ليأتي العلمانيون في وزارة الثقافة الذين كانوا يحتفلون في عهد مبارك بمرور 200 سنة على الحملة الفرنسية على مصر، بدعوى أنها كانت حملة التنوير والتهذيب الحضاري.
ليأتي هؤلاء اليوم ويشاهدوا ماذا تفعل فرنسا وهي تهين بلادهم وحضارتهم وتدهسها بأقدامها.
لقد أثارت صورة تمثال لجان فرانسوا شامبليون بإحدى الجامعات الفرنسية، وهو يطأ فيه رأس أحد ملوك مصر القدامى، غضب المصريين على وسائل التواصل الاجتماعي، مطالبين الجهات المعنية بالتحرك الفوري لإزالة التمثال.
ولكننا هنا يجب أن نتجه اتجاها آخر لنذكر ذلك الرجل العجيب الغريب الذي تقلد زمام الثقافة في مصر ومن معه من أذناب التغريب ما زالت أصواتهم تعلوا إلى اليوم، وقد كانوا يستميتون في تحسين صورة الاستعمار الغربي أمام الشعوب الجاهلة الضعيفة، حينما تُخيل لهم أنهم يمكن أن يقلبوا الحق باطلا والباطل إلى حق.
إن ما حدث في مصر وقتها أعجوبة زمنية، لا تليق أبدا أن تكون كينونتها في مصر وعلى يد مسؤول فيها، لأن مصر عاشت وظلت رمز الثورة على الظلم الطغيان، الذي حمله الاحتلال لشعبها البطل المجاهد من أجل حريته.
نابليون (الحقيr) ارتكب جرائم بشعة ضد المواطنين المصريين الذين ثاروا ضد حملته الآثمة، ويقال: إنه أباد أكثر من ثلثي سكان القاهرة.
وكان القادة الفرنسيون أنفسهم يعترفون في رسائلهم التي يتبادلونها بالفظائع التي ارتكبوها لقمع ثورة المصريين لدرجة أن أحد الجنرالات يدعى "برتيه" كتب في رسالته لنظيره "دوجة": "لقد نكلنا بالثائرين في مذبحة رهيبة فسادت السكينة وقتلنا منهم ما يقارب ألفين إلى 3 آلاف ثائر".
كما أمر الطاغية نابليون بقطع رؤوس جميع المساجين حاملي السلاح، وأرسل الجثث إلى شاطئ النيل فيما بين بولاق ومصر القديمة وإغراقها في النهر، كما أسرف الفرنسيون في القتل لدرجة أنهم لم تأخذهم رحمة حتى بالنساء.!
وضرب القاهرة والأزهر بمدافعه
كما دخل الأنجاس ساحة الأزهر الشريف بخيولهم، ودنسوه وتبولوا في أركانه الطاهرة ودهسوا المصاحف وكتب العلم بأقدامهم وسنابك خيولهم وتبولوا كذلك عليها.
ما حدث كان ادعاءً سخيفا غير مقبول بأن الاستعمار الأوروبي لبلدان العالم الثالث كان رسالة إنسانية هدفها تمدين الشعوب البربرية وإنقاذها من ظلمات العصور الوسطى وبراثن الجهل والتخلّف.
وقد ذُكر أن فرنسا دفعت سابقاً أموالاً لمساعدة مخرج مصري شهير في إنتاج فيلم عن الحملة الفرنسية في مصر ودورها التنويري، ومولت أيضاً استخراج أسطول نابليون الغارق من أمام شواطئ الإسكندرية مثلما دعمت احتفال مرور 200 عام على حملة بونابرت في الشرق العربي.
إن الشعب الذي يكفر بدماء أبطاله لا يستحق الكرامة والعيش في الحياة، وقد ألحت الجزائر على فرنسا مؤخرًا أن تقدم لها اعتذارًا رسميًا، أما نحن فإن العلمانيين المصريين الذين يزعمون أنهم أيقونة الوطنية وحب مصر، يريدون منا أن نقدم نحن اعتذارا لفرنسا لأننا قاومناها ولم نقبل باحتلالها.!
أرأيتم كيف يكفر العلمانيون بالوطن والوطنية؟ أرأيتم كيف تهون الوطنية في أعينهم، أرأيتم كيف يهينون تاريخ مصر ونضال شعبها العظيم؟!
ما الذي دعانا اليوم أن نتحدث عن هذا الأمر ونحيي ذكراه المؤلمة؟
لقد أثارت صورة تمثال شامبليون حفيظة كل وطني.
وعلى الذين يدعون بأن احتلال فرنسا لمصر كان نقلة حضارية، أن ينظروا لفرنسا وهي تدهس حضارتهم وتهين رمزيتها، بل تطأ هذه الحضارة التي طالما اعتز بها كثير منا تحدت قدميها.
نهيب بالدولة أن تتحرك لتجلب لنا احترام مصر، وهيبة مصر، وهي جديرة بذلك.