قامت الدنيا ولم تقعد، وانقلبت رأسا على عقب، وصار كثير من الناس يتعجبون من هول ما حدث.!
ماذا يا قوم.
ماذا جرى ؟
ماذا حدث؟
ماذا وقع؟
نظرنا يمينا ويسارًا، فإذا بجمع من الأصدقاء، تجلجل صفحاتهم بالسخرية وتصخب بالاستهزاء والتهكم والازدراء، من داعية كبير، وباحث مشهور.!
لا لجريرة فعلها أو ذنبا اقترفه، أو مصيبة حلت به مما جنته يداه.. ولكن كل هذه القيامة العاصفة التي قامت، لأنه تحدث في مسألة عقدية وقال عقبها: (إنني بحثت ووجدت فتوى خاصة بها في موقع الإسلام سؤال وجواب.)
وما أن قال الرجل كلمته، حتى رنت الدنيا وتعالت الصيحات، وضج الليل والنهار، وانزاغت الشمس وانزوى القمر، وتهيأت منصات الاستهزاء والتنمر بالرجل إلى حد لم يكن متوقعا أو مقدرًا.
يا خبر الدكتور أسود، الدكتور العلامة إياد قنيبي طلع زينا وبيبحث في جوجل؟!
لم نكن نعرف أنه مسكين زي حالاتنا حتى يلجأ إلى جوجل في رصد المشكلات وإيجاد الحلول للفتاوى والإجابات.
وقال ثالث: عيب عليك يا معالي الدكتور وأنت رجل مشهور ولك جمهورك، عيب عليك أن تلجأ لجوجل حتى تجيب الناس من المواقع.
ورابع وخامس وسادس وشلالات من اللوم والتقريع للرجل.
ومن المحزن أنها صدرت من المتدينين، ومن هواهم مع النمط الإسلامي.
لكن للأسف حينما تكون النفوس صغيرة والعقول واهية، والفهم ضيقا، فلا أدب يفيد ولا أديب.
مع أن الرجل برأ نفسه وأعلنها صراحة في منشوره الذي كتبه وقال بملء الفم: (لا أريد الدخول في سجالات فإني عن ذلك في شغل شديد)
يعني الراجل يقول بالفم المليان وبصريح العبارة : أنا مش فاضي أعملكم أكل لأن عندي هموم ومشكلات، وذهبت لأقرب محل، واشتريت لكم منه أكل علشان تاكلوا وتتبسطوا.
ولأننا أحيانا نبدو غير أصلاء، ونتغافل عن إعذار الناس، أكلنا وملأنا بطوننا، ثم خرجنا نلعن في الرجل ونشنع عليه ونستهزئ به.!
ولما سئلنا ماذا صنع لكم الرجل: قلنا: تخيلوا المجرم جابلنا أكل جاهز من المحل ومعملوش في بيته، وحاولنا أن نفهم الناس أنه أجرم، وكأنه أتانا بخمر أو لحم خنزير.
نعم وكأن موقع (الإسلام سؤال وجواب) معرة وخزي وعيب كبير أن يلجأ إليه عالم ليرد على فتاوى الناس، وهو موقع معتمد والقائمون عليه علماء أجلاء.
الرجل بحث في الموقع فوجده يقول بمثل ما كان يمكن أن يقول، فما العيب والمعرة في هذا؟! لا أعرف بالتحديد.
ولكني أعرف أن عقولنا تصير أحيانا هواء، وتميل للهدم، وتجنح إلى السخرية من رجل محبوب وله جهوده الطيبة وحضوره الملموس.
الرجل معروف ومشهود عنه حجته العلمية وغوصة العميق في الأحكام والمسائل الدينية، أي نه معلوم لنا قدره وحجمه سلفا، فلما أن لجأ إلى بعض المواقع لأنه مشغول والله أعلم بحاله، أكلنا لحمه ونهشناه وفضحناه وسخرنا منه.
ثم ياليت الأمر توقف عند هذا، بل خرج علينا بعضهم بما هو أدهى وأمر، واستغل الألفاظ في بناء تصورات وهمية من هواه، حينما استنكر الدكتور أن يقول القائلون: (يا رسول الله أنت سندي، وبعد الله معتمدي) واستجلب منشورا قديما للرجل يتحدث فيه عن أمه ويقول عنها: أمي وقرة عيني وسندي بعد الله، فإذا به يلطمه بجملة مدوية ويقول له: (لا تنه عن خلق وتأتي مثله)
وهو يعلم علم اليقين اختلاف معنى لفظ السند في الجملتين والمقامين، فحينما يقولون عن النبي الأكرم أنه السند بعد الله، فهو ما يتعلق بأمر العقيدة والنفع والضر، أما حينما تكون الأم هي السند، فالمعنى بعيد كل البعد عن معالم التوحيد، وإنما قصد الرجل منها أن أمه وقفت بجواره وأعانته في حياته.
أشتم ريحًا خبيثة وراء هذه الهجمة على الرجل، وذلك لا دهشة فيه، لكن الدهشة الحقيقية أن يردد هذا الغثاء وينبعث عطنه من متدينين، يفترض أن يتحقق فيهم معنى الوعي والعذر والفهم الرشيد، لا معنى التنمر والازدراء والاستهزاء.
سحقًا لعقولكم وأفهامكم.