تابعت التصريحات الأخيرة للرئيس السوري أحمد الشرع عن مصر ومقارنتها بغيرها، وأرى أن كثيرين وخاصة بعض تجار الوطنية الزائفة، استغلوا حديث الرجل ليؤججوا محنة بين الشعبين السوري والمصري، قد ذهبوا بالكلام بعيدا بعيدا، وحملوه أكثر من طاقته، فالرجل كان موضوعيا جدا في الحديث، ولم يخطئ في حق مصر او يهين شعبها وقيادتها، وإنما كان يتحدث عن وضع اقتصادي ونهضوي نحن نعلمه أكثر منه، ونحن وإن كنا نحاول النهوض ببلادنا فهذا لا يمنع أننا مازالت أمامنا أشواط كبيرة حتى نكون في مكانة مادية واقتصادية نتماثل بها أمام الدول التي ذكرها الشرع.
وبمزيد من الحيادية، لو أنني سألت المصريين الهائجين على تصريحات الشرع: أي البلاد أكثر امتلاكا للإمكانات والموارد وعوامل النهوض والتصدر العالمي في التصاعد الرقي التنموي، مصر أم الإمارات والسعودية؟
لاشك أن المسؤول سيجيب بلا تردد الإمارات والسعودية، علما بأن هذه الاجابة لا تعني تقصير السلطة في قيادة البلاد أو أنها نقد حاد لمسيرتها في التطوير والتقدم، ولكن القضية أن هذه البلدان تمتلك من الثروات الضخمة ما يؤهلها لان تفعل كل شيء يضعها في مسارات التقدم.
هذه الدول تنفق بأموالها على كثير من بلدان العالم وتساعدهم ونحن منهم، فلم الغطرسة إذن والهروب من واقع معلوم مشاهد.؟
لماذا لا يقر المطنطنون بقبول الحقيقة، ويصرون على أن الرجل أهان بلادنا ووطننا وقيادتنا ليقيموا محزنة يلطمون فيها؟اللهم إلا أن يكون قصورا في الفهم والاستيعاب.
مصر دوله عظيمة وشعب كبير وله القيادة والريادة، وكان يقود الأمة في كثير من الحقب والفترات، لكن المال والثروة قلبت كثيرا من الموازين، فكيف ننكر هذا كله ونغالط أنفسنا.
وسؤال آخر: هل تستطيع مصر بمقوماتها ومقدراتها أن تقدم المساعدة لدولة أو تنفق الملايين والمليارات في بناء المجتمعات؟
الجواب لا .. فوضع مصر لا يسمح لها بهذا، بينما تستطيع الدول الخليجية فعل هذا.
ولعلي هنا كمواطن مصري أن أغتنم الحادثة لأطالب حكومتي وقيادتي بحل مشكلة عويصة، وخاصة أنني عشت في السعودية أكثر من عقد من الزمان، وكنت شاهدا على التطور والتقدم والانطلاقة الكبير في الانظمة والمعاملات الحكومية.. فعندنا في مصر حينما أذهب لترخيص سيارتي يكون هذا اليوم هو أتعس يوم في حياتي، ويكون يوما من الممكن أن يتسبب في كراهيتي لا لبلادي وإنما للكون كله، بما أرى من التعقيد والروتين الغبي، والموظفين الفسدة المتغطرسين، والزحام الذي يهدر آدميتي، والمواطنين المرتزقة الذين يحيطون بالمكان ليستغلوا أمثالي، وأظل طوال اليوم تحت الشمس الحارقة التي لا ترحم، وحينما يقدر أن أنتهي، أشعر أنني ولدت ولادة جديدة، وأنه قدرت لي النجاة من مغص كئيب تعاني منه نفسي.
كل هذه المشاعر المرهقة أجدها في هذا اليوم الكريه، وفي كل خطوة ولحظة أشعر فيها بمرار هذا اليوم، أتذكر ذلك الماضي القريب حينما كنت أعيش في المملكة السعودية، وأنهي هذا العمل في لحظات وعبر الهاتف وأنا جالس في بيتي وعبر حسابي البنكي، ولم يكن يكلفني اي تعب او إرهاق، حتى فحص السيارة كنت تشعر انك في رحلة ترفيهية، فأنظمة الدولة تعتمد التقنية الحديثة والتكنولوجيا العصرية في إنجاز تلك الأمور، وكم تمنيت أن أرى بلادي على هذه الصورة الكريمة الوضيئة.
إنني أنادي حكومتنا وقيادتنا أن تتنبه لهذه الأمور وتسير فيها بالتطور المنشود الذي يريح المواطنين، وينهي من حياتهم أغلس يوم في التاريخ.. يوم ترخيص السيارة..
وأعود فأقول: ليس عيبا ان يكونوا اكثر تطورا منا، بل العيب أن نطل نحن كما نحن بلا تطور ونهوض، وأعتقد أننا في القريب قد نكون على ذات الطريق.. لكن الانصاف يقتضينا أن نقر بأن الشرع لم يخطئ.





































