بضع سطور أدخرها لابنتي "حبيبة"
يا حبيبة:
عندما تحبين بحق، ستحبين الحياة، ستحبين الناس، ستسامحيهم، لأنك ستسامحين نفسك وتحبينها بكل مافيها، سيتجلى لك معنا جديدا لكل ما ظننت أنك تعرفينه، واعتدت عليه، ستبصرين أكثر، ستبصرين أبعد!
من جملة المعاني، سيتأتى لك معناكِ، معناكِ كأنسانة، معناكِ كأنثى!
ويظل الحب حقا.. ما دام يبقي الحياة في كل معانيكِ.
ويظل الحب حقا..مادام يعز فيكِ وبكِ أنوثتك، فلا يُخضعك لضلالها، فتكرهنيها يوما، ولا يقهرها لرفعتكِ، فتكرهي نفسك عمرا!
*********************************
صباح الفل
▪في القرآن ورد وصف للمرأة الحرة بكلمة "مُحصنة" يعني إيه تحديدا الكلمة دي؟ وازاي بنتي تكون مُحصنة؟
▪هل وصف المُحصنة، ومعناه، مقتصر فقط على الفتاة أو السيدة اللي فهمته والتزمت بيه من وهيا بنت صغيرة؟ ولا ممكن يشمل برضه اللي فهمته متأخر، وحبت تستدرك معناه في حياتها وهيا كبيرة؟
********************************
السؤالين دول وأسئلة تانية، هم استكمال لتساؤلات وفضفضة بدأتها قبل كده، (الرابط في أول تعليق، وفيه تنويهات مهم بالنسبة لي اللي هيقرا البوست؛ يعرفها)..
قبل ما أحاول أفند الإجابة، وقبل ما ياخدنا الانطباع عن الأسئلة وما توحي به من طابع ديني، أو دعوي، ممكن ياخدنا في منطقة الانحياز مع/ ضد ما يبدو فيهما من رقابة/استعلاء على الضعف الإنساني، -وهي منطقة أبعد ما يكون عن هدفي من طرحهم- خليني الأول أتوقف عند لقطات صغيرة شفتها، وكنت شاهد عيان على أحداثها.
******************************
بسم الله.. توكلنا على الله:????????????
▪اللقطة الأولى: أسرة قاعدة في يوم أجازة بيتفرجوا على فيلم كأحد الأنشطة الأسرية اللي اتعودوا يعملوها مع بعض، الأولاد والبنات عمرهم من (٨_١٠) سنوات، فييجي مشهد البطل يُقبّل البطلة، الأب ما بيقلبش القناة، ولا يقفل التلفزيون!
والأم تبادر بنبرة هادئة وواثقة في نفس الوقت:
_طبعا ده مش الطريقة الحلوة اللي المفروض يعبروا بيها عن حبهم لبعض، الطريقة دي لها قواعد لما يعملوها هيبقوا بيحافظوا على بعض، إنما كده ممكن يتسببوا في أذى لبعض، ويزعلوا بعض، حتى لو افتكروا إنهم بيعملوا حاجة حلوة في الأول!.. ويتطور الكلام بحسب المرحلة العمرية والاستيعابية.
▪اللقطة الثانية:
في عزومة على الإفطار في رمضان، الأسرة مستضيفة جيرانهم، وفيه أولاد وبنات في الأسرتين في أعمار متقاربة، الأب ينادي بنته الكبيرة اللي عاملة مسابقات لصديقاتها واخواتها في أوضة لوحدهم، ويقول لها:
تعالي اعملي لنا كلنا المسابقات دي! انتو يعني عاملين عصابة ومجمعين البنات بس؟!.. إشركوا الولاد معاكم.
▪اللقطة التالتة:
الأم بتقول للأب بنبرة عتاب: ليه بتسيبهم يشتروا من المحل وهما بنات، ممكن حد يضايقهم!
يجاوبها الأب بثقة: أنا قريب منهم وشايفهم، بس عايزهم يختبروا كل المواقف، ويتجرأوا ويعرفوا يتصرفوا لوحدهم، ما يبقوش دايما معتمدين على وجودي!
▪اللقطة الرابعة:
الأب قاعد على النيل مع شاب عنده ١٩ سنة بالكتير، بيضحك ويتكلم معاه، ويتعرف عليه.
فلاش باك... نرجع لورا يومين..
البنت بتحكي لباباها وتقول له:
عايزاك يا بابا بعد إذنك تتعرف على زميلي في الكلية، هو عبر لي عن مشاعر انجذاب تجاهي، وأنا ببادله المشاعر دي، وكنت عايزة أعرف رأي حضرتك!
