العيال الوهابية، هذه هي الجملة والرد الذي صرنا نسمعه كثيرا من أفواه شيوخ البدعة والخرافة، الذين ارادوا أن يختصروا بها مسافات شاسعة من العجز والخذلان والهروب والتملص، والتبرير المجحف الظالم المجافي للدين والمنطق والعقل.
فكلما أنكرت منكرًا أو رددت إفكا وزورا أو وقفت في وجه باطل وزيف، وجدت هذه التهمة العاتية تنتظرك، في محاولة خبيثة لقمعك وإخراسك وتحويل الدفة من مسار الدفاع إلى هجوم.
أسلوب رخيص وطريقة ملتوية، يستخدمها اليوم بعض الشيوخ ممن يظهرون في الفضائيات والمقاطع يتمسحون في عباءة التصوف وهم ليسوا منه في شيء، ويروجون باسمه حالات من الدجل المريع، يخدعون بها العامة وبعض المريدين السذج الذين يلتفون حولهم يصفقون لكل باطل وهراء.
قرأت موخرا مقالة للباحث الجدير الدكتور رضا راشد علي في التصوف لوح فيها إلى هذه (الموضة) او اللكنة التي انتشرت هذه الأيام على ألسنة كثير من شيوخ لا أعتبرهم يمثلون التصوف، ولا يعبرون عن حقيقته، ولكن للأسف يروج إليهم اليوم بقوة ويتم فرضهم على الناس في كل المنصات تحت مسمى الصوفية، والصوفية الحقة براء من أفعالهم وأفكارهم وهذيانهم وخرافاتهم، الباحث الموقر لفت إلى تلك التهمة الخبيثة، وأظهر ما وراءها من غرض دنئ ملتو حيث قال: "يحاولون دائما أن يظهروا الخلاف بينهم وبين جموع المسلمين ممن ليسوا على شاكلتهم على أنه خلاف (صوفي- وهابي) في محاولة يائسة منهم لإيهام الناس أنهم يمثلون جمهور المسلمين، وأن الحق هو ما هم عليه، وأنهم لا يخاصمهم في عقيدتهم إلا طائفة الوهابية المتطرفة الشرذمة القليلون، وهؤلاء- يعنون من يسمونهم بالوهايية - في الناس لا وزن لهم، ولا علم لديهم، ولا يمتكلون حجة ولا برهانا على كلامهم..هكذا يزعمون ويكذبون ويأفكون.. وهذا باطل من القول وزور، يكذبه فتاوى علماء لا هوية ولا انتماء لهم إلا أنهم أزهريون، لكنهم بظينهم مستمسكون وعلى الحق ثابتون. ما كان إنكار هذه الترهات يوما مقصورا على من يسمون بالوهابيين وحدهم، بل كان دأبَ كل عالم يتقي الله في نفسه ولا يبيع بدينه ثمنا قليلا من مال أو هوى متبع.
هل كان الدكتور محمد أحمد المسير وهابيا؟! هل الدكتور محمد سالم أبو عاصي وهابي..وغيرهم وغيرهم.. إذن فمن المغالطة والتدليس أن يحاولوا إيهام الناس بأن ما يفعلونه إلا يكن مجمعا عليه فهو من المتفق عليه بين جموع كثيرة."
لم يكتف الشيخ بهذا الإدراك الحصيف منه، ولم يكتف بذكر نموذجين من عالمين معاصرين، وإنما راح يصدر مقالة أخرى للمنفلوطي سيد البيان وقد كتب في رده على بعض السائلين، كلاما ملهبا لطريق وأفعال لا يعرفها الإسلام ولم تقرها شريعته في يوم من الأيام.. لقد كانت مقالة المنفلوطي عن التصوف الزائف بمثابة فضيحة للمدعين الجهلاء، بل كانت في حقيقتها ضربة مؤلمة خصه الله بنعمة البيان فكوى به زيوف المهرجين.
وطرح الباحث سؤالا ساخرا فقال: هل كان المنفلوطي مطلقا لحيته؟
أو هل كان وهابيا متطرفا؟
إنه لم يكن إلا مسلما غيورا على دينه.
لقد درست أن المعتزلة وجدوا الناس من أصحاب المذاهب من حولهم، قد درسو اللغة والبلاغة وصاروا وملكوا ناصية البيان في الدعوة لأفكارهم والتصدي لخصومهم واستمالة الناس إليهم، فعزم المعتزلة على أن يخوضوا ميادين هذه العلوم، فحاذوا فيها قصب السبق والتفرد، بل صاروا الأئمة في البيان واللغة، واستطاعوا مناجزة خصومهم بسلاحهم الذي تفوقوا عليهم فيه ببراعة وإتقان.
وعلى ذات الخطى مع فارق المثال والغاية يذكرنا الباحث بنقطة خطيرة، إذا لم يكن الناس على وعي منها، فهم في خطر كبير، حيث يقول: "ابتلينا بأناس ارتدوا ثياب العلم، وامتلكوا طرفا من زمام الفصاحة ، فكان حريا بهم وقد أنعم الله عليهم بما أنعم أن يشكروا نعمة الله عليهم فيستثمروا نور عقولهم (بالعلم) ونور ألسنتهم (بالفصاحة) في إخراج الناس من ظلمات الغواية والجهل إلى نور الهداية والولاية والعلم، ولكنهم بدلا من ذلك راحوا يستغلون ما أنعم الله به عليهم من نور العلم وحلاوة اللسان في إلباس الباطل ثياب الحق، بما يحاولون من تبرير هذه الأباطيل التي يرتكبها جهلتهم وعوامهم."
ذكرني هذا المشهد ببعض الطيبين الذين كانوا يستمعون لحسون مفتي سوريا السابق في عهدها البائد، وهو يتحدث في الدين بما أوتي من فصاحة اللسان ومسحة البيان، كم كان موثرا وكم كان نافذا إلى القلوب، والرجل من أشد عباد الله كفرانا وظلما.. وأذكر كذلك من بعض شيوخ الإفك، من يتكلم في مقطع مرئي ويدير لحنا من الموسيقى ليجمل الكلام ويجعله أكثر تأثيرا في القلوب، وهو ما يحدث فعلا فيجد إقبالا كبيرا من الدهماء، يعظمون شخصه وقوله.
نحتاج اليوم إلى يقظة عالية ووعي شاهق، وبصيرة نفاذة، حتى يتكشف أمام عقولنا كل المردة وتظهر حقيقتهم واضحة دون غبش، ولا يجدون بعد ذلك سبيلا إلى خديعتنا بمسعول الكلمات، وطنين المعازف.






































