آخر الموثقات

  • شبح عبدالله بن المبارك تعري أشباح النفوس
  • دعوة الرجل الطيب
  • بين غيم السماء وضجيج الأرض
  • العام 2050
  • يوم غريب في حياتي
  • المتحدثون عن الله ورسوله
  • قصة قصيرة/.المنتظر
  • قصتان قصيرتان جدا 
  • سأغير العالم
  • كيف تعلم أنك وقعت في الحب؟
  • التأجيل والتسويف
  • فأنا لا انسى
  • احترام التخصص
  • 2- البداية المتأخرة لرعاية الفنون والآداب
  • يعني إيه "الاحتواء"؟
  • يا عابرة..
  • رسائل خلف السحاب
  • صادقوا الرومانسيين
  • ربي عيالك ١٠
  • من بعدك، كلامي بقى شخابيط
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة حاتم سلامه
  5. القاض الذي انتصر لغزة

القاضي الذي انتصر لغزة وأنصف الحرية والشرف والضمير والعروبة

----------------------------------------------------------

قراءة في أروع ما صدر مؤخرًا من أدب السيرة الذاتية.. مع كتاب (قاض من مصر) للمستشار الأديب بهاء المري.

--------------------------------------------------------

 

كثرت الكتب، وكثر الكتاب، كما كثرت العناوين، وبين الحين والحين أتفقد وأتطلع إلى ذلك الكتاب الذي تسعد فيه نفسي وتنتشي معه روحي، وتكون تلك اللحظة التي أجده فيها حتى أتفرغ له وأعيش معه لحظات كتلك اللحظات التي يعيشها ويقضيها حبيبان عاشقان.

ولأنني من المفعمين بحب التراجم والسير الذاتية والمغرمين بها، فقد أرسل إلي معالي المستشار الكريم (بهاء المري) سيرته الذاتية فور الانتهاء منها، كان الكتاب كبير الحجم، ودائما ما أزهد في الكتب الكبار، إلا أنني اعتزازًا بصاحبه وتقديرًا له أخذت في القراءة، فإذا الصفحات كأنها مغناطيس تشدك كل منها إلى التي تليها، حتى أتيت على الكتاب كله وأنا في قمة الإبهار والشعور بما يشعر به القارئ المحب حينما يجد كتابًا وهب له أوقاتا سعيدة ومثيرة ومدهشة ومُعلمة.

غصت في هذا الكتاب وأمعنت في تفاصيله ومحتواه، وكانت لي كلمتي التي أعبر بها عن رؤيتي له وتقويمي لملامحه، كما فاجأني معاليه بما لم أكن أوقعه أو أتخيله حينما شرفني بكتابة مقدمة لهذه السيرة ليكون اسمي مصاحبا لهذه الرحلة الفاخرة لحياة مليئة بالكفاح والتحدي والعبر المذهلة.

لكنني ابتداء وقبل كل شيء، وفي ظل المحنة العاتية التي تمر بنا وبأمتنا هذه الأيام وهي محنة غزة، كان لابد أن تكون نقطة الاستهلال التي ألوح بها في مطالع حديثي عن هذا الكتاب العالي قدرًا وقيمة. 

نعم إنها تلك القضية التي انتصرت لأهل غزة، واستطاع المري بها أن يشرف تاريخه وضميره وعدله، بل يشرف القضاء المصري كله، حينما انتصف للعروبة والحرية والشرف. 

قصة الغزاوية تلك المرأة الفلسطينية التي ضبطتها الشرطة المصرية وهي تهرب السلاح من مصر إلى غزة في زمن سابق عام 2010م انتقاما من العدو الذي أهانها وعراها وبناتها أمام أولادها، وضرب أبناءها، فعزمت على الانتقام، فكان حكم البراءة مصيرها رغم ثبوت جسم الجريمة واعترافها بتهريب السلاح.

