لم أكن أتخيل أبدًا أن أضع نفسي موضع ذلك الذي يرد على كلب ينبح في عارضة الطريق، خاصة إذا كان ذلك الكلب لقيطًا مسعورًا، لا صاحب له يؤدبه أو يلومه أو يهذبه إذا عدا على المارة، فالرجل العاقل الحكيم، هو الذي لا يلتفت إلى نباح الكلاب.
لكن حينما يتقمص الإنسان صورة الكلب، فيعوي على الناس ويحاول الهب والنهش فيهم بُغية إرهابهم وترويعهم، فلا يمكن للمرء ساعتها أن يقف صامتًا أو مكتوفًا، وينزوي عن نصرة مظلوم، أو يتخاذل متواريا عن سيل الإفك والفرى التي تنسجها ضغائن المغرضين عن الأنقياء الأبرياء الشرفاء.
وصدق من قال: (الحقد يعمي)
نعم يُعمي عن كل شيء، يُعمي صاحبه عن الشرف والضمير والمروءة والخلق والقيم والفضيلة، ويسوقه ليكون أشبه بحيوان مفترس لا هم له إلا دهس الناس، وتشويه سمعتهم، والحط من أقدارهم ومكانتهم.. ورحم الله من قال: (إن الإنسان بدون دين وبدون خلق، هو أقذر وحش على هذه الأرض.)
لاحظت مؤخرًا ذلك العدوان السافر على السيدة الكاتبة الأديبة (غادة صلاح الدين) التي استطاعت بجهودها وطاقتها أن يكون لها حضورها القوي والفاعل في المشهد الثقافي، واستطاع صالونها بصولاته الجبارة، أن يكون معلما من معالم الثقافة في القاهرة، وأن يجسد وحده بين مختلف الصالونات الأدبية والثقافية، منارة الضوء الخاطفة المبهرة، والصوت العالي المدوي، وأن يزاحم أصحاب الأسماء اللامعة والشخوص الإبداعية المعلومة، من ذوي المعرفة والثقافة في المشهد الإبداعي.
ناهيك عن دعمها للمواهب الشابة، ووقوفها بقوة خلف جيل كامل من المبدعين والأدباء تثبت وجودهم وتتبنى مسيرتهم، وتحفز أقلامهم على المضي واستئناف الطريق، في بيئة تتناساهم وتتغافل عنهم.
إنها السيدة التي لم تقدم إلا كل بر وخير ورقي وذوق وإحسان للآخرين، لقد اقتربت منها وعرفتها بدقة، فرأيت فيها كل مظاهر الأدب والسمو والأخلاق العالية والمروءة والشهامة التي تفوق فيها كثيرا ممن ينتسبون لدنيا الرجال.
فماذا فعلت (غادة صلاح الدين) حتى ينالها كل هذا السوء وتقوم عليها قيامة الحقدة المغرضين؟
لم يكن ذنبها إلا أنها استطاعت وبجدارة أن تُثبت نفسها بحضورها وجماهيريتها ونجاحها، لكن هذا الرنين الذي أحدثته، كان صوت عذاب في آذان المغتاظين، الذين لم يستطيعوا أن يبتلعوا غصتهم وكمدهم في أمعائهم، فصاروا يتقيؤون بها على الناس في صورة رذاذ بغيض قذر من الحقد السافر الملعون، الذي يثير قرف المتابعين، فلا يملكون إلا أن يرمونه ببصقات تليق به.
يزعم الرجل أنه من أهل الثقافة والأدب، ولعمري كيف ينتسب للأدب من يرمي الناس بالزور ويهيل عليهم الكره والحقد، ثم يأتي بثالثة الأثافي فلا يتورع عن نيل العرض والشرف، وقد قرأت له بعضا مما قال وكتب، فأسفت أسفا شديدا أن يصدر هذا من إنسان، ناهيك عن دعواه أنه من أهل الثقافة اللهم إلا أن تكون ثقافة الشياطين والمردة المجرمين.
لقد تَعد الحِقد حده، وبلغت البغضاء أوجها، حينما خابت كل مساعي هذا الأتون الذي يغلي غيظًا وكمدًا، ففكر صاحبه وقدر، فقتل كيف قدر، فإذا به يخرج علينا بفكرة جهنمية، ظنًا منه أنها هي التي يمكن أن تقضي على المرأة الشجاعة، التي لم تلتفت لهذا العواء القبيح، فتخيل صاحبنا أنه حينما يرميها بتهمة الأخونة والتمويل الخارجي، ويثير عليها أجهزة الأمن، بأنه قد أحكم عليها كيده، واستطاع اصطيادها وحصارها بِشباكه الماكرة، لكن المخبول لا يدري أنه يصيد نفسه حينما تصور أنه قد توصل إلى مالم تتوصل إليه أجهزة المخابرات والأمن الوطني، والتي أتوقع قريبا أن يناله منها توبيخ وتقريع وربما عقاب محتوم، حتى يكف عن هلوساته، ويكف عن مطر الناس بأحقاده السخيفة.
وعندي أن الأجهزة الأمنية تعرف بدقة، من هي غادة صلاح الدين، وما الدور الكبير الذي تقدمه للثقافة المصرية، وتسهم به في تحضر المشد الثقافي، بل تعرف بدقة حقيقة هذه السيدة المجتهدة المحبوبة، التي لا يوجد في تاريخها أو مسيرتها ما يدعو للتصديق بهذا الهراء وتلك الشبهات والسخافات، التي يرميها به مجنون محنوق محموم، والذي إذا لم يتوقف عن خرافاته، فلربما نلجأ نحن قريبًا للأجهزة الأمنية لتخرس صوته الأرعن، وبوقه الفارغ.. ربما يحدث ذلك قريبًا لو تمادى وأوغل في تماديه.. حتى يحيق المكر السيء بأهله، وينال المعتدي جزاءه وبطريقته وبالفخ الذي يدبره لغيره.
لكن المدهش في الموضوع أن قامة السيدة غادة عالية مرفوعة، لم تنزل أبدًا لتنازل هذا الغر أو ترد عليه، لأنها تدرك أنها أعلى منه، وأن قيمتها يستحيل أن تتساوى بعواء الطريق، ولعل هذا ما يغيظه ويدهشه، ويربكه، ويجعله في حالة مريعة من عدم التوازن، فإذا به يجن جنونه، ويزداد سعاره وصراخه، ويحدث جلبة هائلة، لعله ينال منها ردًا أو لومًا أو عتابًا.
لكن الأديبة على قدر ما تغيظه، فإنها تدهشنا بصمودها وكبريائها وعدم التفاتها للصغار والأصفار.. فلها منا كل التحية والتقدير والدعم والمناصرة.
من رد عن عرض أخيه في الغيب رد الله عن وجهه النار يوم القيامة