لا شك أن كثيرًا ممن هاجموا صافيناز كاظم في انتقادها للراحل بهاء طاهر، لا يمتون للثقافة والأدب بصلة، فمعنى أن يسب مثقف ومحب للأدب امرأة، ويصفها بالعاهرة لمجرد أنها قالت رأيها في أديب، فهذه سفالة منقطعة النظير، لا يمكن لصاحبها أن يكون إلا إنسانا وضيعا حقيرا، عار كبير أن ينتسب للمثقفين، ولكنهم تمام كما وصفتهم هي بأنهم الحشرات الزاحفة.
وصافيناز كاظم كاتبة قديرة، وصاحبة فكر وناقدة لها اعتبارها وذوقها المتفرد، كثير من أبناءالجيل الحالي لا يعرف من هي صافيناز كاظم، إلا أنها زوجة الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم، وأنها أم الناشطة الثائرة التي اختفت من المشهد الثقافي كله.. نوارة نجم.
لكن من أراد أن يعرف من هي صافيناز كاظم، في شبابها وثقافتها وتفانيها وتفردها وجسارتها في العمل الصحفي، فليراجع مذكرات موسى صبري التي كتبها تحت عنوان (خمسون عاما في بلاط صاحبة الجلالة) ويرى ماذا قال عن الصحفية الشابة الجريئة صافيناز كاظم.
من أراد أن يعرفها كمثقفة.. فليقرأ لها أعمالها:
الحقيقة وغسيل المخ
الخديعة الناصرية
تاكسي الكلام
تلابيب الكتابة
رؤى وذات
رومانتيكيات
صنعة لطافة
في مسألة السفور والحجاب
مسرح المسرحيين
من ملف مسرح الستينيات
يوميات بغداد
أما عن انتقادها لبهاء طاهر، فلم يكن لموقف شخصي، وإنما لسياسة الرجل الديكتاتورية حينما كان من المهيمنين على مقاليد الثقافة المصرية، فيحجب الجوائز عمن يشاء ويرتضيها لمن يشاء، وهو بالضبط ما تواءم مع قولها بأنه كان كوابيس مرحلتي الثقافية. وقالت: " وأغرب شيء كان سيطرته على المجلس الأعلى للثقافة، وفي وقت عبدالناصر كان ناصريا، وفي فترة السادات كنت أنا وهو ومجموعة كبيرة من المثقفين من الذين تصور السادات أننا نؤيد العهد الذي لا يعجبه، وسافر إلى الخارج، إلى أن جاء عهد حسني مبارك، فأمسك بالمجلس الأعلى للثقافة، وأنا معاصرة له، وليس من الضروري أن أكون تأذيت منه شخصيا وإنما تأذيت من هيمنته غير العادلة، على الثقافة في مصر، فكان يقرر من يرتفع ومن لا يرتفع ومن يأخذ جائزة ومن لا يأخذ جائزة وكل هذه الأشياء يعرفها المعاصرون سواء كانوا من المجلس الأعلى للثقافة أو من الخارج حتى أنه توحش وأصبح يهيمن على الجوائز"
لقد كان النقد إذن في هذه النقطة من سياسته وفكره وأسلوبه غير المقنن في استحقاق الجوائز للموهوبين وهو أمر لا ينفصل كثيرا عن الموهبة التي يُبنى عليها حسن التقدير للمبدعين.. ثم إنه من رجال المرحلة الناصرية وصافيناز عدوة المرحلة الناصرية ويتبدى ذلك من كتابها (الخديعة الناصرية) علما بأن صافيناز قد انتقدته في حياته كثيرا ولم تنظر موته حتى تقول رأيها، ولكنها أعلنته كثيرا جهرة دون مواربة.
وأما بالنسبة لموهبته، فقد نتفق معها أو نختلف، لكنني أستدعي من قراءاتي مشهدا تذكرته للأستاذ الراحل عبد الوهاب مطاوع ، حينما أهداه بهاء طاهر روايته( نقطة الضوء) لقد دهش مطاوع من جمالها وأسف على تأخره في قراءتها واكتشافها، فهي تحفة فنية بالفعل كما قال، ثم ختم حديثه بجملة دقيقة قال فيها: "بل لعلها من أجمل أعماله، إن لم تكن أجملها على الإطلاق، لأنها من الأعمال التي تجمع بين المتعة والحزن"
ولعل هذا الكلام من مطاوع، يظهر أن بقية أعمال بهاء طاهر، لم تكن على المستوى المطلوب من الجمال والإبداع الذي يساوي روايته نقطة الضوء، والأديب الذي يبرع مرة ويتضاءل مرات يمكن أن نقول عليه بأنه متوسط الموهبة، وهي في اعتقادي رتبة غير هينة ، أما ان يكون رائعا على طول الخط، فهذا هو الأديب العبقري المبدع، الذي حاز صفته كبار الأدباء كنجيب محفوظ والحكيم وإحسان.
الإعلامية المغرضة لميس الحديدي، التي تريد أن تتكلم وتثير اللغط حتى بدون علم لتشغل مساحة من الحديث في برنامحها، اتهمت كاظم بأنه لم يكن من باب الذوق واللياقة حينما تصف راحلا بهذا الكلام وتنتقده بهذا النقد، ولعل لميس الجاهلة بالميدان الفكري والأدبي، لم تعرف ما فعله الحكيم بعد موت عبد الناصر حينما أخرج كتابا كاملا تحت عنوان عودة الوعي يذم فيه الحقبة الناصرية بكل شرورها وآثامها، ثم تشيد لميس وتفتخر أن بهاء كان مناضلا وفر خارج مصر أيام السادات، وأقسم بربي لو أنها كانت في ذلك الوقت، لخرجت على الشاشة تتهم بهاء طاهر بأنه خائن عدو الوطن.
ألم تلاحظ أنني لم أبد رأيي في أعمال بهاء طاهر؟
وهل لو أبديت رأيي سيكون له اعتباره كرأي صافيناز كاظم وعبد الوهاب مطاوع؟
أفضل شيء أنني ناقشت لك الأمر والقضية من وجهيها ولك الحكم وحدك فيما تقرأ.
علما بأني لم أقدم لك رأي الناقد الكبير دكتور ابراهيم عوض في بعض اعمال طاهر، وتصريحه كناقد بأنها اعمال متوسطة القيمة.
لكن غاب شيء رهيب عن المشهد والعقل والتقييم، وهو غياب حرية الرأي والتعبير، وهو مناخ يقهر الحرية والديمقراطية، لقد فتحوا النار على المرأة وبلا رحمة، في محاولة لكبتها وقهرها وقطع لسانها، لكن صافيناز ولمن يعرف تاريخها وشخصيتها، ليست من هذا النوع الضعيف الذي يخاف ويكش ويستكين، ولو أن الميدن فتح لها، لسحقت كل من تطاول عليها وبقوة.
لكن الجهل أحيانا تكون له جلبة وبعض الغلبة.