بعض الكتاب أو من يطلب منه كتابة مقال أو رأي في موضوع، يعتقد أن ما يكتبه قرآنا لا يجب أن يُمس أو يَقترب من لفظه أحد، ويرى أن أي مراجع لو بدل منه حرفا واحدا، أو حذف أو غير ما لا يتناسب مع المقام، فإنه قد اعتدى علي شرفه ووجوده، وأساء إلى شخصه أعظم إساءة.
رأينا كثيرا من هذه النماذج المتعبة في حياتنا الصحفية والكتابية.
بعض الكاتبين للأسف بمجرد أن يسلمك المقال يقول لك: لو سمحت لا أقبل أي أحد أن يمس المقال، والحق أن هؤلاء وأمثالهم، يصرون على أن يخلطوا أو يدخلوا عقدهم الشخصية ونتوءاتهم النفسية في الموضوع.
وقد يكون ما كتبه يحتاج إلى كثير من التعديل وفق الرؤية الصحفية، ولكننا نكون في حيرة من أمرنا أمام هذا الانذار التعسفي.
ثم يا ويلنا من العاصفة لو اضطررنا لحذف بعض ما في المقال لضرورة النشر ومساحة الجريدة أو المجلة، تقوم القيامة وقتها لنلقى ادعاءات بأننا لم نحترمه ولم نقدره وأننا مزورون ونزيفون، ويواجهنا بركان هائل تقذفنا به عقدهُ النفسية المريعة.
وأمام هذه النفسيات الغريبة والغبية، أكبرت كثيرا من الكتاب الذين قالوا لي دوما: كتبنا لك ولك مطلق الحرية في الحذف والتعديل بما يتراءى لك.!
الصحفي دوما له ذوقه ورؤيته الأعم والأشمل التي تفوق أي كاتب، فهو فقيه بالذوق الأسلوبي وخبير بمهارات الاختصار والإيجاز الذي لا يخل بالمضمون، وأحيانا يكون تدخله علاجا كما يتدخل الطبيب بمشرطه للعلاج.
لا تكن أيها الكاتب حساسا إلى هذا الشكل، ولا تذوب في كبرك وغرورك بهذه الصورة، ولتدرك أن الكاتب الذي يعدل وراءك لم يدهش شرفك، أو يلغي شخصيتك.. والتصرف اللائق هنا أن تجِّد مسرعا في علاج نفسك، لأنك مريض.. ونفسي.
يوم ما طلبت من كاتبة أن تقدم لكتاب لظروف خاصة كانت تقتضي ذلك التقديم، ولما سلمتني المقال جاء إنذارها المباشر، لو سمحت لا أريد أي تغيير في المقال وأن ينزل بصورته التي أعطيتك إياها.
تعجبت واستأت، وقلت في نفسي: حتي أنت أيتها الأستاذه تقلدين أصحاب العقد النفسية؟
وتمر الأيام وتزداد المواقف بيني وبينها، حتى اكتشفت أن الكاتبة تحتشد بها طاقة هائلة من العقد النفسية، لو وزعت على أهل الأرض لكفتهم جميعا.
وسريعا سريعا، إذا أردت أن تعرف نفسية كاتب من الكتاب هل هو معقد أم إنسان سوي، فعليك أن تسأله: هل تقبل مني أن أعدل حرفا من خطابك أو مقالك؟
فإن قبل فهو سوي، وإن رفض وانتفخ، فاعلم بكل يسر أن لديه مشكلة.
أيها الكاتب إياك تعتقد أنك كتبت نهاية البلاغة أو سطرت نصوصا مقدسة، فقد رأينا كثيرا من العمالقة يؤلف أحدهم الكتاب، ثم في الطبعة التالية يغير الصياغة ويبدل الحروف، بعدما تبين له بعد عام أو عامين، أن ذوقه فيما كتبه لم يكن جيدا، ويخرج كتابه في طبعة أخري مكتوب عليه، طبعة مزيدة ومنقحة.
قال هذا الأستاذ أنيس منصور، حينما أخذ جائزة على كتابه مائة يوم حول العالم، وذكر أنه تمني لو أتيحت له الفرصة ليعيد صياغة هذا الكتاب مرة أخرى.
بالمناسبة.. كل من يطلب مني مقالا أو رأيا في تحقيق صحفي، لابد أن أوصيه بأن له السيادة وحده ليعدل ما يشاء، فالحمد لله الذي أنجنا من هذه العقد.