لا شك أنه راعني ما نقله حسين أحمد أمين عن العلامة الشيخ محمود شاكر أن كان على غرار التيار السلفي والتيار الصليبي في نظرتهما المشتركة عن الإمام محمد عبده وموقظ الشرق حكيم الإسلام وباعث نهضة المسلمين سيدي جمال الدين الأفغاني، وعندي أن مثل شاكر في عقله اليقظ ووعيه الكبير وفهمه الثاقب لا يمكن أبدًا أن يكون مثل هؤلاء الواهية عقولهم، فيكون رأيه بهذه السلبية الموحشة في تقويم علمين من أعظم أئمة المسلمين.
ذكر أمين في كتابه شخصيات عرفتها نقلا عن الأستاذ شاكر في لقاء جمع بينهما ببيت الأخير قوله عن الإمام محمد عبده والأفغاني: "هو من أخطر عملاء الاستعمار في تاريخ أمة الإسلام جمال الدين الأفغاني الماسوني، ومحمد عبده الصديق الصدوق للورد كرومر.. إن المسئولية عن معظم ما يعاني منه الإسلام اليوم تقع على عاتق هذين الخبيثين، خاصة الأفغاني الذي هو أس الفساد كله.. وقد تعجبان إن قلت لكم إنني متفق مع لويس عوض في الرأي بأن الأفغاني كان مجرد متآمر وأنه لم يكن صحيح الإسلام. وعلى أي حال فإن رأي لويس ليس جديداً، وكل هذه الأمور كانت معروفة عن الأفغاني حتى أثناء حياته."
ظللت هكذا متحيرا او متضايقا أن يكون هذا رأي الشيخ شاكر في الإمامين، إلى أن أرسل أخي الباحث الرائع المجتهد أحمد الشريف مقالا له عن الافغاني ومحمد عبده ورأي الشيخ شاكر وبعض علماء عصره في الإمامين، وقد كانت المفاجأة المذهلة حينما رأيت شاكرا بما صادف وأكد حسن ظني فيه من إكباره للرجلين ومعرفة دقيقة واعية فاحصة بقدرهما الكبير وفضلهما على أمة الإسلام.
ذكر أحمد الشريف في مقاله نقلا عن الشيخ محمود شاكر قوله: «ولم يلبثا أن سمعا صوت جمال الدين الأفغاني وهو يدور في أرجاء الدنيا ليوقظ المسلمين من غفواتهم ويحملهم علي فض الآصار (القيود) التي ضربت عليهم»!.
ويضيف أيضا بنفس المقال:
«كان من البديهي أن ينبعث هذان الشاعران إلي باب من الشعر حقيق بأن يسقط عنهما عبء الجهاد العسير في السياسة أو في الثورة أو في الجماعات السرية التي تعمل لاستنقاذ الوطن الأصغر وهو مصر والسودان، وتحرير الوطن الأكبر وهو ديار العروبة والإسلام كما فعل رجال كالأفغاني وتلاميذه..» رد الشريف بهذه النصوص على ادعاءات أمين!
ونقول: أبعد هذا الكلام يمكن أن نتشكك في قول غيره؟
وأعتقد هنا وبعد هذه النصوص أن كلام حسين أمين هو كلام كاذب مختلق، اخترعه على لسان الشيخ شاكر حتى يشوه سمعة جمال الدين من جهة شأنه في هذا شأن الصليبي لويس، ومن جهة أخرى يبغض محبي الأفغاني وأتباع مدرسته في الشيخ شاكر.
ولعلي قلت: إن حسين أمين اعتاد الافتراء على الصحابة والرسول والشريعة ألا يتوانى بعد هذا كله أن يفتري على رجل مثل الأستاذ شاكر.. وذكر لي أخي أحمد الشريف إضافة مهمة في مهاتفة بيننا وهي: إن كانت هناك حيرة بين رأيين مختلفين عن رجل جاء أحدهما عن طريق نص كتبه بنفسه، وجاء والاخر عبر نص نقل عنه ولم يثبت بيقين أنه قاله، فالعمدة والاختيار يكون للنص المكتوب المنسوب إلى صاحبه، ناهيك أن الناقل لرأيه الأخر لا يمكن مطلقا وضعه بين الثقات، بل هو رجل عدو لتيار من ينقل عنه وفكره واتجاهه، ثم إنه لا يحبه وكيف يحبه وقد قال شاكر عن أبيه كما نقل: إنه خبيث داهية، فهل ينتظر بعد هذا الكلام أن يصدُق حسين في نقله عن الشيخ؟!