إنه كتاب (قاض من مصر) الذي كان موعدنا مع قراءته ونقاشه وتقويمه على مدار أكثر من ثلاث ساعات وبحضور نخبة من النقاد والكتاب البارعين في مكتبة الدقي بالقاهرة، واستضافة أقيم صالون أدبي في مصر (صالون غادة صلاح الدين). لصاحبته التي لها الباع الطولى في إنعاش الساحة الأدبية والثقافية الكاتبة والأديبة الموهوبة غادة صلاح الدين  

أعتبر أن كتاب (قاض من مصر) من أروع ما ظهر من كتب أدب السيرة الذاتية في الآونة الأخيرة، والذي سطره هذا القاضي الأديب المرموق الذي عرف العامة والخاصة أسلوبه، وأطل عليهم بأدبه من خلال حكمه في قضايا الرأي العام الشهيرة في المجتمع المصري.

والحقيقة أن لي بعض الوقفات مع ملامح هذا الكتاب، أحاول من خلالها أن أستجلي معالم الجلال والبهاء والإبداع والسمو من خلال هذه الرحلة العمرية المباركة.

ملامح السيرة

---------------------

- تحمل هذه السيرة دون غيرها أو تميزت دون غيرها بأنها مشحونة بقدر هائل وكبير من التشويق والإثارة، وفي الوقت الذي يبحث فيه كثير من الكتاب على إيجاد وخلق عنصر التشويق والإثارة في كتبهم، إلا أن هذه السيرة شُحذت بهذا العنصر من جلدتها إلى جلدتها، وما ذلك إلا لطبيعة عمل صاحبها كقاض ووقوفه على مشاكل الناس وقضاياهم الخطيرة المثيرة.

- تصاحب هذه السيرة محطات تاريخية من حياة مصر، مما يعطيها بعدًا وطنيًا ملموسًا، كموت عبد الناصر، وحرب أكتوبر المجيدة، التي أوعزت بالحس الوطني الذي نما في ظلاله مؤلف الكتاب وقت أن كان طبيا.

- الكتاب مليء بالمواقف التربوية العظيمة الجليلة التي يمكن أن نتعلم منها الكثير والكثير في سلوكنا الحياتي.

- المعاني الإنسانية الذاخرة التي تعج بها هذه السيرة، مما يجعلها كتابا يخاطب ضمير الإنسان ووجوده وعقله، بل يخاطب المجتمع الذي انحدر كثيرًا بالإنسانية حتى ليخيل إليك أننا نعيش في الغابة التي يستقوي فيها القوي على الضعيف.

- ارتبطت السيرة بحياة المجتمع وأحوال الناس وغاصت فيها بعمق إلى أبعد حد، مما جعلها تحمل رسالة الأدب مستوفية، حينما يعبر عن طبيعة المجتمع والحياة.

- الأسلوب الأدبي الفريد وهو غني عن التعريف فيه، وشهادتي عنه قديمة، وقد صرحت في أكثر من مرة بأن لهذا القاضي الأديب نصوص لا تقل روعة وجلالا عن نصوص الرافعي وكبار الدباء، وأنها جديرة أن تدرس لطلابنا في المدارس والجامعات.

- ألحظ في السرد تأثرًا كبيرا بالقرآن الكريم وما يسمى أدبيا بالتناص القرآني كقوله: ولما سلمت وتلها للجبين وقوله: لا راضية ولا مرضية وغيرها من العبارات القرآنية مما يعطي دلالة بارتباط الكاتب بالبيان القرآني.

- رأيت الكاتب هنا يتشابه ويتماثل مع ثلاثة من الأدباء وهم: (توفيق الحكيم) في شيئين وهما كتابه يوميات وكيل نيابة الذي يماثل كتاب يوميات نائب في الأرياف وقصة النشر التي جاءت كاقتراح عن طريق صديق له كما حدث مع توفيق الحكيم في نشر أول أعماله عن طريق صديقه، ويأتي هنا تشابه كبير مع الأديب الروسي (فيودور دوستويفسكي)، والذي نشر كتابه المذهل (ذكريات من بيت الموتي) خلال تجارب وحياة وقصص المسجونين معه في سيبريا، كذلك فعل الكاتب في سيرته حينما اجتر لنا حشدًا هائلا من قصص القضايا والجرائم المأسوية المحزنة.

