العلمانيون واليسار وضعتهم الأقدار كثيرًا في موقف فرعون موسى، حينما رباه ونماه ولم يعلم أن فيه هلاكه، لقد هللوا لخالد محمد خالد ود- مصطفى محمود في بداية انطلاقهما الفكري المنحرف عن الإسلام، لم يكتفوا بالتهليل فقط، بل رفعوا من شأن الرجلين إلى حد السماء، ووصفوهما بأوصاف ربعت بهم على عرش الفكر ومجد الإبداع.
فلما حدث الانقلاب في أفكارهم، كانت الضربة موجعة، وتمثل للمشهد مكر الله تعالى بفرعون حينما جعل هلاكه على يد الطفل الذي رباه.
لقد مكر الله تعالى بهم، فكانوا أضحوكة الجميع.
حينما ألف خالد محمد خالد كتابه من هنا نبدأ الذي خالف فيه منهجية الإسلام وتصوره للدولة والحياة، صفق الشيوعيون لخالد واحتضنوه وناصروه، وفتحوا له أبواب الصحف والمجلات ليكتب ويظهر وينتشر.
لقد أعجبهم في خالد فوق أنه صار منهم بفكره ونطقه، فإنه شيخ أزهري، أي أن الضربة جاءت في مقتل، وخرجت اللكمة من حصن الإسلام لتصيب الإسلام نفسه.
فلما حاد عن طريق الغي، غرقوا كما غرق فرعون، لأن كل هذا الرصيد الهائل الذي مدحوا به الرجل ومنحوه إياه، لم يستطيعوا أن يجردوه منه.
وذات القصة حدثت مع الراحل الدكتور مصطفى محمود نفسه، حينما كتب كتابه الله والإنسان، ونطق فيه بأفكار تاب فيما بعد عنها، لكنه حينما كتبه، كان كاتبًا مغمورًا لا يعرفه أحد، وكان الفضل لليسار في شهرته، فقد كتبوا عنه واحتضنوه وعظموا أمره وقلمه، حتى صار حديث الساحة الثقافية وقتها.
لقد كتب (محمود أمين العالم) الكاتب اليساري المعروف يمجد الكتاب وكاتبه، ويمني الجمهور بظهور كاتب موهوب، وما أن رجع مصطفى محمود إلى طريق اليقين، حتى اتهموه بالردة الاجتماعية والفكرية، حتى أنه كتب مرة قصة في صباح الخير عن رجل زبال، فصيره هؤلاء أعظم الكتاب، وجعلوا منه تشيكوف عصره، بل قالوا فعلا: إن تشيكوف ظهر في التاريخ من جديد، حتى أنه نفسه كان معجبًا لهذا التمجيد، مع أنها مجرد قصة عادية جدًا، لكنهم وضعوها في سلسلة الغد، ووصفوها بأنها من عيون الأدب.!
حتى أنه فيما بعد حينما ظهرت قوة مصطفى محمود كمفكر وعالم، تصدى للفكر اليساري وسحقه بقوة العقل والفكر، أخذ بعض أنصاره يقولون لمحمود العالم:
أرأيت ماذا فعل بنا الرجل الذي امتدحته ورفعته إلى عنان السماء السابعة؟ إنك باحتضانك لهذا الرجل ودتنا في داهية!!
ولن دعك من هؤلاء الناس الذين سخرت منهم الأقدار، وطعنهم المكر الإلهي، وانظر إليهم من زاوية أخرى كيف يمجدون أتباعهم وحلفاءهم ويرفعون من ذكرهم ويمدحونهم، كي تقوى شوكتهم وتعلو فكرتهم.. وعلى الجانب الآخر انظر لبعض أنصار الفكرة الإسلامية وبلاهتهم، كيف يتربص بعضهم ببعض، وهم يكيلون التهم والمفتريات، لكل من بدأ نبوغه يظهر، فيحاولون وأده والقضاء عليه، حتى من نبغ منهم وصار عبقريًا مرموقًا، لازالوا يشوهون صورته ويهيلون التراب عليه وعلى جهوده.
لله ما أغبى صنيعكم وما أضعف عقولكم، وما أشد بلاهتكم.
ملحوظة
لا أعني بالإسلاميين جماعة أورتيار بعينه، وإنما كل من ينتسب للهوى الديني.