نرجع للقطة النيل.. الأب بيقول للشاب بنبرة حانية:
_ أنا سعيد بشخصيتك، وبمشاعركم، مشاعركم دي هدية وأمانة، تحافظوا عليها وتصونوها بإنك تعاملها بالطريقة اللي ترضاها لأختك، لغاية ما ييجي الوقت المناسب اللي تقدروا ترتبطوا ارتباط كامل، وخلوا المشاعر الحلوة دي تكون حافز لتفوقكم، ونجاحكم، ودعمكم لبعض، يعني لو لقيت نتايجكم بتتراجع، ده هيكون مؤشر سلبي جدا بالنسبة لي!
▪اللقطة الخامسة:
البنت باكية بتقول لباباها ومامتها:
كان نفسي أنجح في إني أعمل أسرة ناجحة زيكم، بس أنا مش قادرة أكون سعيدة، ولا بقيت عارفة ازاي أسعده!
الأب بهدوء في محاولة لتهوين الموقف:
وأنا لا أرضالك ولا أرضاله كده، انتو بتتجوزوا وتعملوا أسرة عشان تكونوا راضيين وسعداء، مش عشان تتسببوا في عذاب بعض، وفي عذاب الأمانة اللي ربنا ائتمنكم عليها!
*********************************
اللقطات كتيييير ، بس لازم احاول أدخل في صلب الإجابة????
▪في القرآن ورد وصف للمرأة الحرة بكلمة "مُحصنة" يعني إيه تحديداالكلمة دي؟ وازاي بنتي تكون محصنة؟
▪لغويا: محصنة هيا مشتقة من الحصن، وهو المكان المنيع غاية المناعة.
▪دينيا: المعنى الأبرز: هو أنها المرأة العفيفة التي أحصنت نفسها من الزنا.
▪نفسيا وتربويا: (وده اجتهادي من واقع التجربة الشخصية، وبعض القراءات)، هي كل امرأة استطاعت أن تتعامل مع نفسها والمجتمع بإنسانيتها مكتملة، وليس فقط بأنوثتها، ترى في ذاتها وما تملكه وماتطوره من مقومات ما يُغنيها، ويحميها من الاضطرار للتنازل، أو إهدار قيمة تمتلكها رضوخا للاحتياج، أوخوفا من الألم، المُحصنة متصالحة مع الضوابط الحاكمة لعلاقاتها وتبصر فيها حكمتها، وما فيها من عون لها على التحرر بالتسامي على الضعف، وما فيها من معنى العهد الذي يحميها ويصون مشاعرها ومن تحب، إذ لا عاصم إن ضاع الحصن من الاعتداء والتخوين والتبديد.
التحصين منهج فكري وتربوي، قبل ما يكون قيمة دينية أو أخلاقية.
ساعات نتصور إن احنا لما نقفل على بناتنا بالضبة المفتاح، ونغطيهم من ساسهم لراسهم، ساعتها هنحميهم! ونترعب بقى لو لقينا بناتنا بدأوا يبان عليهم مؤشرات الأنوثة، أو بدأت مشاعرهم تنضج وتعبر عن احتياجها للحب، إنها تتشاف وتتحب كبنت.
والحقيقة إن احنا لازم نترعب لو ده مش حاصل، لإن ساعتها يبقى فيه خلل في تكوين بنتي النفسي، والحاجة الوحيدة اللي ممكن تطمنا على بناتنا هيا إن احنا نفتح لهم الباب واحنا مديينهم العنوان، ومتابعينهم من بعيد لبعيد، واحنا واثقين في قدرتهم على التمييز، وعلى الصمود، وهم كمان واثقين في قدرتنا على تفهم عثراتهم ومسامحتهم والبدء من أول وجديد، أيا كان اللي كان.
المُحصنة ما تكونش مُحصنة، إلا لما تكون حرة، واختارت إنها تتعامل مع نفسها ومع محيطها بقيم، بتحس مع امتلاكها بالحرية والارتقاء، مش بالقيد والكبت، لإنها ملتزمة بقناعة، ومحبة، واختيار.
المُحصنة فاهمة إن التحصين هنا مش بس تحصين من عقاب إلهي، إله الكل بيتكلم عنه، وأقل القليل هم اللي بيسعوا لمعرفته فعلا، وقراءة آياته وفهمها!
ولا هو كمان تحصين من حكم ظالم، لمجتمع ظالم، أدق وصف يتوصف بيه، إنه مجتمع "غلبان"، مجتمع فاقد الهدف، مستسلم لتجريفه الممنهج تحت كل الدعاوي، من أول الدعوة لله، لحد الدعوة للتحرر والمساواة!
مجتمع سلّع واستهلك كل شيء، وعلى رأس القائمة: المرأة، استهلكها وهو بييخبيها، وسلّعها وهو بيعريها!
المُحصنة مُحصنة بحريتها المسؤولة، بوعيها، بإدراكها لقيمتها، وقدرتها على تقييم البشر في محيطها، وفرض مساحات التفاعل التي تضيف لها ولمن حولها، من غير إفراط ولا تفريط.