هكذا انتهى البحث والاستدلال وتأكدنا كذب وادعاء حسين أمين، وبعد نشر هذا الكلام، هاتفني أيضا بي فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أحمد هيكل الأستاذ بجامعة الأزهر، ويؤكد لي ويقسم بالله حالفا أنه زار شاكر في الثمانينات وفي جلسة على السطح سمعه يقول: ابن الكلب محمد عبده.
والدكتور هيكل عندي رجل ثقة وكلامه قد جاء ليؤكد كلام أمين، وكذلك ذكرت هذا الكلام الكاتبة الكبيرة صافي ناز كاظم، ويبدو والله أعلم أن كلامه الذي كتبه في مقالاته فيما يشبه مدح محمد عبده والأفغاني، قد تراجع عنه ورأى غيره، لكنني بعد مهاتفة الدكتور هيكل حزنت على ظن شاكر واتهامه للإمامين الجليلين.
ثم جاء الثانية التي أكدت كلام حسين احمد امين وانه لم يكن كذبا، وإنما نقل عن شاكر بكل أمانة، وذلك ما قرأته في مقالة الأستاذ الطناحي التي كتبها دفاعا عن شاكر ضد منتقديه تحت عنوان (محمود شاكر والسهام الطائشة) وفيها أثبت أن رأي شاكر السلبي في الإمامين عبده والأفغاني إذ قال بالحرف الواحد: "ثم ذكرت يا أستاذ حسين ثورة الشيخ محمود على الأفغاني والشيخ محمد عبده، وقد غاب عنك أن الذي يقوله الشيخ في هذين الرجلين هو رأي كثير من الناس، من قبل محمود شاكر ومن بعده، ولقد أطلعنا الأديب المثقف الرقيق علي شلش رحمه الله، قبل وفاته بأيام، في بيت محمود شاكر، على وثائق خطيرة تدين الأفغاني، وتحقق رأي الناس فيه. أما الشيخ محمد عبده، فقد عابه كثير من الناس أيضاً لصلته بكرومر، وقصر الملك، ومن هؤلاء المفكر الكبير علي سامي النشار، وقد سجل ذلك في كتاب منشور، وقد درسناه عليه في أيام الطلب."
وشهادة الطناحي وقوله لا يمكن لأحد رده لانه أخبر الناس بشاكر واقربهم لديه.
أما مسألة شدة الشيخ وغلظته والتي طرحتها في مقال سابق، وأيدت الحديث بتعليق لها كاتبة مصر الكبيرة صافيناز كاظم فشدة الشيخ شاكر معروفة وحقيقية، وهناك روايات كثيرة مفجعة مؤرقة عنها، ويبقى العذر الكبير للسيدة فقد نالها من شدة الشيخ ما جعلها تذكره بسوء، ولها مطلق الحرية في قولها ولا نحجر على أحد قوله، لكننا في نفس الوقت لا ننسى للرجل بلاءه في نصر الهوية الاسلامية على التشكيك الصليبي.حتى رأي الاستاذ وهبه أشك أن حسين أمين فبرك أيضا كلام وهبه ومحال أن يتقول وهبه بمثل هذا الكلام على من يتحد معه في الهوية والفكر أمام رجل يساري..مستحيل هذا، لكني قرأت در الاستاذ الطناحي عن شدة شاكر وأنها فقط كانت في اللقاء الأول مع اي طالب أو زائر، فإذا تحمل صعوبة اللقاء الأول، تأكد لشاكر أنه إنما جاء فعلا لطلب العلم والاستفادة ولم يكن للتنزه والسياحة، فيمسك به ويعتز بحضوره بعد ذلك.. وأنا اتعجب إن فرحة المعلم بحضور أي إنسان تسوقه أن يهش له ويبش حتى يغريه بالاستفادة والعلم، لا ان يصدمه ويحطمه من أول لقاء، ولئن كان كلام الطناحي صوابا فهو عذر أقبح من ذنب.






































