حينما كتبت في مقال سابق عن دور الإعلام والدراما المصرية في تقبيح وتشويه صورة العلماء والحط من كرامة العمامة الأزهرية، خرج بعض أصدقائي في تعليق يُذكرني بالحادثة الشهيرة التي كادت أن تزلزل القاهرة في عهد عبدالناصر، وهي الحادثة المعروفة التي هبت يومها الجماهير تنتصر للعمامة الأزهرية، لأن الذي كان يرتديها في ذلك الوقت عالم حر غيور أحبه الناس، ولم تقبل عقولهم أن ينطلي على مثله ما حاول الاعلام دوما تصويره للناس بنمط السخرية والاستهزاء.
يقول صديقي الأستاذ Sorour Kamal : "ذكرنى مقالكم أستاذنا الكريم بما تعرضت له عمامة الشيخ محمد الغزالى من سخرية من قبل صلاح جاهين أثناء مؤتمر القوى الوطنية والشعبية فى الستينيات من القرن الماضى بعد أن طرح الإمام الغزالى عدة نقاط لم تعجب جاهين؛ فرسم الغزالى وقد ركب حمارا بالعكس وعمامته مدللة على الأرض فى مجموعة من الكاريكاتيرات الساخرة تحت عنوان: تأملات كاريكاتيرية فى المسألة الغزالية.
وقد غضب الشيخ الغزالى من هذه الحملة، وفى الجمعة التالية وقف على منبر الجامع الأزهر، ورد على جاهين ردا قويا قال فيه عبارته الشهيرة: يا جاهين، هذه العمامة التى تسخر منها تحتها عقل مفكر!
وبعد الخطبة هاجت الجماهير وحملت الشيخ على الأعناق، وحطمت واجهة جريدة الأهرام، وكاد أن يحدث ما لا يحمد عقباه لولا تدخل القيادة السياسية والرئيس عبد الناصر شخصيا، واضطرت الجريدة لكتابة اعتذار للشيخ الغزالى على صدر الصفحة الرئيسية فى اليوم التالى."
انتهى الموقف وانتهى ما ذكرني به الصديق المحترم، ولكن ما الذي دعاني لإعادة هذا الحديث مرة أخرى، وما جعلني أعيد كلامه الذي جاء وكأنه على موعد مع المجهول، فبعد ساعات من كتابة هذا الكلام، خرجت علينا الأنباء بهذا الخبر المقرف.
"تشارك المدارس على مستوى الجمهورية في احتفاء وزارة الثقافة بـ"صلاح جاهين"، المقرر له اليوم الأربعاء، في إطار التعاون بين وزارتي الثقافة والتربية والتعليم والتعليم الفني، لبناء الوعي وغرس الهوية المصرية.
يأتي ذلك بتخصيص فقرة بالإذاعة المدرسية بجميع المدارس للحديث عن الراحل صلاح جاهين، كأحد رموز الفكر والإبداع المصري."
وهنا لك أن تتخيل ان يكون هذا الشيوعي المنحرف رمزا من الرموز الفكرية والوطنية التي يتعلم ويتربى أولادنا في المدارس على أنهم عباقرة مصر ونوابغها المتفردين، لو كانت وزارة الثقافة قد احتفت مع التربية والتعليم بالعقاد أو طه حسين، لقلنا: ما أعظم هذا وأجدر أن يتعلمه أبناؤنا ويقدروه، أما أن يأتي هذا التعميم والاحتفاء برجل عربيد متغرب، فما قيمته وما جلاله وتميزه في مصر؟ أهي بضعة أشعار عامية لامست قلوب المصريين؟
إنني أعرف أن رمزا كالشيخ الشعراوي كان أقرب إلى وجدان الجماهير بملايين الخطوات عن مثل هذا البهلول.
بل اعقد مقارنة خاطفة بين صلاح جاهين وبين الشيخ الغزالي مثلا لتدرك ايهما كان أكثر خدمة للفكر والعلم وبعث الارتقاء بالوعي والمعرفة، وتأصيل معالم القومية الوطنية.. لا يمكن التسوية بين من كتب قذائف الحق، والاسلام في وجه الزحف الأحمر، ودفاع عن العقيدة والشريعة، وخلق المسلم، وبين من كتب خاللى بالك من زوزو زوزو انوزو كمانوزو، والشوكولاته ساحت راحت مطرح ماراحت.
ولكننا نعرف أن اختيار هذه الشخصية قد تم بعناية وقصد وحاجة في نفس يعقوب، فهناك في وزارة الثقافة من يريد لأبنائنا أن يعظموا المنحرفين المنفلتين المتمردين على تعاليم الإسلام وقيمه السامية.. ولوزارة الثقافة ان تحتفي بمن تشاء، لكن إشراك وزارة التربية والتعليم في الأمر له هدفه وغايته.
عار كبير في مصر أن يُقدَم شيوعي أمام الأجيال على أنه نموذج القدوة والإبداع والوطنية، وهناك في هذا الميدان عباقرة كثر لا يساوي صاحبنا بعرة علقت بنعل أحدهم.
نود من المسؤولين من يحاسب هؤلاء ويسائلهم عن هذه الأفعال الغريبة، ويجد لنا إجابات شافية، ويتخذ قرارات نجيبة تمحق هذا الهراء، كما يجول بخاطري، لماذا لا يعقد الأزهر بروتوكولا مع وزارة التربية والتعليم، يقدم فيه لأبنائنا نماذج الرقي من العلماء والمفكرين الاوفياء لهويتهم ووطنهم.