ليس شرطا حينما يكافئك الله سبحانه على خير فعلته، أن يعطيك ويمنحك ويهبك من عطاء الدنيا وجاه الحياة.
بل إن أعظم ما يقابل الله به تعالى صاحب العطاء، أن يكتب له النجاة مما قد يصيبه من الشرور والمهالك والمصائب والسوء.
أذكر أنني منذ ثلاث سنوات، تعرضت لحادث مميت في الشارع، حينما أطاحت بي سيارة يقودها شاب عشريني مستهتر، ينظر في هاتفه ولا يلتفت إلى الشارع فيرى من يمر به، حتى أنني تعجبت وهو قادم نحوي بكل سرعة كيف لا يراني؟!
وما هي إلا لحظة خاطفة وفي أقل من ثانية، حتى صدمني وأطاح بي في الهواء، واصطدمت بالرصيف وارتميت فاقدًا للوعي، ولامست سحب الموت وهي تقترب مني، وشعرت بأجنحته ترفرف على جسدي، لولا لطف الله بي.
المهم.. كان آخر عهدي بالدنيا قبل هذه الحادثة بلحظات يسيرة، حينما خرجت من أحد المولات أشتري منه بعض الأطعمة، وفي حساب الكاشير أعطاني بعض هللات تقدر بريال ونصف، كان ذلك وقت عملي بالمملكة العربية السعودية، وحينما خرجت، وجدت رجلا مسنا فقيرا يمد يده إلي، فأعطيته هذه الهللات ومشيت لشأني.
لم تمر دقائق معدودة، حتى حدث ما حدث، فلم تكن حادثة عادية، أو أنني أهول من شأنها، فقد اصطدم رأسي بحافة الرصيف وأحجاره المدببة، وكسرت تركوتي، وتمزقت أربطة قدمي، وأجريت عملية جراحية عاجلة، تكلفت سبعة مسامير وشريحة.
إنني أعتقد وأومن أن نجاتي من هذا الحادث كانت بفضل هذه الهللات التي أهلتني للحياة مرة أخرى، وأنا هنا لا أرويها من باب التفاخر والرياء، أو مدح النفس بأنني من المنفقين، أبدا أبدا.. فتأثير الموقف في نفسي، أثمن وأعلى من أي محاولة للشعور بالرياء والتباهي.
تذكرت هذه الحادثة حينما روى لي أحد أساتذتي، أن ضابطا أخبره: أنه كان يمر في إحدى المحاكم ووجد امرأة تناديه بصوت عال: يا محمد بيه يا محمد بيه.. فالتفت لها فقالت له: أنا دعيت لك في الحرم المكي وعند الرسول في المدينة، ربنا يبارك فيك ويحفظك، على ما أسديته لي من معروف، فقد كان ابني في قضية ينتظر الحكم عليه، وطلب منك أن تعطيه هاتفك ليتصل بي، فيطمئنني، ومن يومها وأنا أدعو لك.
يقول الضابط لأستاذي: خرجت بسيارتي على الطريق، وما هي إلا ثوان حتى وجدت الطريق يعلو عني بثلاثة أمتار، والسيارة محطمة، وفلاح يقترب مني ويقول لي: انت كويس؟ حرك رأسك، حرك ذراعك، ثم خرجت من سيارتي من حادث لا يمكن النجاة منه أبدا.
لعل هذه الدعوة التي ساق الله سبحانه معرفتي بها هي التي نجتني، علما بأنني لا أعرف ولدها، ولا أذكر ذلك اليوم الذي أعطيته فيه هذا الهاتف.
لكنها لا شك دعوة أم حائرة.