شيء جميل ما حدث أمس الجمعة من جريدة الأهرام حيث نشرت تقريرًا أدبيا تحت عنوان (أدباء خاصمتهم الأضواء.. حكـايـات وأسـرار)
كان من المتوقع أن يكون الحديث عن أدباء تتوافق أفكارهم من التوجهات العلمانية التحررية التغريبية وذلك لغلبة المتغربين ومن يسمونهم بالتنويريين وسيطرتهم على الصحف ومنابر الإعلام، لكن ما حدث أمس من الأهرام كان شيئًا غير مسبوق حينما تحدثت عن عادل كامل وجاذبية صدقي، وكانت المفاجأة المذهلة حديثها عن الرائد الإسلامي الكبير محمد فريد وجدي.. وفعلا ما كان فإن من الغرائب المدهشات أن يُجهل رجل عالم أديب مفكر مثل فريد وجدي، ولا يعرفه المشتغلون بالفكر والأدب، بل لا يعرفه كذلك المتدينون ولا يقرؤون له، وقد كان الرجل في يوم من الأيام حائط صد إسلامي كبير، وفارسًا من الفرسان الذين يذودون عن حياض الدين، وأنت تعجب من الأستاذ العقاد الذي قلما تنفعل عاطفته وقناعته برجل، فإذا شهد لأحد من الناس، فإن هذا المشهود له لا شك على درجه كبيرة من العظمة والعبقرية، بينما العقاد لم يشهد لفريد وجدي فقط، وإنما كان مفتونا به، وجزم أنه كان له من اسمه نصيبا فهو فريد لا مثيل له.
لم يكن العقاد وحده من ذكر فريد وجدي وأشاد بفضله وعظمته، بل نجد شيخنا العلامة محمد رجب البيومي كان أكثر حفاوة وافتنانا بالأستاذ وجدي، حينما اندفع ينقب عن تراثه ويعيد إحياء كتبه للقراء، بل سارع فألف كتابا خاصا عنه، وشجع أقرب تلاميذه إليه وهو الدكتور هشام البيه أن ينال رسالة الماجستير عن الأستاذ محمد فريد وجدي.
هذا الرجل المدهش كان أمة وحده، وخير شاهد على هذا دائرة معارف القرن العشرين التي ألفها من 10 أو 11 مجلدا كبيرًا وهو العمل الذي لا ينجزه إلا جيش عرمرم من الباحثين، لكن وجدي تحمل العبء وحده.
كان مما يميز وجدي رغم غيرته على الدين، أنه كان مهذبا إلى أبعد حد، لطيفا هينا لينا يكسب قلوب خصومه قبل محبيه، حاول يوما زكي مبارك وهو صاحب اللسان الحاد الذي ينطق أحيانا بالسم، وأحيانا أخرى يتحول إلى رعد قاصف لا ينجو منه خالفه، وقد خالف وجدي يوما فانبرى ليستخدم معه الأساليب القبيحة التي درج وتعود عليها، لكنه رجع واعترف أن وجدي بما تحلى به من الأدب والموضوعية جعله في موقف محرج واستحياء أن يناله بسوء.
أروع ما في وجدي ومن أجل سماته شيئان الأول منهما، هو تشجيعه وتحميسه للموهوبين من الشباب الذي كان يفسح لهم المساحات فيما يشرف عليه من المجلات فينشر لهم ويجعل أسماءهم مع أسماء الكبار دفعا لهم لمزيد من الابداع.
الأمر الثاني.. هذه السماحة المذهلة في الترحيب بالرأي المخالف، فرغم كونه رئيسا للتحرير لم يكن أبدا يقف أمام رأي أو مقال لكاتب أو محرر يخالف رأيه ونظرته، فما أسماه وأجله رحمه الله.. ولا يسعني في النهاية مع دهشتي واستغرابي إلا أن أوجه شكري وامتناني للأهرام أن ذكرت الجماهير بعلم من أعلام الإسلام وحارس من حراسه الأشاوس.