حكى لي مؤخرا صديق معروف بعلاقاته العاطفية الكثيرة، إذ لا يمر عليه شهر إلا ويعرف امرأة جديدة وقال لي: إنه تعرف موخرًا على صديقة جديدة، وصارت بينهما صحبة ومودة قوية، وكانت الفتاة ذات هوى صوفي، مما جعله كذلك يهوى الصوفية ويرجع إلى أدبياتها في ذاكرته، فهو مثقف وكاتب كذلك.
يقول صديقي: كنا نذهب سويا نزور اهل البيت وأضرحة الأولياء، ونقرأ أذكارنا أمام الضريح، ثم نرتد لنسمر بأوقاتنا كما يحلو لنا ويزين لنا هوانا .
وأنا أمام هذا المشهد العبثي، لا يمكن أبدا أن أتصور قبول الصوفية لهذا الهراء، يمكن للشقيان أن يفعلا ما يشاءان من دروب الهوى والنزوة، أما أن يجترا التصوف إلى ميدان الشيطان، ليكون حبلا من حبائله، فذلك مرفوض، لأن التصوف والصوفية ليست ثقافة او معلومات أو حالة أو نظرية يمكن الحديث عنها وتجريبها.
إن التصوف كما علمته تدين والتزام وإيمان وورع وتقوى، وحذر رهيب من كل ما يجر إلى الشهوات والمغريات.
تزعم أنك متصوف أي أنك بلغت القمة في التقوى والانصباط والالتزام الرفيع بالقيم الدينية.
ما يحدث من هؤلاء المفرطين واجتماعهم دون روابط شرعية باسم التصوف، نوع من السفه والشطط، بل هم عندي كمن يقترف محرما في المسجد أو يسرق اموال اليتامى والمساكين.
من يتحدث عن التصوف ويعلن للدنيا أنه هواه، فهذا يعني أنه أكثر الناس معرفة بالدين والتزاما بحدوده، أما أن نصور التصوف بأنه حالة نفسية يمكن حتى أن تعتري الفجار والعشاق والزناه، فهذا ما لا يليق ابدا.!
وهذا الفهم للأسف شاع موخرا بين اوساط المتكلمين والكتاب، وهي محاولة لضرب مفاهيم وتصورات التصوف الحقيقي، الذي يعني التدين الشديد.
قرأت مؤخرا للكاتبة “ريم بسيوني” في لقاء لها بمنتدى صحيفة اليوم السابع تقول:
" أرى أن هناك جزءا جوهريا في الشخصية المصرية يتمثل في الحسّ الصوفى، وهذا الحسّ يكاد يكون متأصلًا فينا جميعًا، وإن كان بدرجات متفاوتة، إذا تأملتَ الناس حولك، ستجد أن كلًّا منا يمتلك هذا البُعد الروحي بشكلٍ أو بآخر، لكنه يتجلّى في أشكال مختلفة."
وأضافت ريم بسيوني: " الصوفية لم تعد عندي مجرد موضوع أطرحه في كتاباتي، بل أصبحت جزءًا من تكويني الشخصي والكتابي، ومع ذلك، فهي ليست الأداة الوحيدة التي أستخدمها للتعبير عن أفكاري، قد تظهر الصوفية في بعض الأعمال، وتغيب في أخرى، لكن حضورها يكون نابعًا من صميم تجربتي، لا من قرارٍ مسبق."
ريم بسيوني تتحدث عن التصوف بأعلى وأعمق مما تحدث به حجة الإسلام الغزالي، لقد دخلت منطقة الحس، وهى الدرجة التي لا تعتري إلا أولياء الله الصالحين، والسيدة تظهر بصورة متبرجة وتضع أحمر الشفايف، وتعري شعرها المنسدل على كتفها، وكل ألوان وصور -الميكب- حاضرة، وهي الصورة التي تضعنا أمام سؤال غريب وهو:
ما هذا التصوف الجديد الغريب العجيب الذي تدعيه السيدة، وما هذه الحالة العجيبة من التصوف الشكلي الذي لا يمت إلى جوهر التصوف الصادق بشيء.
أهو التصوف الفلسفي؟ أم هو المعنى الروحي الذي نجد تعبيراته في الديانات الوثنية وغيرها؟
لا أ علم.. لكن ما أعلمه أنه ليس التصوف السني الإسلامي.
وعودا إلى صديقي مرة أخرى، فقد ذكر لي من أمر محبوبته ان لها أورادا صوفية يومية لا تنام حتى تقرأها، ولقد شاءت الصدفة أن ألتقي بهما يوما ما.. فرأيتهما يمسك كل منهما بيد الآخر في حالة عشق وهيام، وكله باسم التصوف، وتحت شرعية التصوف.
ألا بئس تصوفكما.
نفس الحال من صديق عزيز يقص علي حالة عميد من عمداء الكليات، مغرور متكبر، مزهو بنفسه، له علاقات نسائية كثيرة، ويحب صحبة الفتيات، وإذا ما كان في محاضرته، لا يلتفت إلى الشباب، لأن عينه لا ترى إلا الفتيات… المضحك في الأمر أن صاحبي أخبرني أن سيادة العميد من أصحاب الهوى الصوفي، وانه يذوب شوقا وغراما على عتبات الأضرحة.
إن هذه الصور الشوهاء تريد تدمير التصوف وتمييع صورته في أذهان الناس، والتصوف يحتاج إلى انتفاضة تحرره من هؤلاء المتميعين المنفلتين.. فالتصوف الذي يدعونه وهم وخرافة أوعز بها الشيطان إليهم، لأن التصوف الحقيقي أبعد ما يكون عن سلوكهم وتخريفهم.
بالمناسبة أنا لست من الشيوخ الذين يحكمون بالحلال والحرام، ولا أزعم أنني ملك مطهر أو نبي معصوم، بل أنا من أصحاب الذنوب، ولكنني لا يمكن أبدا أن أقبل التصورات المائلة التي تستفز وجداني.. لا يمكن أن أستسيغ وضع غطاء شرعي للضلال والزيغ.
انا لا أعيب تصرفات، فكل إنسان مسؤول عن سلوكه، ولست أنا من يدخل الجنة ويردي في النار، ولكني أعيب خللا فكريا في المقام الأول.