ما كنت أعلم أن تُحدث لقطة القطة التي اعتلت كتف الإمام، كل هذا الصخب والجدل والتناحر والاختلاف والتصادم والتخاصم الذي يشبه زلزالا حل بعقولنا التي انقسمت بين مؤيد ومعارض، بين مسفه ومنبهر، بين مصفق وساخط.
أدرج لنا بعضهم صورة الشيخ أسامة الازهري وهو يداعب قطه، وقال لنا: لماذا لم تهللوا للشيخ أسامة؟ وقد نسي أو تناسى صاحبنا، ذلك الفرق الكبير بين رجل أتته القطة راغبة، وبين من ذهب هو إليها، فرق بين الأمر الطبيعي والمشهد المتكلف المصطنع، فرق حتى بين رجل مسؤول لا يتعاطف الناس معه، ورجل بسيط ملك حب الناس، بل غفل محاورنا عن طبيعة الصورتين، حين عبرت عنها الحالة القدسية في قراءة القرآن، التي جعلت الشيخ يترك القط ليفعل ما يشاء، وبين الحالة الطبيعية التي يمكن أن يفعلها اي أحد حين يداعب قطة يراها.. بل فِعل القط نفسه الذي كاد يقبل الشيخ ويحتضنه لو كان له ذراع وهو يقوم بلعقه والتمرير على خده
وأتى أحدهم بصورة لتمثال بوذا والقطة نائمة في حجرة، وأنا أعجب لمن ساق لنا هذه الصورة وهو يعلم أنها لجماد لا روح فيه، فالقطة لم تتعاطف مع بشر حتى نعظم مشهدها ونعتبر منه.
وفريق ثالث، أخذ يلومنا ويعنفنا ويندب علينا ويولول ويصرخ، من أننا نسينا الأقصى وآلامه، والمسلمين وجراحاتهم، ووقعنا في فخ التفاهة، وجرينا وراء السراب واختزلنا الرحمة الإسلامية في هذا المشهد الهين، وابتعدنا عن رحمة الانسان بأخيه الانسان التي نفتقدها هذا الزمان.
وقال آخر :مشهد عادي يحدث في بيوتنا كل يوم.. وهذا فعلا ملموس وواقع، ولكنه نسي أنها أرزاق وأقدار، فأنت رجل وغيرك رجل، وقد يرزق الله من يماثلك في الرجولة ويفضله عليك مالا وعطاء، وكذلك قدر الله لهذا الرجل ان يشتهر ويذيع أمره من شئ عادي.
وقال آخر ناهرا كل معجب بالحدث: ويحكم هل تزايدون على إسلامكم، وهل تنتظرون مثل هذا الموقف لتحترموا دينكم وتعلموا أنه دين الرحمة.
وكان آخر ما أدهشني هو الادعاء بأن من يقف وراء تصدير هذا المشهد، هو اللجان الالكترونية لجهة ما، والحق أنني أتعجب وأندهش من هذا القول أكثر من غيره، فما علاقة اللجان ومصلحتها من مثل هذا الخبر، الذي تناولته وكالات الانباء العالمية والقنوات الفضائية، ولم يكن من عمل اللجان.
هل تتخيل أن يحدث كل هذا الزلزال المريع، ليبرهن على أننا أمة هاوية، تصَّدع بنيانها واختلف ذوقها وقرارها ووعيها أمام حدث إنساني بسيط، وبدلا من أن تغتنمه لخدمة دينها، راح بعضهم يتفلسف، ويتحذلق، ويصب علينا من اعتراضه اللوذعي ومنطقه الكبريتي، مؤنبا موبخا لأذواقنا التي انجرفت مع من انجرف، وانخدعت مع من انخدع. والموضوع من أساسه بسيط هين، والأقصى مشكلته قائمة منذ عقود، لن تحل لو غفلنا عنها دقيقة في أمر يدلل على سماحة ديننا، وعندي أن التفاعل مع أي شئ يخدم الاسلام في ظل هذا الزيغ والتيه، هو شئ إيجابي مستحسن، لا يضر بل ينفع كثيرا.. تمسكوا بأي شئ يخدم دينكم، في زمن تتنكر الدنيا كلها له.
اللقطة جميلة مثيرة، تأسر الذوق والجمال لا أكثر ولا أقل، فكل من تفاعل معها يجب الجمال وينتشي للذوق، ويقدر مشهدا طريفا لطيفا.
ارحمونا من تفتقاتكم وفلسفاتكم المريعة.
أعجبني جدا ما قاله الصديق أمير أبو العلا:
(عندما تنفق ماكينة الإعلام العربي والعالمي ملايين الدولارات للسخرية من الدعاة وأهل القرآن وتشويه صورتهم ..
ثم تأتي قطة صغيرة على حين غفلة، فتدمر مشروعهم وتبدد ملايينهم، وتنقل صورة جميلة ناصعة البياض عن أهل القرآن !
فسبحان من أرسلها وجعلها للناس موعظة.)
﴿ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