لا تعرف الدراما المصرية مسلسلا تلفزيونيا عج بالكذب، وطفح بالزور كمسلسل الأيام الذي كانت له اليد الطُولى والنصيب الأكبر، في تشويه الأزهر والأزهريين، وافتراء الكذب على مشايخه وعلمائه، لقد أظهر طه ومن ورائه الشعب المصري يسمع ويستوعب ويستلهم ويوقن ويؤمن ويصدق، بأن الأزهر الشريف هو تلك الصورة القميئة التي جسدها طه حسين في خياله وافتراءاته وأكاذيبه.
الشعب المصري الذي شاهد طه حسين ممثلا في شخصية الفنان أحمد زكي، كان يرى علماء الأزهر على أكمل صور الرجعية والتخلف والقسوة والحقد والغباء والانغلاق والتعنت، وهو لا شك يكذب ويفتري ويظلم ويجور.
وهذه ليست المرة الأولى التي يكذب فيها طه حسين ويفتري، ونحن هنا وبالدليل نقدم ما يثبت أنه يستحل لنفسه الكذب ويصدقه، ومن صور هذا الكذب ما كان يندم عليه ويعترف به، ومن صوره كذلك ما يصر على سجية الكذب فيها، حتى تجسده بطلا أمام أعين الناس.
انظر هنا لما يقوله الأستاذ الزيات ويحكيه عن أدب المنفلوطي وكيف أثر فيه وفي جيله وزملائه الأزهريين، إنه يقول: "وكان هذا النفر الأيفاع من المتأدبين يجلسون في أصائل أيامهم الغريرة أمام الرواق العباسي يتقارضون الأشعار ويلهون بأغفال الناس، ويترقبون المؤيد، ليقرؤوا مقال المنفلوطي خماس وسداس ورباع، وطه حسين مرهف أذنيه، ومحمود مسبل عينيه، والزيات مأخوذ بروعة الأسلوب فلا ينبس ولا يطرف، وكلهم يودون لو يعقدون أسبابهم بهذا المنفلوطي الذي اصطفاه الله لرسالة الأدب البكر"
وهكذا كان طه يستمع بأذنيه التي كانت تلقي في روعه حلاوة وطراوة لأسلوب المنفلوطي، وما أن داعبه بريق الشهرة والذيوع، كفر بما كان معجبا به بالمس، وصار يهاجم المنفلوطي هجوما عنيفا، ندم هوه عليه فيما بعد ندما كبيرا، واعترف بأنه وصل إلى حد السخف، بل إلى ما يفوق السخف، وتمنى لو أنه كفر عن خطيئته، وفي ذات الوقت شرعت الأيام ومؤلفها طه حسين لتجرح وتسفه من أعلام العصر المرموقين، الذين شهدت لهم الدنيا بالريادة والرياسة في علومهم وإبداعهم وإنجازهم، فشوه صورة الشيخ طنطاوي جوهري والذي كان أعجوبة زمانه، وقد رشح من قبل لجائزة نوبل لبعض مؤلفاته في السلام العالمي، وأساء بشدة للشيخ محمد المهدي الذي كتب عنه زكي مبارك يشيد بتميزه وارتفاعه في علومه، حقد عليه لأنه أصر أن يعطيه درجة متدنية في الدكتوراه، لأنه كان من الأعضاء المناقشين، مع أن هذه الدرجة المتدنية هي ذاتها التي نالها في السوربون، فهل يا ترى نقم على أساتذته المستشرقين كما نقم على الشيخ المهدي، أم أنه كال بمكيالين؟
وحقر من شأن الشيخ محمد الخضري الذي كانت له مؤلفاته الشهيرة وصيته المسموع، بل شوه صورة وحقيقة أحمد زكي باشا شيخ العروبة، على أبشع ما يكون إنسانا قاسيًا جافًا بشعًا.
كان يستفز الشيوخ في حلقات الدرس حتى يضجون به، بل نفر من الدراسة في الأزهر وما عاد يحضر ولا يتلقى من العلم شيئا، حتى إذا جاء الامتحان رسب وسقط، ثم يلقي باللائمة على الأزهر والشيوخ، ويصفهم بأبشع الصفات والسمات، ولا أرى طالبا مهملا دروسه إلا ويستحق الرسوب عن جدارة.
إن الرجل بما صنع كان الباكورة الأولى لتشويه العلماء والأزهر الشريف، لأنه كان كذابا مختلقا ولم يكن منصفا أو صادقا، وما أكثر ما نزع إلى الكذب في حياته من أجل الشهرة والذكر.
لقد أسهم مسلسل وكتاب الأيام في خلق صورة عكرة وسيئة عن الأزهر الشريف، لا تمثل الواقع والحقيقة في شيء، وللأسف انطبعت الصورة في أذهان المصريين، كما صورها المسلسل بافتراءاته وكذبه وتجنيه.