أما الأديب الثالث فقد جاءت قصة سارق الدجاجة، لتتشابه مع قصة ورواية البؤساء لـ(فيكتور هيجو) وما فيها من المعاني الإنسانية المحزنة المؤلمة والقانون الذي لم يراع الحالة الإنسانية وفرض على العقوبة أن تطارد بطل القصة الذي كان ضحية الفقر والجوع.

- الكاتب رغم اشتغاله بالقضاء وانغماسه وسط الجرائم التي تعددت أشكالها وألوانها، لم يفقد حسه الإنساني وظل شعوره بالرحمة ومواطن الأسى والشفقة، وانفعاله لأي مشهد مؤلم حي ظاهر يعلن عن وجوده

- فصل (لا تكتب) أعتبره من أقيم فصول هذه السيرة لأنه كتبه بروح الألم، وهو ما يذكرني يقول الأستاذ (أنيس منصور) يجب أن نكتب بألم فلان بدلا من قلم فلان.. وهو في الحقيقة كتب بالألم أغلب هذه المذكرات..

- المستشار (بهاء المري) أراه قد أفسد عليه القضاء ملكة الخيال أو نحاها جانبا، ولكن لماذا الخيال وهذا الشلال المنهمر من قصص الناس المدهشة تحوطه وتحاصره، والتي تستحق التسجيل والرواية.

- نجاح التصوير البياني الأدبي والتحليلي للشخصيات واضح جدا وملموس والذي نجم عنه تأثر القارئ بحب وكره الأشخاص الموجودين والتعايش معهم حتى أنني كنت أرى نفسي وأنا أقرأ كأنني أشاهد الأحداث والأشخاص والمواقف في فيلم سينمائي يعرض أمامي.

- لم يحك الكاتب أحداث حياته ومواقفها منفصلة عن رأيه وانطباعاته وإسقاطاته النقدية للمجتمع والحياة والتصرفات، وإنما كان ناقدًا معلقًا عليها يريد المستشار بهاء أن تعيش معه في حياته، وتعيش معه كذلك في عقله.

الأولى: حينما كان يتحدث عن جور الناس على الأيتام في الريف.

الثانية: طبيعة المجتمع الريفي في التدخل في شؤون الغير والتي لا تعنيه.

الثالثة: تعليقه على تفضيل بعض الأبناء على بعض في الميراث.. وغيرها كثير م المحطات التي حضر فيها بنفسه ليخاطب القارئ مما يجعل منهجية الكتاب منسجمة في طرحها وطريقتها من أول فصل إلى نهايتها.

- لا يمدح على طول الخط وهذا مما يجعل القارئ يحترم هذه السيرة وصاحبها وينظر لها بمصداقية عالية.. المستشار بهاء لم يقدم حياته وردية أو ملائكية وهو يحكي عن أصله وأهله وقرابته، بل كان صريحًا مع القارئ لا يكذب عليه، ولا يجمل نفسه على حساب الصدق، وإنما كان يخبر القارئ بالسلبيات والإيجابيات، حتى في أهله الذين يمثلونه ويعدون أقرب الناس إليه، ومن يتناول سيرتهم ويقدم وصفهم للناس، فهذه جدته وصرامتها وتفضيلها للذكر على الإناث، كان يصفها بالعنف والجور والظلم أحيانا، فهو إذن لم يتجمل على طول السطور.

ثم ينتقد أخواله حينما لم ير منهم ذلك الحب الذي يقدمه لأخواته.

ثم ينتقد حتى ابنته ويشرح لنا كيف كان تفكيرها العنيد، ورأيها المشاكس، لدرجة أن يقوم حتى من باب الأمانة أن يشرح هذه الطبيعة لمن جاء لخطبتها بأن -أمه داعية عليه- منتهى الأمانة والصدق.

ينتقد ولده مصطفى وكيف كان متعبًا في صغره دون أبنائه جميعًا

بل يتعرض لنفسه بالنقد حينما يشرح لنا كيف أنه إنسان لا ملاك.. إنسان كأي إنسان يمكن أن تعترضه ما يعترض أي إنسان من هنات وأشواق ورغبات، بل يمكن أن ينجذب لامرأة ويعب بجمالها كأي إنسان وهو ما تبدى في مقال حواء، ولكنه هنا كان دومًا من هذا النوع الذي يضع العقل قبل العاطفة وهذه منحة عظيمة وعطية من الله.

