انتهت أيام الحظر، لتبدأ أيام حظري عن الحياة، ليدفن قلبي برفقة حبيبتي، التي تحملت، وكابدت ظلمي لها، وإهمالي، تلك الطيبة الجميلة،كنت أظن دومًا أن اهتمامها عبئًا لا يطاق ..
وبعد ضربات من الإهمال متتالية لقلبها ذهبت ..
أبحث بين أزقة أيامنا بأي سعر بعتها ،كل النساء متشابهات جدًا جميعن بحارًا وجنونًا وموجًا وهي وحدها كانت مرفأ ...
اشتقت إلى هذا التشاحن ،وذاك العناق الدافئ بين ذراعيها ..
اشتقت إلى ميلي لها ، وعتابها، لكم سقمت روحي ببعدها ..
اشتقت إلى هذا القلق الممزوج بلهفة عينها ..
كيف اشتريت لعتمتي شموع فانية، والشمس كانت تسري بين أصابعي كل يوم ..
كيف ابتعت الرخيص وبعت غاليًا كان كل راحتي .. كنت غبيًا جدًا فلم أهتم حين اشتكت يومًا وجعًا بقلبها، أمزقها كل مساء، وحدة، وقسوة، وتلملم نفسها صباحًا
فقط لتبتسم ..
كيف ابتعت لسيدة السكاكر التي تنثرها أينما ذهبت كأس مر ممزوج
بسم ؟؟؟؟؟!!!
كيف صدقت عالمًا كاذبًا ، وتركت حمامتي التي تحميني، وأنا بِغار حنانها أختبئ..
سقط السوار على الأعتاب ..
فرغ المكان من الأحباب ..
ولم تغلق حبيبتى خلفها الأبواب ..
صغيرك مزقه الغياب،
أين كتفك أميل عليه، وأغمض مسافرًا فيكِ إلى ربوة الأمان ؟
أين ذراعيك أتشبث بهما كما اعتدت ..
سيدتي من البرد قد تجمدت ؟
بعد غيابك لا تغمض عيني، وأخشي من الأشباح في الليل إن نمت ..
أجهضت عشقًا كان برحم دنيتي السوداء شعاع نور ..
وأهملت قمرًا نصب نفسه على مداري وحولي فقط كان يدور ..
لملمتي آثامى بيدك الصغيرة، وابتلعتي كل كذباتي الكبيرة، وغدرت أنا بك وغرزت أنانيتي بخصرك وحين نزفتِ كنت دافنًا رأسي بالرمال، منتظرًا أن تغفري كعادتك، لم أكن أعرف أنكِ تلفظين أنفاس عشقك الأخيرة ...
ذهبت ساحرتي الطيبة، وتركت نفسي عليلة ..
ذهبت بلا عناق أحمله ذكرى بين أضلعي المكسرة الهزيلة ..ذهبت حنان ترتجي الحنان عند صاحب الحنان.
جاء الجميع للعزاء، جاء الكثيرون، أظن حتى العشب الذي كانت تخطو عليه كان يحبها، كانت مقبرتها متحف للحب وضع الجميع زهورًا، فتيات وفتيان صغار كانت تعلمهم، وتساعدهم في الكتابة، صحافيون، وكتاب، الجميع يعرف كم كانت رائعة، الجميع أخبرها، وهي تعيش بينهم كم كانت رائعة، إلا أنا
لم أخبرها يومًا إلا كم هي مقصرة، و تصرفاتي مع النساء كانت تترجمها بأنها ليست جميلة، آه يا طفلتي، أنتِ الجميلة الطيية الحنونة، أنتِ التي ملكتني بكل عذوبة وأنتِ التى جلدتني اليوم بسوط اختفائك .
"البقاء لله"
قالها رجل خمسيني، وبجانبه امرأة بنفس عمره تقريبًا، يتسما ببشاشة الوجه كانت المرة الأولى التي أراهما فيها لكني شعرت من هما :
-"أنت طبيب زوجتي وهي زوجتك؟؟أنتما من كانت زوجتي تستطيب محادثتهما بأيامها الأخيرة دوني ؟؟"
ظهر الأسف على وجه المرأة :
"أنا دكتورة سوسن، كنت طبيتها النفسية وزوجي دكتور نادر دكتور أورام، كنا نتمنى أن نتعارف بظروف أفضل، لكن هي الحياة، أرجو أن تتماسك، ونحن إلى جانبك متى شئت"
ليكمل الطبيب:
-"زوجتك كانت محاربة، كانت تحاول لكن للأسف تطور المرض سريعًا، لم يطل بها المرض كثيرًا، لعلها رحمة الله بها فادعو الله واصبر"
طأطأت رأسي أرضًا
- "الوجع يقتل أكثر من المرض، وأنا من قتلتها، وليس مرضها."
