تكون مخطئا جدا لو أنك ظننت أن كل من يقرأ يكون بالضرورة راقي الخلق سامي النفس رقيق المشاعر.. أبدا أبدا، فلقد حفل التاريخ بقراء لم يكونوا سفلة في نطاق أنفسهم فقط، وإنما كانوا على أعلى درجات الوحشية والغدر والخسة والطمع والإضرار بالإنسانية.
ونحن هنا لا نتكلم عن كل الألوان المقروءة، ولكني أخص بالتحديد ميدان الأدب، فقد يشاع عمن يقرأ فيه أنه عالي الذوق رهيف الحس، راقي المشاعر، يؤلمه أن يرى كل ما يؤذي الإنسان ولو كانت لدغة بعوضة.
هذا لعمري هو المعروف والمتوقع والمعقول والمأمول، لكن ما بالنا ونحن نرى طغاة عرفتهم البشرية، وأنَّت من شرورهم وأكدارهم، كانوا من عشاق الأدب وذواقيه، وقرائه والمسارعين إليه وإلى كتابه.. هل تعلم أن هذا المجرم الطاغية السفاح نابليون، كان من عشان الأدب ومحبي الأدباء، إذ روي أنه كان يحب برناردين سان بير صاحب بول وفرجيني التي ترجمها المنفلوطي فيما بعد تحت عنوان الفضيلة، كان يحبه ويغدق عليه، ويقرأ روايته، وقلده وسام الشرف وكان يقول له كلما لقيه: متى تؤلف لنا رواية ثانية يا برناردين؟
ونابليون نفسه الذي عشق كتابات برناردين، عشق وهام كذلك برواية آلام فرتر للأديب جوتة، حتى قيل أنه قرأها سبع مرات، وكان يدعوه للحديث عنها والنقاشى فيها، وأنه اصطحبها معه في احتلاله الغاشم لمصر، وكان في الوقت يقتل في الأبرياء والآمنين من شعب مصر، كان في الوقت نفسه يقرأ آلام فرتر لجوته..
وهكذا بدلا من أن يهذبه الأدب كان يزيده طغيانا ووحشية.
الرئيس ناصر نفسه كان من عشاق الأدب، وكان يدمن توفيق الحكيم ويحفظ جملا من كتابات خالد محمد خالد ويرددها في خطاباته الجماهيرية، وكان يقلد توفيق الحكيم الأوسمة والنياشين، ويعليه على كل الأدباء، لكن الحكيم لم ينطل عليه هذا التمييز، وكان أول من انتقد ناصر في كتابه عودة الوعي، وبين كيف أضر الرجل بمصر وشعبها.