بعض الأدباء الشبان اليوم، يتخيلون أن اللحظة التي ينطلقون فيها إلى حافة العبقرية، هي لحظات التمرد، وأن الأديب الحق في نظرهم، هو ذلك الأديب المتمرد.. المتمرد على كل شئ، على المألوف والمقنن والمعتاد والمتوارث والقيم والفضيلة، بل حتى التمرد على كينونة الدين والأخلاق.
لقد كان حزني مضاعفا حينما رأيت وسمعت بعض شبان الأدب وطلابه، وهم يتحدثون عن روعة الأديب الفلاني والأديبة الفلانية، التي أبدع أو أبدعت، في تصوير مشهد جنسي داعر، وأحاسيس جنسية منحطة، تكفلت بصنع خيال ساخن في أذهان القراء.
كان هذا الصنيع في أذهانهم غاية النجاح، وروعة الموهبة المتألقة.
والحق أن رسالة الأدب هي رسالة الأخلاق، وأن الرباط بين الأدب والأخلاق رباط متين، فالأدب وسيلة من وسائل توطيد معالم الأخلاق في الحياة والمجتمعات، ومن عجب أننا ندعوا لصيانة الأخلاق، ثم يخرج منا من يدافع عن دعارة الأديب، بحجة أن له مطلق الحرية الكاملة، في أن يقول ما يشاء ويصور ما يريد.
إن الأدب والأخلاق وحدة واحدة، لا يمكن الفصل بينهما أبدا، تحت أي دعوى أو أي مسمى خادع براق.
وعندي أن هذا الأديب الذي ينال مكانة مرموقة في الساحة الأدبية بفضل كتاباته الجنسية الداعرة، هو أديب كسب مكانته بالحرام، وعلى حساب الأخلاق، بل كانت هناك من حالته كارثة أعظم وأخطر، وهي الدلالة الواضحة الفاضحة على ضحالة الأخلاق التي مني بها هذا الجيل الذي أخذ يصفق له، وسقوطه بقوة في المعترك الأخلاقي، وانحرافه بالأدب عن مساره القويم.
ولنا أن نتساءل: ما الذي نستفيده أدبيا ونفسيا وخلقيا وعلميا واجتماعيا، من وصف مفاتن امراة، وتصوير علاقة حميمية، أو تأجيج الشهوة عبر قبلة ساخنة بين عشيق وعشيقته؟ اللهم إلا إثارة الغرائز، وتهييج الأحاسيس الجنسية، التي يسيل لها لعاب المنفلتين قيميا وأخلاقيا.
هل تتخيل يوما أنني رأيت كلاما لكاتبة من الكاتبات وهي تصف رواية أديب مشهور، وتصف ما سطره في روايته من مشاهد الجنس، فتقول: وااااو.. فظيع ملوش حل؟
الله يحل وسطك يابعيدة يا مخلولة.
بل يعد بعض الأدباء اليوم وتسبقهم في ذلك الأديبات، أن مشاهد الجنس ضرورة في روايتهم، ولازمة أدبية لابد من خوضها، وأن براعتها الحقيقية وموهبتها القريدة ستتألق في وصفها لهذا المشهد، وأن حكم القراء على مدى جدارتها الأدبية مرهون بهذه السخونة التي إن حققتها في خيال القارئ، فسوق تحقق النجاح المنشود.
ولعلي سقت الأديبة قبل الأديب، لأن ذلك يرجع إلى فكرة التمرد الضالة، التي علموها لهذا الجيل، وإذا جاءت هذه النقيصة من امرأة، فإن فكرة التمرد، تكون قد حققت بعدها المثالي، حينما تخرج من امرأة يفترض أن تكون أكثر حياء وأدبا وعفة.
وهكذا تسقط حسابات الأخلاق تحت دعاوى الابداع والتوهج الأدبي.
هل تعلم أيها الأديب الداعر، أن روايتك لو راجت في سوق الأدب وكسبت منها وتربحت من توزيعها، فإن كل مال يأتي منها هو مال حرام؟
نعم والله حرام.. حتى لو سألت شيوخ الدين لأجابوك بذلك.