كتب التراث التي تمتلئ بالحكمة والجمال والإبداع والعلم والأصالة وتعكس عظمة هذه الحضارة ورقي عصورها وعهودها السالفة، قد ناصبها العداء كل حاقد على الإسلام من العلمانيين واليساريين.
بل شهدت الحقبة الأخيرة تنمرا واضح على التراث وفرائده، فظهر مجموعة من الغثاء يتعقبون بعض الجمل في بطون الكتب التراثية، ويقيمون حولها المصائب والمآتم، وليظهروا للناس معايب التراث وكتبه ومن ثم الدعوة إلى هجره والبعد عنه وطمس وجوده.
والمأرب لا شك واضح وهو محو أي دليل يقوم في نفوس الناس على عظمة حضارتهم الماضية ورقي علمائها وارتفاع آدابها وثقافاتها.
وسبحان الله فنفس الموقف من التراث يتغير بقدرة قادر إذا كان الحديث عن الفتوحات المكية لابن عربي، أو كتاب الأغاني للأصفهاني أو كتاب ألف ليلة وليلة.
فترى قطاعات من التنويريين يهبون هبة الأسود ليدافعوا عن التراث وكتبه، ويطالبون المعادين لهذه الكتب بحرية الفكر وعدم وأد الآراء.
ففي الوقت الذي يدعون فيه أن كتب القدماء تصور عقول أصحابها السالفين فقط، ولا تضيف إلى الحاضرين شيئا مهما، إذا بهم وعلى نهج سادتهم الغربيين يقتنون ويرجعون إلى مؤلفات الغرب التراثية ويعتبرونها من أثمن وأقيم ما في الحياة، مثل مؤلفات أفلاطون وهوميروس وسقراط وهيرودوت، ومع أن هؤلاء أيضا من جنس الأقدمين إلا أن الموقف تغير تماما ولم يخضع للحجة المقامة!
ومن المذهل والمحير ما كان من أمرهم قديمًا، من واقعة منكرة حينما هبوا على قلب رجل واحد وثاروا ثورة عنيفة، ولجؤوا إلى المسؤولين وهم يضجون فزعون، يوم صادرت النيابة في مصر طبعة من طبعات كتاب ألف ليلة وليلة، قد كثر فيها البذاء الوقح، وحشيت بعض أوراقها بألفاظ وتعابير المومسات والزناة والسواقط، وقرار النيابة محترم سليم ينقذ المجتمع من التبذل والانحدار الأخلاقي، وكان الظن بمن يزعمون أنفسهم مثقفون وقادة الرأي في البلاد أن يباركوا القرار
لكن أعداء التراث بالأمس صاروا بين عشية وضحاها من حماته ودعاته والمنافحين عنه، تحت دعوى حرية الإبداع والرأي ووجوب نشر التراث.
وكتاب ألف ليلة وليلة تراث شعبي ألفته عصور ممتدة ورجال متعددون، وتابع فيه الناس فأخذوا يزيدون ويضيفون، وكان من الواجب تهذيب الكتاب حتى لا يكون كتابا داعرًا يحمل صورًا ماجنة تُسهم في إفساد الجيل.
لكن القوم صرخوا يستنجدون لحماية النسخة الساقطة وطالبوا بالإبقاء عليها لأنها تراث.
وهو عكس الموقف حينما ينشر تراث الجاحظ وأبي حيان والغزالي وابن حزم