يمكن لك أن تعتبر هذه السيرة تعظيمًا للمرأة المصرية وكفاحها وعبقريتها في التربية والرعاية، وكيف يمكن لها أن تحقق أعظم إنجاز للحياة والمجتمع حينما تكون أهلا للتربية والتقويم بلل يمكن لها أن تفوق الرجال في ذلك، وهو ما ظهر من حديثه عن أمه التي كانت محور الفصول الأولى من السيرة.

الأم العبقرية

-----------------------

أحب أن تكون لي وقفة مع بطلة هذه السيرة الذاتية، وأنا أقول بطلة وجميعنا يعلم أنها صاحبها رجل، ولكنني أرى أن البطلة الحقيقية لهذه السيرة هي الأم التي خرجت وصنعت هذا الرجل الكبير النبيل.

حق له أن يقول: "أمي هي كل حياتي و كل حياتي هي أمي"

ولكننا ندعه ليقول ما يقول ويدعي ما يدعي، فلعلها عاطفة أبن تجاه أمه التي ربته، وإنني حينما قرأت وتصفحت وشاهدت، أدركت بقوة مغذى هذه المعاني التي ذكرها لنا، فهذه السيدة لم تكن مجرد أم عادية بل كانت عظيمة، وإن شئت فقل عبقرية في تربيتها وتعليمها وتهذيبها بكل ما تحويه هذه الكلمة من معان، فلقد وجدت روعة هذه الأمة بجميل طريقتها وباهر أسلوبها تخطف حسي عن أي نقد وملاحظة.. فها هي ننظر إليها فيما يلي:

- أرادت أن تعلمه أن يكون رجلا منذ صغره بأن يزاحم الرجال في أماكنهم في حضوره لمشاهد العزاء والأفراح والمشي في الجنائز مع الرجال الكبار.

- الركوبة التي أعدتها له كأحسن وأثمن وأبى ما تكون حتى يشعر بتميزه عن غيره

- عبقريتها حينما تهلل وجهها في وجهه بما حدثها عن رغبته في إعداد كلمة ليلقيها في الإذاعة المدرسية وتصحيحها لكلماتها ولما حفظها اقترحت عليه إلقاءها غيبا، لأنها تدرك ما في ذلك من زيادة الثقة في نفسه حينما يرى الإعجاب من التلاميذ والمدرسين باديًا أمامه.

- لم تلغي ذاته وشخصيته كما هو حال كثير من الأمهات مع وحيدهم وذلك في موقفين 1- اختيار الكلية 2- اختيار الزوجة، إذ لم تُمل عليه رغبتها وقد كانت لها رغبة ، لكنها تريد أن توجد فيه ذاته واختياره المستقل أي تريد أن تكون له شخصيته المتفردة.

- انظر لنصيحتها له حينما دخل الجامعة قالت له: (كن رجلا) ويالها من نصيحة تشعر معها أن قضية هذه الأم في حياتها أن يكون هذا الابن رجلا، ثم نرى تعليقه على هذه الرجولة وهو يقول: (أشعرني هذا بالرجولة التي أبت أمي إلا أن تلبسني ثوبها مبكرا في طفولتي.)

- شجعته في المرحلتين الإعدادية والثانوية على ارتياد معارض الكتاب وشراء ما يحلو له وكأنها تدرك قيمة الكتاب في حياة المتعلم وثقافته، رغم كونها لم تتلق تعليما وربة بيت ريفي.

- بل نرى عبقريتها حينما احتفظت بمكتبة زوجها المتوفي لتكون الذخيرة والإرث والزاد لولده من بعده، وكان ذلك القول الذي ورد (مكتبة أبي) فما أروعه وأجله أن نعنى به جميعا كأساس لتكوين أسرنا وأن يخرج النشء ليقول: تعلمنا من مكتبة أبائنا.. واليوم أرى وأسمع عن مكتبات تدمرها الأسرة والأولاد بعد موت أبيهم، بل من المحزن في قصة عالم كبير رمى أبناءه مكتبته في القمامة بعد رحيله.

