الحلولية والزنادقة يسيؤون للتصوف، وحينما يهاجمهم من يستنكر كلامهم، يهب بقية الصوفية في وجهه غاضبين، من كان منهم على الحق أو على الباطل، ظنًا منهم أن المستنكر يحارب التصوف جملة.!
مشكلة كثير من الصوفية أنه ليس لديهم إيمان بالنقد الذاتي ولا يعترفون به، وعندهم ولاء عنيف وشرس لكل ما هو صوفي، وكل من هو صوفي، بغض النظر عن انحرافه أو استقامته، حتى ولو كان زنديقًا فإنهم يألفونه ويوالونه وينافحون عنه، وتتحول الصورة إلى معركة وحرب بين التصوف وأعدائه.
هكذا رأيت وهكذا عاينت وشاهدت.
اختلطت بالكثير منهم فرأيت عصبية عمياء لا تبحث عن الحق، وإنما تطلب الانتصار للنفس والمنعة للذات.
ونحن نادينا وصرخنا مرارًا وتكرارًا وقلنا دوما: إننا لسنا أعداء للتصوف ولا نحاربه ولا نمقته ولا نريد طمس وجوده ومحو أهله.
نحن نؤمن به وندرك قيمته ودوره وبعده الروحي في عصر المادة الطاحنة، نحن فقط نحارب أدعياءه والمتنطعين فيه من الحلولية والزنادقة والمبتدعة، فلماذا يضعنا الصوفية في صفوف الأعداء مع أننا نؤمن بالطريق ونؤكد على ضرورته.
هذه مشكلة كبيرة معاصرة.. خاصة في هذه الأيام التي بدأ التصوف يظهر فيها بقوة جارفة وفتحت له الدولة الميادين والمنصات ونصبت بعض شيوخه في المناصب الدينية الكبرى، فاختلط الغث بالسمين، وبدلا مما كنا نسمعه قديما من الصوفية الأسوياء المتسننون الملتزمون، وشيوخهم الأماجد الذين كان يحتلون منصات التوجيه كالشيخ الشعراوي والدكتور الإمام عبد الحليم محمود رحمهما الله تعالى، بدأ اليوم يدخل على الخط قوم من أراذل الصوفية، إذا سمعتهم وكنت من أهل العلم لا تملك إلا أن تحكم عليهم بالزندقة المريبة، والغلو الفاجر، والانحراف الفاحش عن الشريعة ومفاهيم الإسلام.
ولا أريد أن أعطي أمثلة فهي أسماء معروفة مشهورة.
منذ أيام انتقدت شيخًا من شيوخهم الكبار في قول من بعض أقواله الكثيرة التي تخرج عن صراط الإسلام، ولا تقرها تعاليمه، فإذا بشاب أبله يهيج ويتشنج حتى أشبعني سبًا وقذفًا، ومع أن هذا المختل عقليًا قرأ كلامي في ذات الموطن عن التصوف وإيماني به كعلم من العلوم ومنهج لتقويم السلوك، ورغم ما قرأه من كلامي، إلا أن تعصبه المقيت لشيخ من شيوخ التصوف أعماه عن الفهم والتريث، لأنه لا يفهم معنى النقد الذاتي ولا يقبله، ولا يؤمن به، ولو أن أحدًا وجه إليه نقدًا أو حتى نصحًا، فمعنى هذا أنه عدوه الذي لا يجب أن يقف أمامه صامتا، فالحل إذن سبه وقذفه وتقريعه وشتمه.
هذا الأحمق الذي يدعي التصوف كان القمة في الحقارة والسفالة وقلة الأدب والذوق، وأنا أتعجب كيف يخرج التصوف أو يربي أتباعًا لا أدب لهم، وهُم لا هَم لهم ليل نهار إلا الذكر والتسبيح والعناية بتزكية النفس وتربية الروح؟!
ولم العجب فقد كان من الصوفية قديما من تسبب في قتل الأئمة الكبار، لمجرد أنهم يخالفونهم، وقد كتبت في ذلك كثيرًا من المقالات وأوردتها في كتابي الصوفية بين الحق والباطل.
وأنا الآن يجب أن أحمد الله أن هذا الفتى بعيد عني، إذ لو كان قريبًا لما تورع عن قتلي واغتيالي.
إنني مندهش لتحول بعض غلمان الصوفية في أخلاقهم إلى نفس تلك الصورة التي نراها لبعض فتيان المشهد السلفي، الذين يتجرؤون على الخصوم ويسبون المخالفين ويسيئون الأدب مع كل ناقد لهم.
يمكن لأتباع التيار السلفي أن يكونوا بهذا السلوك، أما أتباع الصوفية فإنهم حسب ما يزعمون أهل تربية كما أنهم يرددون صباح مساء دع الملك للمالك، فلماذا لا يدعون من أساء إليهم وهم أهل الصفح والغفران.؟!
إنهم يشكون عدم احترام كثير من السلفية لطريقهم وأوليائهم ورموزهم وكتبهم وكل شيء تذكر معه كلمة صوفي يوجهون إلية مرذول أخلاقهم.
ولعلنا نتضامن معهم في هذا النكران ونرفضه، لكن هذا الزمان رمانا بالعجب العجاب، إذ صار في طريق التصوف فتية ينتهجون نهج أشبال السلفية وغلمانهم ويتشبهون بهم في قلة أدبهم وسوء أخلاقهم، بل يفوقونهم ويتخطونهم في الصفاقة والابتذال.
وبدلا من أن يلزموا أنفسهم أدب النفس التي يدفع إليها الطريق ويحث عليه الشيوخ، أخذتهم العصبية إلى المنحى الذي ينكره كل من طلب صفاء القلب، ثم يحيرك أن تراهم وهم يطفحون بقلة الأدب يمزجون معها الرد بالعلم، فعن أي علم وأي تصوف تدافعون ونفوسكم لم تتلق حظها من التربية والسمو ورفعة الخلق.