انظر معي إلى هذا الزوج المسكين الذي رجع من عمله متعبا مهدودا مكدودًا يتعرق جبينه، ويتألم جسده من الضغط والإرهاق.
يسرع الخطى إلى بيته حيث الراحة والاسترخاء والأمان، والدعة والأنس والاستقرار والهدوء، فيجد زوجة متمددة على أريكتها ترسل شعرها وتطلي أظافرها، فيسألها:
أين الطعام، فإني جائع أجهدني الجوع؟
فترد الزوجة بكل برود وتبلد: اصنع طعامك بنفسك، فلست مجبرة على إطعامك، لماذا لا تعد طعامك قبل أن تخرج؟ -مفيش سند شرعي وقانوني يجبرني على الالتزام بالطهي لك، مفيش حاجة بتقول للست: تطبخ والراجل لا.. إنت تطبخ زيي بالضبط، فيه رجالة كتير بيعرفوا يطبخوا-
يقف الزوج مدهوشا مذهولا، من حديث زوجته، ويسألها: ماذا دهاك يا امرأة ومن قال لك مثل هذا الكلام المجنون؟!
فتقول له: الست الدكتورة هبة قطب، هيا اللي قالت وعندها ألف حق.
فإذا به يلعن هبه قطب، وأبو هبة قطب، واليوم اللي عرفت فيه هبة قطب.
لعن الله السوشيال ميديا، التي هوست عقول الناس، فصاروا يخرجون علينا كل يوم بتصريحاتهم المهووسة التي تحمل بالغرائب وترمينا بالمدهشات.
يريد كل منهم أن يكون فارس المنصات، وحديث الصفحات، وضيف القنوات، فما عليه إلا أن يخرج بتصريح صادم، حتى تكون له صدارة التريند.
ليس كل ما يعرف يقال، وكلام مثل هذا من شأنه أن يضر بمجتمعاتنا التي قامت على التعاون والتآزر بين الرجل والمرأة لضمان حياة سعيدة، وإيجاد بيت ناجح مشرق.
إن مثل هذه التصريحات تحرض الفتيات على التمرد والخروج عن طاعة الزوج، بل تحرضهن على خراب البيوت التي لا تقوم إلا على ساعدي الرجل والمرأة.
ما معنى أن يرجع الرجل من عمله متعبا فلا يجد لقمة هنية من يد زوجته، التي يفترض أن تكون أسمى سعادتها في إكرام زوجها وإعداد طعامه؟
ما معنى أن يعيش الرجل في بيت متسخ قذر لا تقوم المرأة بتنظيفه، بما يرجع إلى ذوقها وتعتمد فيه على فنها ومهاراتها.؟
إن المرأة التي ترفض هذا وتتقول به، تتمرد على الفطرة والطبيعة وتقذف بالمرأة في عالم من الشذوذ المنكور.
إن هذا السعار الذي غرقنا فيه من تصريحات هوجاء تصدرها عقول حمقاء، لا تعرف أسس السعادة الزوجية، أمر له أضراره الجسام.
ومن العجيب أنهم يرجعون في هذه الحجج إلى كتب التراث الفقهي، التي امتلأت بمثل هذا وأكثر منه، وجعلت المرأة في بيتها ملكة متوجة، لقد صارت اليوم كتب التراث والنقول منها أمرا جميلا يجب اتباعه والعمل به.
ولكن أين الرحمة والمودة، والسكن والشفقة، وأين التعاون والتآزر في بناء بيت سعيد لا تقوى عليه يد واحدة.
ثم ماذا لو بحث كل من الزوج وزوجه على حقوقهما؟
كيف يكون الحال إذن؟
الزوج ينعزل بحقوقه عن المرأة، والمرأة تؤكد حقوقها بعيدة عن الرجل، وتكون النتيجة المحتمة بيت نافر يغط في أنانية سحيقة، تقتل فيه كل معاني الحب والإخلاص والوفاء.
سحقًا سحقًا لهؤلاء الجهلاء الذي يرمون في أذان فتياتنا هذا الغثاء الذي يحيي أفكارا نتنة تؤجج الفتن والهجران وتثير المشكلات ودواعي الطلاق.
يمكن للمرأة أن تتمسك بحقوقها فلا تعد طعاما أو تربي طفلا أو تنظف مسكنًا، يمكن لها أن تطالب بكل ذلك.
وأنت كذلك أيها الرجل من حقك ابتداء أن ترفض الزواج والارتباط بامرأة لا تفعل أي شيء ولا تجيبك إلى أي شيء إلا في متعتها وفراشها.. من حقك أن تعتزل الزواج حتى تخضع المرأة وتأتي صاغرة ولا تقبل حتى أن تكون زوجة مطيعة فقط، بل خادمة صاغرة ذليلة، خوفا من شبح العنوسة المفزع المهين.
وهكذا ندخل في أتون صراع يفسد الحياة ويطرب به المجتمع، ومن جهة أخرى، تثور الغزائز، ويبحث الناس عن الحرام والخنا، بدلا من الحلال والعفة.
إن ما يحدث من هذه العقول التي تطرح فكرا آسنا دون النظر لطبيعة الحياة والمجتمع، إنما تبث سمومًا قاتلة، تهلك الإنسان وتسوقه لمرارة الحياة.