ومع اليوم العالمي للغة العربية، كان لابد لنا هنا من وقفة، نصف بها هذه المسخرة الهازلة، التي تمثلت في جمهرة منكرة ممن ينتسبون لزمرة الأدب زيفا وزورا.
يحدث اليوم في بعض الصالونات الأدبية، المتحزبة بوشاح العلمانية، وتستضيف من أنصارها العلمانيين، الذين يصفون أنفسهم بالتنويريين، لتحشرهم في أتون الأدب حشرا وهو منهم براء.
يجلس القوم على منصاتهم ينقدون الروايات والقصص الأدبية، وكان منهجهم في النقد بدعة فاجرة، لم نسمع بها من سالف الدهر والأيام، ولم يطلع علينا بأمثالها في غابر الزمان إلا المستعمرون والمحتلون، الذين كانت أول أهدافهم أن يقضوا على هويتنا بالقضاء على لغتنا، لأن وجود اللغة يعني وجود الإسلام، وأن هزيمة الإسلام تبقى مبتورة، إذا بقيت لغته حية قوية.
إنهم يريدون إماتة اللغة العربية، وقتل معالم الجمال فيها، حتى لا تجتذب العقول والعواطف، فيموت الحماس لها، وإذا مات الحماس لها، مات الحماس والفهم للقرآن والإسلام.
حدثتني كاتبة أديبة، أن صالونًا أدبيًا في القاهرة، ممن يغشاه عليه العلمانيون، قد دعاها يومًا لمناقشة روايتها، والحق أن السيدة الأديبة قدمت إلي روايتها لأبدي حكمي فيها، ونظرتي عليها، وكأنها تشتكي لي غدر الذئاب، فرأيت أديبة مكينة من لغتها، فخمة اللفظ، رائقة البيان، عذبة التعبير، تمتلك قدرات هائلة من فنون البلاغة.
لكن المفاجأة المدهشة أن النقاد العلمانيين، أخذوا ينتقدون لغتها القوية، وأسلوبها الفخم، وجعلوه من معايب الرواية، وأرادوا أن يوهموها أن تألق البيان طريقة بالية، وأن اعتماد التخفيف، فيه الجودة المنشودة التي لم تحققها.!!
كانت السيدة تروي لي هذا الهزل، والدهشة تغمرني لحد الذهول، فكيف يعيب ناقد أدبي رواية تشبثت بالرقي الأدبي؟ وكيف له أن يستنكر نصا سرديا قبس عجينته من وحي العرب وبلاغتهم الضافية؟!
لقد قال لها أحدهم بكل غل ورعونة: إنك تستعرضين.!
وأنا هنا لا أعرف أي استعراض يمقته، وكيف يكون عيبا لو حاول الكاتب المكين أن يستعرض موهبته وقدرته على الابداع البياني، وهل يكون الاستعراض في هذه شيئا مستنكرا منقودا مشينا؟
ما هذا السفه.؟
بل ماذا يقول هذا وأمثاله في روايات طه حسين وإحسان وثروت أباظة ويوسف إدريس والحكيم ونجيب محفوظ وغيرهم ممن جعلوا روعة البيان طريقة سردهم.. هل هم في أعرافهم مستعرضون؟ فأي نقد هذا؟ .. اللهم إلا نقد المدارس الاستعمارية.
إن هؤلاء يعمدون إلى إفساد اللغة، وضرب الأدب في الصميم، وإخراج أجيال تعتمد على الخيال المتجرد من سماته الأدبية البيانية، هم يريدون أفكارا فقط، ويالجمالها في أذواقهم، لو سُردت باللغة العامية، ساعتها يكون كاتبها أديب الأدباء وعمدة القصاص والمبدعين.
وعندي أن هذا الصالون الذي يستوعب هذه الزمرة الجاهلة الحاقدة، هو صالون لا يقتل الأدب أو يجرد اللغة من جمالها ليفسد الذوق والحس، وإنما هو بؤرة تتآمر على هوية الأمة ولغة العرب والإسلام.
وما أحرى بنا هنا أن نرد عليهم بما رد به خليل مطران على من لاموا الشاعر الكبير محمد عبد المطلب على جزالته البيانية فقال في الرد عليهم:
ربِّ مَمْرُورٍ من الجهل نعى** صحة القول عليه فنعب
خال إغراباً وما الإغراب في**ذلك اللفظ الأصيل المنتخب
إنما الإغراب فيـه أنــه** عربـي بيـن أهليه اغترب
آخذ المعدن من منجمه ** هل عليه حرج يا للعجب
إن للفصحى نشورا هيأت ** أمم العرب له كل سبب
ما يريدون من الشعر إذا ** لم يكن صور النشور المرتقب
ذلك البعث هو الفتح الذي** ليس يعدوه لذي لبّ أرب