نشعر أحياناً كثيرة أن استقلالنا هذا، نوع من الاستعمار، ولماذا تشبه علاقة أكثر الشعوب العربية بأجهزة الأمن؛ علاقة الفلسطيني مثلاً بجيش الاحتلال الإسرائيلي؟ أنا أزعم أن هذا الاستقلال ليس إلا استعماراً بأيدٍ محلية، ولست أزعم ذلك وحدي بل زعمه كبار ضباط الاستعمار الكلاسيكي البريطاني والفرنسي في بلادنا منذ 100 سنة، نعم، المستعمِر يريد استقلالك، بل هو يريد استقلالك جداً، لكنه يريد استقلالك عن أخيك ليستفرد بك، وبه، فالمستعمِر يخلق لك أوطاناً يرسم حدودها، ويبني بيروقراطياتها، وجيوشها، وشرطتها، بما يضمن انكشافها العسكري أمامه، وتبعيتها الاقتصادية له، ثم يختار من نخبك طبقة من الناس تكون وسيطاً بينه وبينك، تتعاون معه في تأمين مصالحه مقابل منحه إياها قدراً من السلطة، فتقوم مقام الاحتلال، وتحل محله، وتقول قوله، وتفعل فعله، لكن بأيدٍ سمراء، ووجوه مألوفة، وما إن يمنح الغازي السلطة لهؤلاء؛ يصبح أي كلام عن وحدة بينهم وبين جيرانهم من أهلهم، خطراً على سلطتهم!".7
لم أستطع متابعة الحوار أكثر، لكني عرفت من مصادر موثوقة، أنها تابعت مواجهتها لتميم فسألته عن مواقفه من الثورات وبعض الشخصيات العربية! عرفت أيضا أنها سألته عن علاقة الشعر بدراسته، وقيل لي أنها لم تدع الغزالة في حالها! ويبدو -والله أعلم- أنها استدعت ياسمين من حلب، والجارة العراقية، وليلى، والمغربية، وغيرهن، تحت دعوى أنها تريد تنبيههن من تميم!
ما إن يصلني جديد سأنقله لكم، وأتمنى أن ندعم تميم في هذه المواجهة.
#ماري_منيب_تواجه_تميم (1)
*************************
المصادر:
1- https://youtu.be/IygS313PRbw
2- https://youtu.be/2PZpcXSVshQ
3- https://youtu.be/yb4nuC_cvKg
4-https://youtu.be/229VSitJU7A
5- https://youtu.be/uO_DwEsn9RE
6- اسلمى يا مصر هو عنوان كلمات النشيد الوطني لمصر في الفترة من1923م، و حتى 1936م، ألفه الشاعر والأديب المصري مصطفى صادق الرافعي ، ولحنه صفر علي.
7-https://youtu.be/PfApuJGnpwo
*****************************************
كتابة بتاريخ 26/6/2022