لا شك أننا نفخر ونعتز كثيرًا بأننا من الجيل الذي عاصر وزامن فضيلة الشيخ (عطية صقر) وتربى وتعلم من فتاويه، واغترفنا عبر أحاديثه كثيرًا من قيم الدين وسماحة الإسلام وأصول الشريعة وأحكامها السامقة.. ما زال إلى اليوم يرن صوت الشيخ في آذاننا، ونبرته المميزة في أذهاننا، وتستقر صورته في مخايلنا، وإذا ما حزبنا أمر أو ألح علينا استفسار تذكرناه، وعدنا أدراج ماضينا إلى أحاديثه وفتواه لنجد الجواب على أتم وأوفى ما يكون.
كان الشيخ عطية صقر كما نستعيد صورته في ذكرى وفاته في مثل هذه الأيام شيخًا مستقيمًا متزنًا لا يشطح أو ينحرف، وإنما كان انعكاسًا صافيًا للعلم القويم الخالي من الشطط والغرض والهوى، كان رحمه الله يلوك أخطر القضايا والمسائل الفقهية التي يتهرب منها كثير من الشيوخ بل والمؤسسات، لحساسية موضوعها، وما يمكن أن تتركة من جلبة وصياح وعواصف وصراخ، لكن الشيخ لم يكن يلتفت إلى أي شيء إلا أن يقول الحق وينطق بالصدق، غير هياب لأصوات المحتجين أو جلبة المعارضين، فلا يراعي إلا ضميره ودينه وما تمليه عليه الأمانة التي ألقيت على كاهله في فتيا الناس وهدايتهم إلى الحق والرشاد، كما لم يكن في حياته وفتاويه وأحاديثه ومواقفه متزلفا لصاحب جاه أو سلطان يرجو رضاه على حساب علمه ودينه، فالله وحده قصده وسبيله وغايته، كنت تأخذ الفتوى منه وتستمع إليه باطمئنان لا تشوبه أطياف الشك والريبة والتردد، فقد كان مثال العالم النزيه الشريف الذي يدرك مسؤولية العالم ودوره الحقيقي في هداية الأمة، لم يكن رحمه الله متعصبًا لرأي، أو متحيزًا لاجتهاد، ففي أغلب المسائل الفقهية يعرض آراء العلماء، وأقوال المفتين، ويوضح لطلاب الهداية مسالك الراشدين من فقهاء الأمة، كان يفعل ذلك بحنكة ومهارة وتوفيق رباني، جعل منه مفتيًا للجميع حيث لا يصعب فهم كلامه أو استعجام تعبيراته من شريحة دون أخرى، ذلك لما اعتمده من السهولة في الطرح والوضوح في التعبير، إذ يمكن لأي إنسان أن يستمع إليه ويفهم قصده وكلامه دون صعوبة أو عسر، وهو كلام لم يكن محشوا بالمصطلحات الفقهية، أو التعقيدات الأصولية.. لم يقف الشيخ يوما واجما متلكئا أو متلعثما يعتريه تردد لفظي في معلومة أو دليل نسيه ويريد استدعاءه وقد استعصى عليه، كان يتقن الردود ويستوفي المقصود، ويظهر المنشود، بالشكل المحمود، وكأنه قد علمه مسبقا فأعده واستحضره ونطق به في طريقة مرتبة محكمة منمقة، كان الشيخ رحمه الله حكيمًا هادئا متزنا في أقواله وآرائه، ولم يؤثر عنه يومًا أنه اعتمد غرائب الأقوال وشواذ الآراء بغية الظهور والشهرة، ليكون حديث البرامج والمنصات والصحف والفضائيات، كما نرى اليوم من بعض المعممين الذين أثاروا الفوضى والشكوك بأقوالهم وأفهامهم، مُني الشيخ بالهجوم من بعض المنفلتين فكريًا وعلميًا بسبب بعض فتاويه، فكان سمحًا مترفعًا متغاضيًا لا يلتفت إلى نباح هنا أو عواء هناك.. لم يكن رحمه الله ممن يثيرون المعارك وينشغلون بالخلافات، ويؤججون أوار المواجهات، لأنه أدرك أن رسالته تحتاج منه كل جهد وشغل واهتمام ووقت، فلم يصرفه عنها عارض حتى ولو كان فيه الانتصار لنفسه وشخصه، رحل الشيخ عطية صقر وتحل علينا ذكراه، وما زال في وجداننا علمًا باهرًا ورمزًا شاهقًا يعتز به الأزهر وتفخر به مصر، إذ يعد من رجالاتها الميامين الذين أسهموا في توعية شعبها، وترسيخ قيمه، وإزكاء إيمانه، وتعزيز هويته.
يقول عنه أبو التاريخ: "كان رمزا رائعا لعلماء الدين المترفعين عن الدنايا وعن تملق الجمهور أو الدولة أو الاعلام، وكان علما خفاقا وإماما متفردا بعيدا عن صفوف المنشدين، وكنا نضرب به المثل على الاستقامة الفكرية في عصر لم يكن يمانع في أن تأخذ الاستقامة الفكرية حظها"
ويصف نزاهته وصميره بقوله: "وكانت آراؤه الفقهية واضحة الرؤية جلية العبارة ناطقة بالتوافق مع الضمير الإسلامي اليقظ، ولم يعرف عنه أي ميل إلي التوفيق بين آرائه وبين متطلباته الحياة السياسية، على الرغم من قربه من السياسة وانتخابه عضواً في البرلمان المصري"
رحم الله الشيخ عطية صقر.







































