المعركة مع العلمانيين تفرز النتن المخبوء في العقول، وتكشف كذلك عن الجهل المريع في الأفهام، فلا يكفي سواد القلب وحقد النفس الذي يحملونه للوحي حتى تتضح هالة كبيرة من الظلام العقلي الذي يتصادم مع دعاوى التنوير والحداثة.
ومن أعجب السقطات التي تلمسها وتلحظها في شبه المنكرين من أحاديث العلمانيين وكل متمرد على الشرع والدين، زعمه بأن هذه الأحكام التي نطقت بها كتب الفقه والتشريع لا تمت لرب العباد بصلة، وإنما هي آراء الفقهاء والعلماء ، آراؤهم هم وليست شريعة الله.
يحاولون عبر هذا الخرف والهرج، أن يوحوا للقارئ والمشاهد والمتطلع، أن هذا الدين همل لا رائد له، ومشاع لا مالك له، وكأنه قطيع لا يجد من يقوده أو يحدد مساره ووجهته، وترى أحدهم يتفتق بطريقة المتذاكين السذج، كلما شرحت له آية أو نطقت بتفسير حكم من الأحكام الدينية الثابتة والتي لا تروقه أو تخالف هواه، ليقول لك بصورة جاهلة مستفزة: هذا رأيك لا رأي الله.
وهكذا ابتدعوا هذه الطريقة الجديدة في تقويض معالم الدين.!
هذا رأيك لا رأي الدين، وهذا قولك لا قول الله.!
وكل أحد يمكنه فهم الله وكتابه حسب هواه، وهي الغاية التي يرنون إليها لتمييع الشرع وهدم معالمه وثوابته.
ألا إن أحكام الإسلام ثابته لا عوج فيها ولا خلل ورؤية ولا وجهات نظر، ولها قواعدها التي حددتها الأصول واللغة والاجتهاد المنبعث من أعمدته ومنابره التشريعية السماوية الخالدة.
وإن أي محاولة لمسخ آراء العلماء والتنصل منها بحجة أنها آراء بشرية، دعوى زائفة منكرة جاهلة، لها أبعادها الهدامة التي تريد سلخ الدين من قدسيته في قلوب الناس.
إن الله تعالى يقول:" فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ" ولكن هؤلاء لا يريدون ذكرا ولا يريدون علما ولا يريدون هداية، فإمامهم أهواؤهم، وكما قال ابن عباس: "شر إله عبد في الأرض الهوى"