في صغري وقع في يدي كتاب قصص الأنبياء المسمى بـ (عرائس المجالس) للثعالبي
كان الكتاب مبهرا مما فيه من أخبار وحكم وآثار وعجائب ومدهشات، وكثير من الإسرائيليات.
وكان مما قرأت فيه:
حينما يكبر الرجل في السن، يزداد وقارا وجمالا، بينما المرأة حينما تكبر في السن، يفارقها الجمال وتكون أقبح مما كانت عليه.. والسبب في هذا:
لأن الرجل خلق من طين الصلصال، الذي كلما مر عليه الزمن زاد جماله وأصالته، وأما المرأة فخلقت من عضل الرجل أي لحم، واللحم إذا مر عليه الزمن قبح وفسد.
أعادت لي حالة التنمر على الفنانة ميرفت أمين، في الصورة التي التقطت لها في محفل عزاء، وقد غزت الشيخوخة ملامح وجهها، وكأنها قد أجرمت، أو اختارت لنفسها هذا المسار، فاستحقت لوم اللائمين، وازدراء المستهجنين.
وكان اللوم الأكبر على بعض المتدينين، لأنهم جعلوا من حالة الهرم التي أطاحت بزمن المرأة الجميل، وأيامها التي كانت تتيه على الدنيا بزينتها، سبيلا للموعظة وضرب المثل والاعتبار بتقلبات الحياة وعواقب الأيام.
لقد اغتنموا الفرصة، ليذكروا الناس بأن المصير والمآل، لن يدوما، وأن كل شئ سيذهب إلى نهايته، وأن الجمال والشباب يبلى.. وبعضهم زاد في رقعة السخرية، فكان ذلك فرصة قدموها لأعداء هويتهم أن يشنعوا عليهم ويظهروا رداءة تفكيرهم، وجفاء أخلاقهم، وفساد أرواحهم، وسوء تمييزهم وغباء تقديرهم.
ولم يكن هذا القطاع من المتدينين وحدهم من تنمروا على المرأة، وإنما كثير من المعلقين من مدمني السخرية والاستهزاء بالآخرين، قاموا بواجبهم أوفى قيام، وعلى أتم صور الوقاحة والسخرية.
لكن شعورا ما يختمرني، وربما يعيب البعض صدوره مني، لكنني أؤمن به، وأراه واجبا علي أن أعلنه وأنطق به.
ألا تراعون مشاعر المرأة، حينما تواجهونها بهذا النقد السخيف؟
ألا يهولنكم ما قد تسببونه في جرح مشاعر امرأة، ربما يؤرقها ما تعيرونها به؟
حتى ولو كان ذلك من باب الوعظ والاعتبار.. لا يجوز أن يصدر من مسلم، أو إنسان متحضر راقي.
كم نحن حمقى همجيون سخفاء في طرحنا وخواطرنا وسخرياتنا.
إني لأتعجب، هل يحدث مثل هذا السخف في بلاد الغرب؟
إن لدينا قدرة هائلة وجرأة متناهية، في جرح الأحاسيس، وخمش المشاعر، وهدم النفوس، وقتل الصفاء.
نحن هنا لا نرثي مشاعر امرأة بقدر ما نرثى قلوبا تحجرت وأخلاقا أعلنت وفاتها، ونفوسا خربة استباحت كل شيء، وشمتت في كل شيء حتى الكبر والعجز والموت.
إن هناك أدبا أقره الإسلام في التعامل مع مثل هذه الحالة، وأرانا ننسلخ عن هذا الأدب في فجور سحيق.
كان عمر رضي الله تعالى عنه يسير يوماً في الطريق فرأى رجلاً يتسول، فقال له مالك يا شيخ؟ فقال الرجل: أنا يهودي وأتسول لأدفع الجزية، فقال عمر: والله ما أنصفناك نأخذ منك شاباً ثم نضيعك شيخاً، والله لأعطينك من مال المسلمين، وأعطاه عمر ـ رضي الله عنه ـ من مال المسلمين؟
هذا هو الرقي في المشاعر والأحاسيس الذي ننشده لأخلاقنا باتت في برود وغفلة.