المُحصنة مش مسجونة وبتعافر عشان تهرب، وأول ما تقدر تهرب، الله أعلم ممكن تعمل إيه.
المُحصنة هي اللي أنوثتها واحتياجها للحب ما بيلغوشوش على إدراكها للفرق بين الوعد وبين الإشارة، بين الطلب والابتزاز، بين استقلال إرادتها واللي بيوجه إرادتها، -ومهما كانت قوته-، وتظل إرادتها ووعيها بحقوقها وواجباتها أقوى.
المُحصنة تقدر تقرق كويس بين الارتباط وبين التعلق. فتكون لو وُعِدت/وَعَدت... ارتبطت والتزمت ووفت، أعطت قبل أن تأخذ، تفانت، ومتّعت، واستمتعت، ولما يتراخى الرابط ده، بعد أن بذلت وأخلصت وغرست، وسامحت وحاولت، ومفيش فايدة! حبل ارتباطها لازال مهلهل وبيتقطع كل شوية، ساعتها بتدي ضهرها، وتُولّي بسلام، وهي عارفة إنها ما بتمسكش إلا فيما يستحق التشبث، فتكون إذا أنهت علاقة -توجب إنهاءها- خرجت منها أكثر اكتمالا مما دخلتها!
التحصين بيخلي البنت تفهم ازاي تتعامل مع رغباتها، ومع احتياجاتها، من غير ضعف ولا تعالي، هو أقرب للبرمجة النفسية والسلوكية، بتتشكل مع العمر والتفاصيل، زي اللقطات اللي فاتت كده ببساطة، بتضفير القيم اللي لازم تحكم التعاملات، بسلاسة وتلقائية، من خلال حوار، وقصص، وقدوة، وارتباط القيم دي بمبررات عقلية مش بس بمرجعيات دينية ومجتمعية، ومن خلال فتح باب آمن للحوار الصادق مع حد أهل للثقة، حد ما تخافش من حكمه، ولا من عقابه، لكن ممكن تخاف من زعله، وتخاف تخون ثقته.
المُحصنة معاها مفتاح بابها، مابتسلموش لحد، ما بتخافش تفتح الباب، بس لازم تعرف هوية الضيف كاملة، وإذا كان جدير بالاستضافة في حصنها، أو لا، وزي ما بتعرف تفتح الباب، بتعرف إمتى تقفله، وإمتى تتربسه.
***********************************
▪هل وصف المُحصنة، ومعناه، مقتصر فقط على الفتاة أو السيدة اللي فهمته والتزمت بيه من وهيا طفلة؟ ولا ممكن يشمل برضه اللي فهمته متأخر، وحبت تستدرك معناه في حياتها؟
في سورة النساء آية بتتكلم عن الفتيات، ممن ملكت الأيمان وورد فيها قول المولى عز وجل ( فإذا أُحصن)، وفي سورة النور: ( إن أردن تحصنا)، وبدون أن أدع لخاطري الاسترسال في تفسير الآيات وما بها من معاني، لكن المعنى الأهم هنا أن قيمة التحصين ممكن تُكتسب في أي مرحلة من العمر، ويتم التعامل برحمة ومرعاة للفارق بين من جاهدت لاكتساب هذه القيمة، وبين من تهيأ لها الدعم منذ النشأة الأولى لتلقي قيمة التحرر الواعي والمسؤول.
مملوكي اليمين كتير قوي، وهو -في رأيي- معنى أكبر وأعمق من معناه المتداول وهو الرق، مملوكي اليمين أعتقد أنهم هم كل من فرطوا في إرادتهم، وسلموها على غير رضاهم لمن يتحكم بها، وتحت المعنى ده هنلاقي إن كلنا بدون استثناء، محتاجين نراجع نفسنا وقدرتنا وإرادتنا وإذا كنا من المحصنات الحرائر، أو من مملوكي اليمين؟
***********************************
هل التحصين معنى يخص المرأة فقط؟ بالتأكيد لا، الرجل أيضا له ضوابط للتحصين، لكن خليني أعلن هنا تحيزي وأكتفي بهذا القدرة من الفضفضة والثرثرة :)
***********************************************
تذكرة إخيرة: مفيش حد بيزرع بذرة هيحصدها تاني يوم، التنشئة السوية سواء لأنفسنا، أو لأولادنا، وتشكيل منظومة قيم سوية، تبقى جزء أصيل من السلوك اليومي اللحظي بتاعنا؛ مش حاجة بنستعرض بيها في بوست أو في مقابلة شغل، أو في تعارف جواز صالونات.. أو.. أو.. أو..
دي حاجة محتاجة وعي، وعلم، وصبر، وتسامح، وإرادة، وبعد تجديد النية، ثقة في النجاح بإذن الله.
كتابة بتاريخ ٢٣ يناير ٢٠٢٠