الدكتورة بنت الشاطئ عالمة قوية وعنيفة، وقد كانت لآرائها النقدية تأثير وجلبة، ولعلي أذكر ما فعلته مع كتاب الدكتور مصطفى محمود (القرآن الكريم محاولة لفهم عصري) لقد انتقدت الكتاب ومنهجه مما سبب للدكتور مصطفى محمود إزعاجا كبيرا.
ولعل بنت الشاطئ لجسارتها وقوتها تعد الوحيدة التي هاجمت الأستاذ العقاد أو ردت عليه بتعبير أدق، ورغم أن نقده لها كان عنيفا للحد الذي خرج عن حد النطاح العلمي إلى الغمز الشخصي، لكن يحسب لها أنها نازلت هذه القامة الكبيرة، وحاولت الصمود أمام الجبل الشاهق.
ومع الأيام صار اسم بنت الشاطئ رنانا مدويا، ولمؤلفاتها انتشارا وذيوعا، إلا أنها في بعض كتبها قد قدر لها، أن تنال النقد الشديد في بعض مؤلفاتها ممن هم أعظم علما وأجل قدرا وأفخم أثرا وأمكن بحثا وهو العلامة الدكتور (محمد رجب البيومي) الذي يعد من عمالقة الأدب واللغة الكبار، والذي يستحق بجدارة أن يكون عميدا للأدب العربي الحديث، بل دعا بعضهم أن مكانته تفوق حتى رتبة العميد.
فحين صدر كتاب بنت الشاطئ (بطلة كربلاء زينب بنت الزهراء) أخذ البيومي يُسائل نفسه: ما الذي يمكن أن يضمه ويحتويه هذا الكتاب من مواد، وجعل يتخيل ما يمكن أن تسطره الكاتبة القديرة، فلم يكن يطوف في ذهن البيومي غير هذا الدور التاريخي المعلوم والمحدد الذي مثلته البطلة الهاشمية على مسرح كربلاء.
سارع البيومي لاقتناء الكتاب وقراءته، حتى ينظر ما يجهله من سيرة الهاشمية الطاهرة، وقد ظن حسب قوله أن الدكتورة ستتيح له أنباء جديدة لم يكن يعرفها مما تسطره للقراء، لكن البيومي أصيب بخيبة أمل حينما طالع الكتاب من ألف إلى يائه، دون أن يجد مالم يعرفه عن السيدة زينب.
ومن ثم كان لابد من نقد الكتاب والتلويح بالمادة التي شغلت بها بنت الشاطئ وقت القراء لساعات لا تمت للسيدة زينب بصلة مباشرة.
بدأت بنت الشاطئ كتابها بالحديث عن السيدة زينب بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، وقصة زواجها من العاص، وهجرة زوجها ووقوعه أسيرا في بدر وافتدائها لزوجها وهجرها له لكفره، ثم إسلامه ورجوعها إليه بعد زوال المانع، وكان كل هذا الحديث كما ذكر البيومي يشغل فراغا في الكتاب، وكان داعي ذكره فقط، لإيضاح سبب تسمية زينب بنت علي باسم خالتها زينب، أي لعلاقة الاسم فقط، وهو حديث بعيد تمام البعد عن موضوع الكتاب ولا يمكن لمجرد التسمية، أن تكون داعيا لذكر هذا الكلام الكثير عن زينب أخرى.
لقد تعجب البيومي وقال: " وكنا نتجاوز عن السيدة المؤلفة لو أنها أسهبت في حديثها بلا مناسبة ملحة مرة أو مرتين أو ثلاثا، لكنها تمضي في الكتاب على هذه الوتيرة، فما تكاد تلم بموضوع أو حادثة حتى تسهب في تسجيلها وتسطيرها لأهون سبب، وأضعف داع"
لقد ظلمت المؤلفة كتابها ظلما عنيفا حين أسمته بطلة كربلاء، وكان الأولى بها أن تستبدله بعنوان ينطبق على مدلوله، فلا يصدم القارئ بأنباء غريبة ثم سخر بقوله: " أم أن الكاتبة تحب أن تتحدث في غير موضوع كما يقال؟!"
لقد ذكرت الكاتبة أمورًا بعيدة عن السيدة زينب، وهي وإن كانت تخص أهل البيت والبيئة التي سبقتها، إلا أنها بعيدة عن السيدة الهاشمية التي جاء دورها بعد ذلك بـ 10 سنوات.
لاحظ البيومي اعتماد الكاتبة على بعض الأساطير التي ذكرتها وقالت: لا يمكن إغفالها لوهجها وروعتها، ثم لامها على ذكرها لبعض المصادر التي روت هذه الأسطورة لتوهم القارئ بصدق الأساطير، وكان نقده القاصم وضرب به منهجية الكتاب حينما قال: "إن الذي يحرص على آراء المؤرخين الثقات لا ينبغي أن يلتفت إلى الأساطير والخرافات، فإن فعل ذلك فقد ودع التاريخ والبحث العلمي، وانتقل إلى الفن الأدبي، يحلق في أخيلته ويهيم في أوديته"
صرح البيومي بأن حديثه عن الكتاب مجرد ملاحظات عابرة، وأنه لم يشأ أن يناقش كثيرا من الجزئيات التاريخية، فقد تعرض للملامح الرئيسية من الأساس والتصميم دون فحص أحجار البناء المتراصة، لكنه في النهاية كان له نقده وحديثه الإيجابي عن الكتاب والذي ذكر فيه تميزه بسلاسة أسلوبه ورقة تعبيره التي تجذب القارئ إلى مطالعته في شوق وارتياح، وتحمل آلاف القراء إلى القراءة المثمرة المفيدة، بدلا من أن يعكفوا على قراءة الروايات البوليسية أو العاطفية وما تذخر به الصحافة الماجنة من تبذل واستخفاف.