البيت القرآني

--------------------------

أريد القول بأن هذا الإنسان الناجح والنموذج العبقري، شيء طبيعي ونتيجة متوقعة للبيت القرآني، فماذا ننتظر لذرية تخرج من بيت يُتلى فيه القرآن ليل نهار وكأنه محطة التلاوة، وهو سلوك الجد عبد السلام، ذلك الرجل الذي أدمن قراءة القرآن فخرجت منه هذه الذرية المباركة، وانعكست بركات القرآن على أهله وكان منهم هذا الرجل المبارك.

لم يكن الشيخ عبد السلام درويشًا يعيش في عزلة عن العالم وإنما كان رجلا بمعنى الكلمة حينما ثار ثورته العارمة ضد ابنه الذي جاء ضيفا من القاهرة حينما علم أنه لطم حفيدته اليتيمة أخت المري لأنها طالبت بمساواة أولاده لها في العمل، ثار الرجل ثورته وحلف ألا يبيت ولده ليلته في البيت وفعلا حمل الرجل أولاده وحاله وسافر للقاهرة من حيث جاء.. وأعترف أنني لم أقرأ من القصص في الانتصار للأيتام، كمثل ما رأيت في هذا الموقف العظيم، وهو ما جعلني أقول حينما قرأت: رحم الله هذا الرجل ويا له من رجل.

الوالد المربي

---------------------

عيب كبير أن نتحدث عن الأم العظيمة ونغفل طبيعة الأب وإنما لابد من الحديث عنه لتكتمل الحلقة التي تدلل على الأصل الكريم لهذا الرجل، والمري رغم كونه يتيما فقد وجود الأب، فلعله يظن أن أمه من تفردت بتربيته، ولكني أرى أن والده لم يمت في حياته وأن سيرته الحسنة الطيبة كانت عاملا من عوامل تربيته وتهذيبه بل كان هذا الأمل الذي يدفع هذه الأم أن يكون ولدها على أمثل ما يكون، إنما بسبب الرجل الزوج الذي أثر في حياتها وتتمنى أن يكون مثله.

كان المري في المدرسة الابتدائية يسأله المعلمون من أنت فيول لهم بهاء خيرت المري، فيقول له أحدهم: انت ابن الشيخ خيرت ثم تنزرف الدموع من عيني المعلم لأنه يتذكر والده، حدث هذا المشهد مع أكثر من أستاذ مما يدلل على أن هذا الرجل لم يكن عاديا، وإنما كان مؤثرا في محيطه.

تتجلى عبقريته في بره بأمه، ففوق رعايتها على المستوى المادي والمعاشي، كان يأخذ رأيها في كل شيء مع أنها لم تكن تفهم أكثر منه، ولكنه كان يريد أن يشعرها بأنها هي أساس الحياة ولا يمكن أن تسير بدونها.

كان مصلحًا اجتماعيا فما أن يسمع بعيب من عيوب الناس والمجتمع فيما يخالف الدين والشرع حتى يعد خطبة ليلقيها يوم الجمعة على آذان الناس.

كخطبة فضل خلفة البنات، وخطبة تفضيل بعض الأبناء في الميراث

أدب الجنس

---------------------

يذكر الكاتب وهو يتحدث عن زواج الفتيات الصغار في الريف وحديث النساء وقتها عن ذلك في جملة: (كنا نضع لها القطن في الفستان) يقول المري معلقًا: ( كم تعجب لهؤلاء البسطاء حين يعبرون عما يريدون التعبير عنه بعبارة تؤدي إليه دون أدنى خدش لحياء الأذن؟ إنها قمة إدراك تطويع اللغة بالفطرة لتؤدي البيان المطلوب.!)

وأنا هنا أراه يبعث برسالة للأدباء المنحدرون أو المنحطون الذين يخوضون بأدبهم في غمار الجنس ويظن أحدهم أنه حينما يكتب رواية داعرة أنه قد بلغ القمة في التعبير، ومن السفه أنه جماهير القراء من الشباب والشابات يفتنون بمكتوبه النجس، المستشار بهاء وكأنه يبعث بتعليقه هذا لهؤلاء الساقطين حينما يقارنهم بالفلاحين البسطاء الذي يراعون اللفظ مغلفا بالحياء. 

