من سمات الأمم الجاهلة التي تخاصم القراءة والثقافة، أنها تنخدع دوما بالعناوين البراقة التي تحملها كتبا تافهة هابطة ساقطة الأفكار مهترئة الغايات.
فما أن تطوف برأس أحدهم فكرة هابطة بائخة عبثية بلهاء تخالف المألوف لا قيمة ولا سناد لها من العلم الصحيح والمنطق السليم، حتى يحك رأسه حائرا مضطربا متفكرا: كيف لي أن أجعل منها كتابا تضج به الدنيا، وتتحدث به الركبان، ويقيم زلزالا ويصير شغل الشاغلين.؟
وهنا يستدعي الشيطان ليقدم إليه فكرته الماردة ويساعده وصعها، فإذا به يقول: إنه العنوان ولا شيء غير العنوان.
نعم أعلم أن كتابي تافها مملا سقيما لا وزن له، ولكنني يمكن أن أجعل منه الكتاب الأول على الساحة الفكرية، وتلوكه ألسنة الناس في كل مكان، إذا ألهمني الشيطان فكرة عنوان مثيير خاطف قابض صادم غريب محير.
إنهم يشابهون تماما بعض بائعي الفاكهة ممن لا ضمير لهم، حينما يصدرون إليك الناضج منها على وجه القفص، فيسرك مشهدها ويعجبك نضارتها، ولا تعلم أن أسفلها يعج بالفاسد المغشوش.
وهذا هو بالضبط ما لعبت عليه مؤخرًا صاحبة كتاب كاملات عقل ودين، فما أن تقرأ الكتاب حتى تجد كل فصوله قص ولصق ونقل من كتب العلماء وأقوال المستشرقين وترديد لطعونهم المعروفة المشهورة، ومحاولات خاطئة لتفسيرات شاذة تروج لها الكاتبة وتعيدها من جديد وتخاطب بها الجمهور كأنها مسلمات وثوابت تبني عليها أوهامها.
وإذا نظرت للكتاب الطويل العريض رأيت أن فكرة الكاتبة كان يمكن أن تلخصها وتشرحها في مقالة مكونة من ألف كلمة، ولكن خيالها المريض أوحى إليها أن تكون صاحبة كتاب فكري، وتوهمت أنها تستعيد سيرة كتابي الشعر الجاهلي والاسلام وأصول الحكم، أو كتاب من هنا نبدأ.
ومثله مؤخرا ما حدث من رجل مضطرب الفكر، صحا من نومه فوجد نفسه لا شيء، وأحب أن يكون شيئا، فماذا يفعل؟
ضرب الهوى خياله المريض وقال في نفسه: لماذا لا أخط كتابا أعارض فيه العملاق عباس العقاد وأنقده نقدا عنيفا وأحوله إلى شيطان 😈 مريد، وأن أضع عنوانا يجمع بين الهدوء والإثارة في آن واحد، حتى يكون سبيلا لخداع القراء وإقناعهم، والايحاء لهم بأنني مفكر سديد النظر والفهم، والرأي عندي أن أسمي هذا الكتاب (مناقشات هادئة لإسلاميات عباس العقاد)
و إفكا وزورا ما صنع وما أوعز إليه به خياله الهاوي، فقد أراد صاحب هذه العقلية المتوهمة أن يصور عملاق الأدب العربي والفكر الإسلامي، كأكبر شيطان عرفته الدنيا، بل صور لنا الرجل الذي وصفه الشيخ الغزالي بأنه أكبر مدافع عن الإسلام في القرن العشرين بأنه أكبر عدو للإسلام منذ قيام الدعوة المحمدية، بل وأخطر عداوة من أبي جهل.
لقد ظننا أن لكتاب الرجل قيمة فإذا به وقد كان الأجدر أن يسمى مناقشات عبيطة لإسلاميات العقاد، وأكثر ما يروعك منه الاجتزاء الجائر لكلمات العقاد وإقامة التهم عليها، مما جعلها كما قلت من قبل فضيحة فكرية ما كان لها أبدا أن يضمها كتاب مسطور.
وللأسف خدع العنوان كثيرين، واقتنع بخرافات الكتاب طائفة ممن يلتفون حول الرجل يريدون أن يجعلوا منه امتدادا للأستاذ أنور الجندي ولكن هيهات هيهات، فلر يمكن للثرى أن يبلغ الثريا.
وأحيانا أخرى قد تبحث أحيانا عن عنوان لموضوع معين، وتظن أن هذا العنوان سيهديك لما تشتاق إلى القراءة عنه، فإذا به بعدما يستقر لديك، تقسم أنه من الحرام أن توصم تلك الصفحات بهذا العنوان.
فقد بدا لي يوما مضى أن أبحث عن كتاب يتناول حياة شيخ العروبة محمود شاكر وأخذت أبحث هنا وهناك علني أجد غايتي ومأربي حتى علمت أن هناك كتابا تحت عنوان (محمود محمد شاكر حياه قلم) للاستاذه عايده الشريف وتخيلت أن هذا الكتاب سيكون مثل كتب التراجم الشيقه التي أعتدت عليها وإنني سأجد فيه ضالتي التي تتحدث عن أسرار وعلامات ومبهرات وملامح هذه الشخصية الكبيرة، وأعياني الحصول على الكتاب، ولكني ظللت أجد في البحث حتى استطعت العثور عليه وما إن قلبت صفحاته فإذا بها ورقات تائهه زائغة لا تعرف أولها من آخرها، ولا تعرف ما تريده صاحبتها من الحديث الذي لم يعبر عن الشيخ محمود شاكر بالشكل الذي كنت أرجوه، ولم يقدم من تصويره شيئا مما كنت أحلم به، ومن يومها أدركت أن العنوان يمكن أن يكون سبيلا أكيدا لخداعك والضحك عليك وإغراقك في وهم كبير.