الأم...
شعورٌ أتنفَّسُه، شخصيَّتي وغايتي، ومنتهى الرضا أن أكون لائقةً به...
فتاةٌ مدلَّلةٌ للغاية بين ذراعيها، صغيرةٌ، تسألُ نفسها ألفَ سؤال:
كيف سأعرفُ أنَّ حرارتها ارتفعت؟
متى ستجوع؟
متى تريدُ اللعب؟
هل ستحبُّني؟
كيف أجعلها تحبُّني؟
كنتُ غارقةً في همّ: كيف سأعرف؟
مرتبكةً، أفكِّرُ وأتأمَّلُها طوال الوقت و أهمسُ لها:
ابنتي، هل سأكونُ لكِ أمًّا جيِّدة؟
خرجتُ من حياةِ الدَّلالِ والطُّفوليَّة إلى الأمومة، وبدأتُ أتغيَّرُ وفقًا لها وباتجاه بوصلتِها.
منذ أصبحتُ أمًّا، أصبحتُ نساءً كُثُر...
تغيَّرتُ ألفَ تغيير...
عمدتُ إلى الكثير من الحِيلِ كي أكونَ أمًا لها رائحةً، وامتدادًا، وسكنًا، أن أكونَ لهنَّ أنا السقفَ والمأمَن...
تعمَّدتُ وضع تفاصيلَ خاصَّةٍ لا يَعرِفنَ أسرارَها، حتى إذا ذهبتُ تعثَّرْنَ بها وتذكَّرْنَني بـ:
"لم يفعلْ هذا أحدٌ كأمِّي..."
وبعد هذه المقدِّمة التي لا تهم،
يتَّضحُ كم كان اسمُ الكتابِ صادمًا... أو مُخيفًا لي:
"أمِّي السيئةُ في كلِّ الرِّوايات..."
يا إلهي!
وضعته حينًا على طاولتي الصَّغيرةِ بجانبِ فراشي،
وحينًا على أريكتي المفضَّلة،
وحينًا في مطبخي...
جعلتْه يُطاردني كي أقرأه،
وأنا أهرب خوفًا من أن أرى نفسي داخله، وأن أكونَ إحداهنَّ دونَ تعمُّدٍ منِّي...
حتَّى جاءت صغيرتي فجأةً قائلةً – رغمَ أنَّها لا تحبُّ التَّعبيرَ عن مشاعرِها –:
"ماما، أنا إزَّاي ممكن أقدر أعيش من غيرِك، ومن غير كلِّ حاجة بتعمليها؟"
فتنهَّدتُ بعمق، وعدَّلتُ نظَّارتي، وبدأتُ القراءةَ بثقة...
الكاتبةُ: دكتورةٌ، وصديقةٌ، وأمٌّ، تغوصُ داخل الحديثِ النَّفسيِّ، من قصَّةٍ إلى أخرى، ومن حزنٍ إلى آخر، وأحيانًا انتصار...
لا أحدَ منَّا على شاكلتِه هذه من العدم، كلُّنا نستندُ إلى طفولةٍ، وتجاربَ، وحوادثَ قطعتْ حياتَنا...
كلُّنا نُصابُ بمرضٍ ما، لا نلمسُه بسهولةٍ، لأنَّه جاءَ من أعماقِ الماضي، أو من أيِّ سردابٍ صغيرٍ اختنقْنا داخلَه يومًا ما...
الأمُّ موجودةٌ فتؤثِّرُ، وإذا غادرتِ الحياةَ تؤثِّرُ،
الأمُّ ضلعٌ من أضلاعِ الإنسانِ، شاءَ أو أبى...
أهمُّ ما في هذا الكتاب: الأسلوبُ السَّلس، وبراحُ الرُّؤية، والدِّفءُ الذي يشبهُ جلسةً علاجيَّةً متقنةً للجميع...
الكتابُ يهدفُ إلى دفع القارئ للمواجهة، وإنْ كانت مواجهةَ الأهلِ بما ارتكبوه يومًا،
وهي خطوةٌ على طريقِ التَّعافي، مهم أن نواجهَ مخاوفَنا...
الكتابُ لم يتضمَّنْ فقط مشاكلَ الأبناءِ النَّاجمةَ عن تصرُّفاتِ الآباء،
لكنْ كان هناك الكثيرُ من الإشارات لأمور نفسية أكثر عمقًا،
فالعلاقةُ بين الرَّجلِ والمرأةِ هي التَّاريخُ لكلِّ مأساة أو كل انتصار، وتحتَها يندرجُ كلُّ ألم وكل شعور آمن...
وضعتْ دكتورة منى خطواتٍ نحو الشِّفاءِ، كي تكون عَونًا في النِّهاية:
**اعترفْ بألمِك...
بدأَتْ د. منى بهذه الخطوة، وهي الأصعبُ على مَنْ هم مثلي...
أنا أتجاوزه، وأتحدَّاه، وأضغط عليه، وأغيظه بادِّعاءِ النِّسيان...
**لا تهربْ من ألمِك...
والهروبُ صنعتي...
**استمعْ إلى نفسِك...
أنا أحاكمُها...
**تعلَّمْ تسميةَ مشاعِرِك...
يا إلهي، هذا مُرعبٌ لي...
**ضعْ حدودَك واحترمْها...
حدودي هي الشَّيءُ الوحيدُ الذي أنا على وفاقٍ معه، وأعيدُها إذا اهتزَّت...
**اهتمَّ بنفسِك...
يمكنُ.. أن أفعلَ بعد بناتي...
اطلبِ المساعدةَ عند الحاجة...
لا أستطيعُ...
على هذا تُرى أي درجة أمومة أنا عليها دكتورة منى ؟