الكرامات

--------------------

موضوع كرامات الأولياء والمواقف العجيبة بارز جدًا في هذه السيرة فهناك مواقف تدلل على شفافية أصحابها وقربهم من الله حينما تخرج على أيديهم مواقف تقارب المعجزات أو من قبيل الإرهاص كلون من الخوارق، وكيف لا تنبع منهم مثل هذه الأمور فبيتهم بيت قرآني وهو منسب شريف ينتهي نسبه للحسين بن علي رضي الله عنه. 

نجد هنا موقف أمه ابنة الشيخ عبد السلام الرجل القرآني، وخريجة البيت الذي كان يقرأ القرآن فيه ليل نهار، فهنا موقفين نجد الكاتب يرويهما من قبيل الطرفة والتندر، ولكني والله أشتم منهما رائحة الكرامة والنقاء والشفافية.

- حينما عين وكيلا للنيابة وارتدى البدلة فوجد أمه تبكي وتدمع عينيها، فلما سألها قالت: عندما كنت صغيرًا كنت شديد النحافة فدعوت الله أن يرزقك عملا لا تفارقك فيها البدلة حتى تخفي نحافتك وقد كان واستجاب الله تعالى.

- حينما تغيب في عمله وكانت قلقة عليه فقالت لإخوته والحاضرين، وكان ذلك في الثمانينات قبل ظهور الموبيل والهاوتف المحمولة: (لو كان هناك تليفون يحمله الواحد في جيبة لنطمئن عليه) فأخذ الحاضرون يضحكون من سذاجة الأمنية، حتى تحققت بعد ذلك.

- كذلك حدث له بعض ما يشبه هذه الكرامات حينما كان في المواصلات، وجال بخاطره أن يكتب قصة أدبية فأخرج ورقة وكتب قصة سيدة ثرية تعاني في الحياة من الطامعين فيها، وكانت تجلس بجواره سيدة دمعت عينيها وهي تسترق النظر لمكتوبه حتى قالت له ان ما كتبه هو قصته.

الحكائين في حياته

-----------------------

لاحظت أن أغلب الأدباء أصحاب الخيال والبلاغة الخصبة الوافية، ومن يملكون الأدوات البيانية، ألحظ حينما أقرأ في حياتهم أن الله زرقهم ببعض الحكائين في حياتهم سواء كان والد أو والدة أو عمه أو خالة رجالا ونساء، وقد رزق المستشار بهاء بمن قام بهذه الوظيفة في حياته ورزقه كان موفورًا، فلم يكن شخصًا واحدًا وإنما كانت عمته والخالة نفيسة.. كان لديهم حكايات تنمي الخيال الخصب لدى هذا الأديب الذي ينتظره مع الأدب شأن.

بشاعة الإنسان

--------------------

وهي مما ميز هذه السيرة وجعلنا نقرأ فيها وكأننا نقرأ قصصًا عن البوليسية والجريمة، والحقيقة أنني نظرًا لحجم الكتاب الكبير أن لا أمر عليها حتى أنجزه سريعا، لكن ما أن أقرأ حتى أجبرني الدهشة والأسلوب والإثارة على استكمال القراءة من هول وعظم ما رأيت وشاهدت وعاينت، وتبين لي من خلال ما رأيت كيف أن الإنسان حينما يتجرد من الدين والخلق والضمير يصير أقذر من الوحوش المفترسة في سلوكه وأخلاقه، والحق أنها كانت قصصًا يندى لها جبين الإنسانية، وكان تعليقه عليها من متممات هذا الحزن وهذا الأسف.

كانت هذه القصص مليئة بالعبر والدروس الرهيبة التي نتعلم منها ونستقي الإشارات الدقيقة.

- كان من ضمن القصص التي استوقفتني للتعليق عليها لما فيها من بُعد تربوي قصة البدوي الذي اغتصب امرأة مسنة وهي صديقة أمه، وكان هذا الرجل متخصص في اغتصاب المسنات، فلما سأله عن هذا الأمر والسلوك الغريب، علم أن جدته هي التي ربته وكانت تقسو عليه حتى خرج سلوكه شاذًا بشعًا، مما يدعونا أن نحسن تربية أبنائنا حتى لا نخرجهم وحوشا يفسدون الحياة. 

