لعل حادثة كلب الست من أبرز وأهم الحوادث التي كانت محل نقد وإساءة للسيدة أم كلثوم، ولا شك أن ما أثير حولها أضر بعض الشيء بشعبيتها الطاغية ، لأنها خرجت بها من مصاف الإبداع إلى ما يعانيه الشعب وقتها من الوساطة والمحسوبية التي تجعل صاحبها فوق القانون والمساءلة أمام شخص غلبان بسيط من عموم الشعب، وإذا كانت أم كلثوم قد هزت قلوب المصريين وأصابتهم بالنشوة والطرب، فإن صوت المظلوم الضعيف المسكين، هو المعادلة التي يمكن أن تضرب كل هذا المجد الذي صنعته أم كلثوم ونالت به تقدير الجماهير.
القصة معروفة مشهورة وملخصها كما ذكر: عندما قرر طلبة معهد التربية بالهرم إقامة يوم رياضي مع طلبة كلية الفنون الجميلة بالزمالك، أي في المنطقة التي تقع خلف فيلا أم كلثوم، وعند مشي بعض الطلاب من أمام الفيلا خرج كلب ام كلثوم وقام بعضه، وقرر الطالب الذهاب لنقطة الشرطة وتحرير محضر رسمي، وبالفعل تم تحويل الطالب للقومسيون الطبي الذي أثبت إصابته بعضه كلب مدلل اسمه “فوكس” تملكه كوكب الشرق “ام كلثوم” فيذهب لقسم الشرطة ليشتكي. وكان مما قاله له وكيل النيابة بعد أن علم أن الفاعل كلب “ام كلثوم” :
دا كلب الست يا ابني””” و انت تطلع ابن مين.
والبيت الشعري على لسان الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم. الذي استفزه موقف وكيل النيابة الذي يتعين عليه طي الملف، وتنفيذ التعليمات.
لم يسجل نجم حنقه وغضبه على وكيل النيابة وحده، وإنما راح ينتقد موقف الضحية الطالب الساذج اسماعيل الذي وصفه بأنه من أغلب خلق الله، وتغير موقفه حينما راح يفتخر أمام الصحافة بأن كلب الست أم كلثوم عضه، وكأنه قد نال عضة من إسرائيلي أو عدو لمصر، فكتب وقال وأنشد قصيدته التي كانت من أجمل ما غناه رفيق دربه المطرب الثائر الشيخ إمام.
فماذا قال نجم تعليقا على الحادثة؟
لقد أنشد يقول:
ست فاقت على الرجال/ في المقام و الاحترام/ صيت و شهرة/ وتل مال/ يعني في غاية التمام/ قُصره يعني هي كلمة/ ليها كلمة ف الحكومة/ بس ربك لاجل حكمة/ قام حرمها من الأمومة/ والأمومة طبع ثابت/ جوه حوا من زمان/ تعمل ايه الست؟ جابت/ فوكس رومي وله ودان/ فوكس دا عقبى لأملتك/ عنده دستة خدامين/ يعني مش موجود في عيلتك. اسماعين بدال ما يجري/ قال يا رجلي رجلي مالها/ بص شاف الدم سايح/ من عاليها و من واطيها/
راحوا قسم الشرطة طبعاً/ و النيابة كفيلة بيهم/ و اترموا ف الحجز جمعاً/ لما ييجي الدور عليهم/ حبة والشاويش أمين/ قال: "سعيد النقشبندي"/ قام غريم عم إسماعيل/ قال له: "محسوبك يا افندي"/ قام سي سمعة يروح معاه/ الشاويش قال: "غور بدمك/ راح تعوصني" .. وفوق قفاه كف طرقع : "داهية في أمك"/ تفتكر يفضل سي سمعة/ قد إيه في القسم نايم/ استضافه الحجز جمعة/ يا بلاش .. آدي العزايم/ شاف بلاوي ما تتحكيش/ من الجماعة المسجونين/ قال يا عالم يا شاويش/ يا نيابة .. يا مسئولين/ خلصوه بعد المناهدة/ جثه من جحر الديابه/ هي حسبة ساعة واحدة/ كان في مكتب النيابة/ قال له ـ مالك يا اسماعين/ قال له ـ زي البمب مالي/ قال له ـ عضك فوكس فين/ قال له ـ سيبني أروح لحالي/ انت شوف سي فوكس يمكن/ خد تسمم غصب عني/ الوكيل قال برضه ممكن/ و الشاويش قعد يغني/ هييص يا كلب الست هيص/ لك مقامك في البوليس/ بكرة تتولف وزارة/ للكلاب/ ياخدوك رئيس/ انت تسوى ف النيابة/ تسعمية م الغلابة.
وحينما سمعت أم كلثوم بالقصيدة أغضبها، وتوعدت نجم وقالت بالحرف الواحد: حبهدلو حشردو، فقيل لها: إنه مشرد أصلا.
المضحك في الأمر أنني وأنا أقرأ كتاب الأستاذ رجاء النقاش عن أم كلثوم، وهو يتذكر ذهابه لزيارتها لأول مرة في حياته سنة 66 ، وأخذ يصف بيتها وهيئته قال فيما قال: " لا أدري من أين جاءني هذا الإحساس ، بأنني داخل بيت نوراني، فيه الهدوء وفيه الإشراق والناقة الداخلية العميقة" ثم قال: " ولا يوجد في البيت قطط ، ولا توجد في حديقته الواسعة كلاب، كل شيء هادئ، حتى البواب الذي يجلس أمام الفيللا حتى السفرجي الذي فتح لي الباب، الهدوء الأنيق يملأ المكان بالعطر الجميل"
انتهى كلام النقاش، وطبعا واضح بقوة من الحوار أن صاحبنا النقاش، أراد أن يرد عن أم كلثوم تهمة الكلب وموقفه الذي شاع وعضته للمواطن الغلبان المسكين، فأيهما نصدق إذن، كلام النقاش، أم شعر أحمد فؤاد نجم، أم أن أم كلثوم سارعت لطرد كلبها حتى تنفي التهمة ؟
لكن كلام النقاش في نظري كان محل سخرية، فوصف الهدوء لأي مكان لا يشترط لإظهاره أن نزج بالكلب والقطط حتى نثبته ونجسده، كما أن نفيه لوجود القطط لا شأن له بالهدوء، لأن القطط رمز الوداعة والرقة، ولا تشكل أبدا إزعاجا للبيوت، لكن صاحبنا يريد أن يقول للناس : أم كلثوم أصلا ترفض فكرة وجود الحيوان في حتى ينفي التهمة عنها.
لكن لا شك أن شعر نجم كان أقوى في ذائقة الجماهير من كلام النقاش، وبقي في ذكارة المصريين أكثر مما تشيعه سطور النقاش.
وهكذا شاء القدر للناقد الكبير أن يتعرض للنقد من سطوري ومقارنتي ووضعه في موضع المجامل لأم كلثوم.