قد يمر في حياتك أناس ترى فيهم كل معاني السمو الإنساني، والنبل والكرم والمروءة والشهامة والرجولة والحكمة والرشد والفضيلة والطهر العظيم.. تتذكرهم وتستعيد مواقفهم وأيامهم، وتتمنى لو يبعثوا من القبور مرة أخرى، لتقبل أيديهم وتتبرك بوجودهم.
إنه الوالد الحبيب والراحل الكريم عم الحاج (عبد العزيز علي) أو كما كنا نلقبه صغارا وكبارا (عم الحج عبد العزيز) الذي مر على رحيله سنوات طوال.
كان هذا الرجل أعز الناس إلى والدي، وأقربهم مودة إلى أسرتنا، وكان بيته بيتنا، وبيتنا بيته، وكان في مقام الوالد احتراما وإكبارا وأبوة حقيقية.
وأبناؤه اليوم رغم ما باعدت به بيننا الحياة والأيام، إلا أننا نشعر أنهم إخوتنا وأهلنا، وبيننا وبينهم رباط عظيم، وذكرى لا يمحوها النسيان.
كان رحمه الله حاني القلب، كريم الأصل، رحيم النفس، مربيا فاضلا، محبا للعلم، متذوقا للقرآن، دمث الخلق، حسن المعشر، أنيس اللقاء، كنت تحب الجلوس إليه، والاستماع إلى حديثه، وكانت له قراءته الخاصة من المواقف والأحداث التي قد تمر على العقول دون أن تستوقفها وتتأمل فيها، فكان له معها محطات يستلهم منها العبرة، ويستنتج منها الدرس والحكمة، فيقرأ فيها ما خفي على من حوله من لمسات وإشارات دقيقة.
كان من بصيص حكمته وثاقب نظره، أننا ونحن صغار ما أن نسمع بزيارته لنا وكانت معي أختي التي تكبرني بعامين، نهلل ونفرح وننتشي، وترتسم على وجوهنا وأفعالنا بسطة فسيحة من السعادة الغامرة، فكان يقول لوالدي: لقد علمت محبتكم لي من خلال الأطفال الصغار، الذين استلهموا هذا الحب من حديثكم عنا، ولو أنكم تتقولون بغير هذا أمامهم، لانعكس السوء علي وجوههم وما كان منهم هذا الإقبال.
كان هذا الرجل، يمكن أن تشعر فيه أنه من زمن نادر، ونفس نادرة، ما عادت الدنيا تعرف لها نظيرا.. فيه من صور العجب ما تتحير له، فعلى قدر طيبته وحنوه، إلا أنه حازم في المواقف التي تتطلب الحزم.
كنت معجبًا بأسلوبه في تربية أبنائه القائم على الحوار، وإزكاء المعاني التربوية القويمة، ودقته في مراقبة ما يصدر منهم من سلوكيات ومواقف، فيُعلم ويُرشد ويقوم، ويرسم الصورة المثلى للتصرف المطلوب.
كان علاقته بالله قوية، وذكره له حاضر، وكان يحب الثقافة والعلم، وكنت أستمع إلى حديثه مع والدي، حينما يكون في زيارتنا أو نكون نحن في زيارته، فكانا يتكلمان في كل شيء ثمين طيب مثمر، فتتنوع مسامراتتم في الدين والسياسة والحياة والتاريخ وكل شيء
فكنت إذا جلست معهم تتعلم كثيرا منهم.
عقل وخبرة وحكمة.
في مدينة بورسعيد الباسلة، حيث كان يقيم رحمه الله، وكلما ذكر أمامي اسمها، تذكرت أبي الثاني، لأنه يعني لي بورسعيد، وبورسعيد تعني لي عم الحاج عبد العزيز.
كان يحرص دومًا على صلاة الفجر، ويجلس ليقرأ القرآن حتى ينبلج الظلام ويسطع نور النهار، هكذا كنت أراه.
كان يحدثني وأنا طفل صغير يسألني ويحاورني، وكأنني رجل كبير.. كان يحب الفكاهة والمعنى الجميل، ويظل يستذكره ويعيده، ليكون مما يروقه من الطرائف.
كان قمة في الذوق والنباهة والشعور والكرم والرفق.. بل كان المثل المقدر في الإيمان واليقين.
رحم الله الوالد الكريم عم الحج عبد العزيز وغفر له وأحسن مثوبته.
ومحبتي لأبنائه الكرام.
Medo Ali
Lobna Ali