احترام القانون والنظام والإنسان

--------------------------------------------

أسعد كثيرا وأبتهج حينما أرى مواطنًا يحترم القانون، وأكون أكثر سعادة حينما أجد مسؤولا يحترم القانون، ولا يستغل منصبه ونفوذه وجاهه ومعارفه ونحن نسمع عن هؤلاء في حياتنا العامة كثيرا ونسمع أن هناك طبقة فوق القانون، ويتجلى هذا في موقفين يحترم فيهما القانون والنظام ولا يستغل منصبه

- احترامه للمرور ونقاشه مع ولده بضرورة احترام النظام حينما مرا على كمين ووقف ليري الضابط وثائقه فاعترض ولده قائلا: قل له إنك مستشار يا بابا فرفض هذا المسلك.

- حينما كان الكاتب مريضًا بفيرس سي وكان يذهب للعلاج ويقف في طابور المرضى ولما يأتي دوره يقول له الإداري : لماذا لم تقل إنك فلان، فيجيبه وماذا أقول وكلنا في الهم سواء، لم يستغل الرجل منصبه ليتعدى على حق الآخرين ممن لهم سبق في الحضور، لأنه يحتر النظام والقانون ومن قبل هذا يحترم الإنسان، وغير ذلك من القصص الإنسانية الرائعة التي تدلل على رجل لا يعمل بالقانون فقط وإنما يحترمه ويطبعه على نفسه.

- انظر ذلك كيف وعى قلبه وعقله وصية النائب العام في أول اجتماع له وزملاءه معه بعد تعيينهم في النيابة، إنه مازال يحفظها إلى اليوم وعمل بها وطبقها حتى أشرقت مسيرته الزاهية: كان يقول لهم:" افتح بابك للناس جميعا، واستمع إلى شكواهم، وذلل لهم ما استطعت منها، فإن لم تستطع، فسيكفيه أنه انصرف من أمامك راضيا"

1- يدلل الكاتب على نفسه المشبعة بالتواضع والاستواء في موقفه من حارسه وأمره بتغييره حينما لم ينصع لطلبه في عدم ترويع الناس كلما خرج أو دخل لمكتب النيابة، وهو ما يدفعني للقول: ماذا لو كان كل المسؤولين في الدولة كبهاء المري وعلى هذا المستوى الكبير من احترام القانون والإنسان.

روح القانون

----------------------

تعلمت من المستشار بهاء أن القانون ليس كما يشيعون عنه بلا روح وأنه جامد ولا يرحم ولا يراعي الظروف الإنسانية وذلك من قصتين غاية في الأهمية والإنسانية

1- قصة الغزاوية من مفاخر المستشار بهاء، ماذا يفعل المستشار وماذا يفعل القضاء؟ نظر للجريمة وقبل أن ينظر إليها نظر للبعد الإنساني والوطني والنفسي والديني والعروبي فكانت البراءة.. وقد ابتدأت بها حديثي عن هذه السيرة. 

2- قصة سارق الدجاجة التي أعادت إلى ذهني قصة البؤساء لفكتور هوجو لأنها نفس الملامح ونفس المسار ونفس الجريمة، ولكن المري أبى أن تتكرر قصة البؤساء، فأوقف هذا البؤس حينما أمر بالافراج عن هذا السارق الجائع الذي يبحث عن لقمة عيش لأبنائه الذين لم يتذوقوا لحمًا لأكثر من شهر فكان القانون في يده عظيمًا على غير القانون في فرنسا مع قصة البؤساء، كما أشبع الكاتب هذه القصة بما يشبه بانوراما إنسانية تشعر ورجل ملأ الحزن قلبه تفاعلا مع دموع المتهم الفقير، مما نعرف منها أننا فعلا أمام كاتب إنسان قبل أن يكون قاض يحكم في مصير متهم وسارق.

