انظر حولك أيها المعتبر لترى بعينيك علماء كثيرين نفقدهم بين الحين والحين، بعد أن كانوا يعيشون بيننا وهم ملء السمع والبصر، يقومون بواجبهم، ويؤدون رسالتهم.. لكن قليلا منهم من تهتاج المشاعر لفقده، وتزعق الأرواح لرحيله.. وتزحف جيوش من الكتبة تخط ببنانها عبرات الرثاء، جاهشة بدمع الوفاء.. لتسطر فيك وعنك ياسيدي مالم يُسطر فيمن رحل مثلك وفقدناه بزمنك.. حتى غدت كأنها أجنحة المحبة ترفرف حول روحك لتصعد بها إلى طبقات المعالي.
قل لي بالله عليك يا رجل، كيف كنت تعيش بين الناس بهذه الأخلاق السامية والهمة العالية والسمت النبيل، فأسرت أشواقهم، وملكت رنين قلوبهم، فما من أحد منهم إلا بينك وبينه شاهد بمروءتك، ودليل بأبوتك، وقرينة بمعروفك فيه.
ما كنا نظن أبدا إلا بعد موتك أن صورة العالم الرباني الزاهد الورع التي نعرفها من حال السلف الصالح يمكن أن تتحقق في رجل من عصرنا الحاضر، حتى قرأنا عنك وسمعنا شهادة الشاهدين، وقد جعلونا نتخيلك حلما جميلا أيقظنا منه نعي الناعي ينعاك.
قل لي مرة أخرى بالله عليك.. ها هم الرؤساء والوزراء والكبراء وأصحاب المناصب والرتب يموتون كل يوم، فمن منهم صنع فينا مثل ما صنعت؟ ومن منهم ترك أثرا أثيرا كما تركت.؟
ومن منهم آلمنا فقده وأسفت عليه قلوبنا كما أسفت عليك؟ كأنك أردت أن تعلمنا أن الأخلاق والنبل والشهامة تندرت في عالمنا وتحققت معجزتها على يديك.. كل يوم يمر علي وأنا أغترف من معين أنبائك وأخبارك وما يقصه محبيك ما يدهش اللب ويحير الفكر.. وأسائل نفسي: أيمكن لرجل أن تحتمل ذاته كل هذا القدر الهائل من المكارم التي استشعرها فيه القريب والبعيد، الكبير والصغير؟ نعم يمكن لذلك كله أن يتحقق ولا يكون غريبا في رجل كان يعيش لله وبالله.. رجل أراد أن يحيي فينا سيرة الأنبياء وسبيل الصالحين، وحال الأتقياء المخبتين.. وبرا بك ووفاء بصلاحك سنحاول جاهدين أن نجمع شيئا من مناقبك، لتكون سلوة للطالبين وقدوة للعلماء إن أرادوا حلية العاملين، وتخليدا لذكرى رجل احب ان يكون من الصالحين، فاجعله يارب في الصالحين.
رحم الله عبده الصالح محمود توفيق سعد