هل أخطأ العلامة البيومي في تكذيبه واستهزائه بفرج فودة؟
-----------------------------------
كان للدكتور محمد رجب البيومي رحمه الله موقفه الحازم والصريح من البطولة المدعاة للكتاب التنويريين، وكثير من أعداء الشريعة ومعارضي تنفيذها والمهاجمين لوجودها، ولم تقتصر مواجهته لهم على النقاش العلمي وحده فيما أتوا به من شبهات، ولكنه ركز كثيرًا وفي أكثر من موطن على التعريض بما يزعمونه لأنفسهم من بطولة وشجاعة زائفة فيما يذكرونه من تصريحاتهم الشخصية التي تعبر عن اللوثة التي أصابت عقولهم، وكان من أشهر هذه الردود، رده على الكاتب (فرج فودة) في كتابه قبل السقوط، الذي أصدره مصحوبًا بضجة دعائية حالمة، وهو كتاب يعج بالمغالطات التي نطق بها رجل غير متخصص في علوم الشريعة، فزعم أكاذيب وأغاليط، برر منها هجومه الزائف، وحاول في خطوة تسويقية أن يقوم معه بفرقعة صاخبة، توحي للجميع أنه يتعرض في موقفه إلى خطورة من مخالفي رأيه، وأنه أقدم على عمل فدائي باسل، وكأنه مرحب بالعاقبة المنتظرة، كالمقاتل الذي يتمنى الشهادة، فيقول في مقدمة كتابه المذكور: "إنه لا يبالي إن كان إلى جانب، والجميع في جانب آخر، ولا يحزن إن ارتفعت أصواتهم أو لمعت سيوفهم!!"
ثم يقول في الإهداء: " إلى ولدي يسر الذي لم أدخر له إلا المخاطرة"
وهنا وأمام هذا الزهو الفارغ، ينبري العلامة البيومي ساخرًا من هذه البطولة المزعومة، محاولا إفاقة صاحبها من وهمه الكبير، ودور المفكر المضطهد الذي قام به، وتمثل نفسه زعيمه ورائده.
فيقول البيومي:"وأنت تتساءل في دهشة: أي سيوف ستلمع؟ وأي مخاطرة يدخرها المؤلف لولده؟ حين يعارض تنفيذ الشريعة؟
ثم يصارحه البيومي ويصارح معه كل القراء بجرأة وصراحة حين يقول لافتًا إلى ذلك الواقع الذي يكذب دعوى هذا الهراء فيقول: " أمامه الواقع المعاصر ينبئه بأن الذين يعارضون تنفيذ الشريعة، قد احتلوا منابر التوجيه في الإذاعة والصحافة، ووصلوا إلى أعلى المناصب، ومنهم من بلغ رتبة الوزراء، ولم نسمع في يوم من الأيام أن أحدهم قد اُعتدى عليه في موقف، وأن قطرة دم واحدة سالت من دم كاتب يحارب شريعة الله في مصر!"
ثم يوغل البيومي في صراحته ومصداقيته مع نفسه ومع القراء حين يقول: "ولكن الذي نعرفه عن يقين، أن الذين طالبوا يتنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية، قد قتلوا بمصر وشردوا، وامتلأت بهم السجون أحقابًا طويلة، وارتفع معذبوهم إلى مراتب القيادة والسلطة، ونالوا المناصب والأوسمة!
هذا ما ينطق به الواقع المشاهد، وهو من الوضوح بحيث يعرفه كل إنسان، فليت شعري كيف يجوز لصاحبنا هذا أن يجرؤ على تزييف الحقائق، وهو يعيش في أمة تعرف الظالم والمظلوم، وتميز الطيب من الخبيث؟!"
ثم يسترسل البيومي في نقاشه لدعوى فرج فودة ليدلل على أنها عادة قديمة لدى أصحاب الأغراض وراغبوا الشهرة والساعون إلى البطولات الزائفة فيقول: "على أني لم أقف على شجاعته المصطنعة أمام ما يتخيله من سيوف لا وجود لها، ومن مخاطر موهومة يزعمها زعما لتخلع عليه ثوب البطولة"
وبعد ما ذكر البيومي هذا الكلام واستبعد هذه التوقعات التي مَنى الكاتب بها نفسه، لم تلبث الأيام إلا وصدقت حدس الكاتب فرج فود، واعترضت فتم اغتياله فعلا بسبب أفكاره وكتبه وموقفه المعادي من الشريعة، لكننا هنا لا يمكن أن نُغالط البيومي ونعيره بخطئه وفساد توقعه، وتكذيبه لكلام فرج فودة، بقدر ما نسائل أنفسنا بشغف هائل: لماذا فرج فودة بالتحديد مع أن هناك مثله الكثير والكثير من أعداء الشريعة، والمعارضين لتنفيذها.
هل أراد أحد فعلا أن يجعل من الرجل بطلا؟ أم أنه أراد أن يحقق له أمنيته، أم لأن صوته كان هو الصوت الظاهر في الحقبة الأخيرة، ومن ثم تحمل بلاء من وراءه ممن يقولون بمثل كلامه؟
لكن الذين أقدموا على هذا الفعل قد وضعوا كلام البيومي في حرج بالغ، مع أنه رد بالمنطق والعقل والدليل والواقع على زيف هذه الدعاوى.. كما يتحملون النتيجة التي جعلت من الرجل بطلا لدى البعض، ورغم نكراننا لهذا الحادث ورفضنا القاطع للإرهاب الفكري والتصفية الجسدية، يبقى كلام البيومي حقيقة معلومة معروفة، لا يمكن نكرانها حتى ولو خالفتها الأحدث وحادت بها إلى توقعات الكاتب.