 

لا أجد أكثر براعة وتعبيرًا لأختم به هذا العرض من قراءتي لسيرة (قاض من مصر) إلا ذلك التعبير الجامع المانع لإحدى القارئات النبيهات حينما سألتها عن رأيها في الكتاب فقالت لي: (إنني حزنت) فقلت لعلها حزنت من بعض مشاهده المأسوية، ولكن تبين من جوابها أنها حزنت حينما انتهى الكتاب وكان بودها وشغفها أن لا ينتهي.. قلت لها: لقد قلت أجمل ما يقال في كتاب، ووصفت أجمل ما يوصف به مكتوب.

فهل يا ترى يكون ذلك القول دافعا للقارئ أن يقتني هذه السيرة ليرى هذه المسيرة الحاشدة بمحطات العبرة من تاريخ هذا الرجل؟!

إحصائيات متنوعة مركز التدوين و التوثيق

المدونات العشر الأولى طبقا لنقاط تقييم الأدآء 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية) 

الترتيبالتغيرالكاتبالمدونة
1↓الكاتبمدونة نهلة حمودة
2↓الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب
3↑1الكاتبمدونة محمد شحاتة
4↓-1الكاتبمدونة اشرف الكرم
5↓الكاتبمدونة ياسمين رحمي
6↓الكاتبمدونة حاتم سلامة
7↓الكاتبمدونة حنان صلاح الدين
8↑1الكاتبمدونة آيه الغمري
9↑1الكاتبمدونة حسن غريب
10↓-2الكاتبمدونة ياسر سلمي
 spacetaor

اگثر عشر مدونات تقدما في الترتيب 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية)

#الصعودالكاتبالمدونةالترتيب
1↑31الكاتبمدونة فاطمة الزهراء بناني203
2↑22الكاتبمدونة مها اسماعيل 173
3↑14الكاتبمدونة مرتضى اسماعيل (دقاش)205
4↑11الكاتبمدونة منال الشرقاوي193
5↑5الكاتبمدونة كريمان سالم66
6↑5الكاتبمدونة خالد عويس187
7↑4الكاتبمدونة نجلاء لطفي 43
8↑4الكاتبمدونة غازي جابر48
9↑4الكاتبمدونة سحر حسب الله51
10↑4الكاتبمدونة نهلة احمد حسن97
 spacetaor

أكثر عشر مدونات تدوينا

#الكاتبالمدونةالتدوينات
1الكاتبمدونة نهلة حمودة1079
2الكاتبمدونة طلبة رضوان769
3الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب695
4الكاتبمدونة ياسر سلمي655
5الكاتبمدونة اشرف الكرم576
6الكاتبمدونة مريم توركان573
7الكاتبمدونة آيه الغمري501
8الكاتبمدونة فاطمة البسريني426
9الكاتبمدونة حنان صلاح الدين417
10الكاتبمدونة شادي الربابعة404

spacetaor

أكثر عشر مدونات قراءة

#الكاتبالمدونةالمشاهدات
1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب334240
2الكاتبمدونة نهلة حمودة190387
3الكاتبمدونة ياسر سلمي181745
4الكاتبمدونة زينب حمدي169875
5الكاتبمدونة اشرف الكرم131087
6الكاتبمدونة مني امين116825
7الكاتبمدونة سمير حماد 107959
8الكاتبمدونة فيروز القطلبي98068
9الكاتبمدونة مني العقدة95145
10الكاتبمدونة حنان صلاح الدين91987

spacetaor

أحدث عشر مدونات إنضماما للمنصة 

#الكاتبالمدونةتاريخ الإنضمام
1الكاتبمدونة عطا الله عبد2025-07-02
2الكاتبمدونة نجلاء البحيري2025-07-01
3الكاتبمدونة رهام معلا2025-06-29
4الكاتبمدونة حسين درمشاكي2025-06-28
5الكاتبمدونة طه عبد الوهاب2025-06-27
6الكاتبمدونة امل محمود2025-06-22
7الكاتبمدونة شرف الدين محمد 2025-06-21
8الكاتبمدونة اسماعيل محسن2025-06-18
9الكاتبمدونة فاطمة الزهراء بناني2025-06-17
10الكاتبمدونة عبد الكريم موسى2025-06-15

المتواجدون حالياً

618 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع