أذكرها تلك الصغيرة، تعشق السفر تجول بعينيها بين المسافرين، تنسج رواية خاصة بكل وجه، تعلو ضحكتها البريئة وهي تدعي تصديقها لرد والدها الحبيب حينما تتعجل حركة الحافلة فيخبرها أن تدفع المقعد أمامها لتتحرك ..ثم تسحب يدها الصغيرة جانبها بهدوء عندما يجلس أحدهم بالمقعد ..
واضعة يدي على فمي أكتم ضحكتي مكملة ذكريات صباها، تطور الأمر تخمن الأسماء، وتراهن أن هذا الفتى يعشق تلك الفتاة بآخر مقعد بالحافلة، تلاحق أرقام السيارات، تعد "مطبات الطرق" وتضحك كالمجانين للصغار ولا بأس إن خطفت أحدهم من يد والدته تحمله وتقبله..
أما بعد ...
هرمت ومازالت على الطريق تقرأ كتابًا اختارها كالعادة
"عندما بكى نيتشة"
بين الفلسفة و علم النفس وجنونها، خواطرها، ذكرياتها، غرابتها، غربتها، و وحدتها .. تبتسم للمسافات تُرى ما الذي أورثته لها ؟
غرورها... نعم المسافات مغرورة جدًا لا أحد ينافسها في إفساد الخطط والرغبات ..وقطع أنفاس اللهف
والرهان على الثبات...
أصبحت مغرورة جدًا مثلها، لا أتراجع مهما حاولت، شعوري يشبه الطريق الجبلي ..خطر و ممتع
مثل "العقبة" نزولًا من "أبها" الحبيبة الجميلة ..أذكر كم كان شعوري مهيبًا يعشق صعوبة الطريق وجلال قطع المسافات فيه ..
تذوقت كل أنواع الطعام على الطريق، ارتشفت شاي المرمرية وشاي الكرك والقهوة على الرمل ...سعدت بكل لحظة صمت على طرق تصل لعشرين ساعة دون ملل أو شكوى ...تغيرت، قاومت، تفكرت و نضجت ...
شعوري كذلك
يوصلك بسلام
آمن وبذات الحال
خطر إن لم يفهم العابر بشعوري علامات الطريق لن يسلم من تعرجاته..
هكذا أنا وشعوري وعلاماتي وساعات السفر كيان واحد خلق داخلي امرأة تبدو هادئة ..عاقلة ...وجنونها وفقًا لعلامات شعورها ...
كُتب بشيفرة خاصة ورصانة شديدة وتأمل الكثير من التأمل ... يقرأ داخل التفاصيل ويحفظ الهوامش...