ربت الطبيب على كتفي، وغادر وبقي كتفي بالعراء. سأذهب، وأترك حبيبتى هنا وحدها، كيف لي أن أتركها وحدها، كيف ...كيف.. لكن ماذا أفعل؟؟ هناك من يحتاجني، أم سأتخلى عنهما كما فعلت معها.
عدت إلى بيتها كل شئ يشبهها، رائحتها بكل مكان كل الأشياء باختيارها، حتى هما يأخدان كل ملامحها،ركضا الصغيران إلى صدرى، كأنهما يطمئنا على أبيهما الذي كُسر بعنف
-"أنا آسف، لأنني لم أكن الأب الذي يستحق تلك النعم، أرجو أن تسامحاني"
يرد عمار رافعًا رأسه
"تلك وصية أمنا أن نسامحك، ونرعاك دائمًا، وسوف ننفذها، لتكن هي سعيدة ."
تتحدث تاليا من بين دموعها
"أبي لك شئ أود أن أعطيه لك"
ومدت يدها لي بورقة بيضاء مطوية وأكملت
"إنها رسالة من أمي "
مددت يدي المرتعشة للورقة، وأنا انظر لها باشتياق بدايتي مع حنان كانت حبي لكتابتها، ونهايتي أيضًا برسالة من كتابتها .
أترك صغيريَّ، متجهًا إلى غرفتي، جلست إلى الفراش
وفتحت الرسالة....
حبيبي.
كم تتلاعب بنا الأيام،
وكم فرقت بيننا مشاعر لئام،
وكم ابتعدنا وأخدتنا العزة بالآثام،
وكم عشت كوابيس شك وقهر وحزن وآلام...
يحزنني أنك عشت الشك يومًا، واحدًا
أحمد الله أنه لم يطل الأمر بك، فالشك انهزام وضعف وانكسار روح،
لم أخبرك بمرضي ليس لخوفي من شفقتك علي في الحقيقة ، لكن لأنني أعلم أنك تحبني كثيرًا، لا تقلق أيها الغالي، أعلم جيدًا أنك تعشقني، رغم الذي كان، أيمكن ألا يعشق الطفل أمه؟؟!! أيمكن أن لا يعشق المجنون ساحرته؟؟!!!
لم أخبرك شفقة عليك أنت، كنت أخشى انتظارك، وذعرك لم أحب أبدًا أن أراك ضعيفًا، كن قويًا كما اعتدتك، لكن إذا تزوجت من أخرى لا تعاند، افصح لها عن مكنون قلبك، قصيرة هي الحياة، اقتنص منها ما يفرحك ولو دقيقة، انتبه لطفلينا، وأعرف أنك ستنتبه،
أود أن أخبرك أنني غفرت لك كل شئ، وذهبت وأنا لا أحمل لك بداخلي سوى العشق، والعشق فقط.
ما يحزنني فقط أن الذي هزمنا رؤيتنا للصورة مهزوزة.
وداعًا يا صغيري
كن بخير من أجلي ومن أجلهما .
في النهاية أود أن أخبرك أنني قصصت شعري حتى لا أنتظر سقوطه إذا طال مرضي، وحتى ينتفع به غيري ويدخل السرور على قلب أحدهم، أَتركه بحقيبتي السوداء الصغيرة بجانب صورة زواجنا، أرجو أن تتبرع به لمستشفى سرطان الأطفال .
أعشقك
حنان.
سقطت دموعي على الرسالة تركت بصمات حزن ممزوجة بحبر حبيبتي، وفتحت حقيبتها، أخذت شعرها الأسود الطويل بين يدي، مازال يحمل عطرها، كم أشتاق غفوته على كتفي.
نعم يا جميلتي قتلتنا الصورة المهزوزة، وخدعتنا الأيام، خديعة كبرى، وتوقف زمان العشق بأيدينا مرة وبعقاب السماء مرة وانتهينا ..