حدثني صديقي الطبيب ان والدا طرق هاتفه غاضبا مفزوعا ليلة أمس، يريد ان يقص عليه ما حل بولده الذي يبلغ من العمر عشر سنوات.
-صديقي: ماذا حدث لولدك؟
-الأب: لا أعرف كيف أحكي لك ولا ماذا اقول؟
-صديقي: قل ما حدث حتى إذا كان خطرا أعالج ولدك أو أرشدك إلى دوائه.
-الأب: ماحدث كارثة نكراء لا علاج لها إلا الغم والهم والقهر الثقيل.
-صديقي: يا رجل قل ماحدث فقد أرعبتني.
-الاب: سأحكي لك ما حدث وأمري إلى الله
لقد ضبط ولدي في وضع شاذ مع صديق له يصغره بسنة، يمارسان سويا ما يمارسه الرجل والمرأة.. لم أصدق ما حدث، كأن السماء انطبقت على رأسي، وأصابني شلل في العقل وتمنيت لو ان الأرض انشقت وابتلعتني.. قل لي بالله عليك: ماذا أفعل وكيف أتصرف؟
-صديقي: لابد أن تذهب به إلى طبيب نفسي وتتابعه في جلسات يمكن أن تشخص مشكلة ولدك وتقف بكما على الحل والدواء والعلاج.
-الأب: طبيب نفسي؟ هل تريد فضيحتي، أنا شيخ معروف ولي مقامي وقدري ومثل هذا الامر لو عُرف وذكر، فسوف تكون فضية لي وعارا مولما ونقيصة وسبة.. لا يمكن أبدا أن أفعل ذلك وأهين نفسي وانقص من قدري.
-صديقي: فما الحل إذن؟
-الأب: لقد حبسته ووبخته ولن أخرجه ولن أعامله كما كنت أعامله سابقا، وانا وأمه نبدي له تأففا وإعراضا كلما رأيناه، وننظر إليه باحتقار وازدراء، فقد جلب خطيئة وفعل منكرا عظيما.
-صديقي: ولكن فعلك هذا يضخم من المشكلة ولا يعالجها، ويحول ولدك إلى قنبلة موقوته يمكن ان تسير في هذا الاتجاه بقوه وتبلغ فيه اضعاف أضعاف ما تستهوله اليوم.. لابد من علاج صحيح وتناول سليم للمشكلة، لكن مسلكك هذا يحفز الشذوذ وينمي الولوغ فيه.
إنك والد وأب، وهي ألفاظ لابد أن تعيها وتفهم معناها ومقصودها.. انظر إلى حال الاب في القرآن الكريم.. إنه نوح عليه السلام ماذا قال لوالده العاصي؟
قال له: يابني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين.. كان يعالجه ويتابعه ويدعوه لأخر لحظة في الحياة، لم يقل له: أسلم اولا ثم اركب معنا، ولكنه قال: اركب معنا غير محددة بشرط او سبب، وهي عاطفة الابوة التي تقتضي من الوالد أن يظل خلف ولده يسدد عيوبه، ويعالج مشكلاته، ويداوي أمراضه، ويكمل نقصه ويجبر كسره.. لابد ان يكون هذا الدور لاخر لحظة لك كوالد حتى ولو كانت لحظة النهاية، كما فعل نوح عليه السلام.
أما انا فقلت لصديقي: لله درك فما أروع ما قصصت به واستشهدت، لكن بعض الاباء يتصرفون بجهل وحدة ليزيدوا من الوباء اشتعالا، ولا يتعاملون مع الحدث على أنه مرض وعلة يجب البحث عن علاجها وحلها أولا في خبايا النفس المعطوبة.